في "يوم المدافع عن أرض الآباء".. أمن روسيا يمتد إلى دونباس
"يوم المدافع عن أرض الآباء" في روسيا يحلّ بطريقة مختلفة هذا العام، فيما يسود التوتر في منطقة أوروبا الشرقية، الغرب يفرض عقوبات على روسيا، والناتو يستمر في توسيع قواعده، ما يزيد الأوضاع تعقيداً. فالهجمات الأوكرانية المتتالية على جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك صعّدت التوترات في إقليم دونباس، ما دفع رؤساء الجمهوريتين إلى طلب الاعترف بالسيادة من روسيا.
نشر الكرملين اليوم الأربعاء مقطع فيديو للرئيس فلاديمير بوتين، بمناسبة "يوم المدافع عن أرض الآباء"، أكد فيه استعاد روسيا لإجراء "حوارٍ مباشر وصادق" في الشؤون الدولية، مع مراعاة مصالح وأمن روسيا وعدم قابليتها للتفاوض بشأنها مع الغرب. وتطرّق بوتين إلى الوضع الدولي وتطوراته وصعوباته، ضارباً المثل بإضعاف نظام الحد من التسلح أو النشاط العسكري لحلف الناتو.
كما وجّه دعوة لبناء نظام متكافئ من الأمن غير قابل للتجزئة وهذا ما لم يراعه الغرب، مشدداً مرّة أخرى على أنّ مصالح روسيا وأمن مواطنيها غير قابل للتفاوض مطلقاً.
"يوم المدافع عن أرض الآباء".. الكل إلى السلاح
انطلق الرئيس فلاديمير بوتين في خطابه هذا العام في "يوم المدافع عن أرض الآباء" من مبدأ سامٍ أسسه "الجيش الأحمر" والقائم على مصالح روسيا وأمن مواطنيها، فما هي قصة هذا اليوم؟
يمثّل يوم 23 شباط/فبراير يوماً وطنيّاً للافتخار في الوجدان الروسي والسلافيين أيضاً، وتعود ذكرى الاحتفال به إلى يوم تشكيل "الجيش الأحمر" في عام 1918 من أكثر من 450 ألف جندي، وبقي "عيد الجيش الأحمر" إلى أن انهار الاتحاد السوفياتي، فاكتسب العيد اسمه الجديد بالروسية: "يوم المدافع عن أرض الآباء".
تاريخياً، أصدر مجلس مفوّضي الشعب في روسيا السوفياتية في كانون الثاني/يناير عام 1918، مرسوم تشكيل الجيش الأحمر للعمال والفلاحين، الذي نشر في الجهاز الرسمي للحكومة البلشفية، ممهوراً بتوقيع رئيس مجلس مفوضي الشعب فلاديمير أوليانوف – لينين، ومفوضّي الشعب للشؤون العسكرية والبحرية، وعدد من الشخصيات الاعتبارية، وذلك بعد أن أبلغت القيادة الألمانية الممثل السوفياتي المتبقي في برست ليتوفسك، بشكلٍ رسمي، أنه ابتداءً من الساعة 12 من يوم 18 شباط/فبراير ستنتهي الهدنة بين روسيا وألمانيا وستستأنف حالة الحرب، حيث هاجمت القوات الألمانية والنمساوية-المجرية طول الجبهة الشرقية، وأخذت تتقدم من دون أي مقاومة تقريباً، ما مكّنها من احتلال سهل لمدن مثل بسكوف وريفيل ومينسك ونارفا.
بعد الهجوم الألماني، كان الوضع كارثياً وتوالت الانهيارات والانشقاقات في صفوف الجنود، ويقول بعض المؤرخين الروس إنّه وبسبب الشائعات حول القوات الألمانية، تركت مدينة دفينسك قبل وصول العدو، وتمت السيطرة عليها من قبل مفرزة ألمانية تضم قرابة 80 جندي.
وفي منتصف شهر شباط/فبراير سنة 1918، تعطلت المفاوضات بين الجانب الروسي والدول الوسطى، حيث رفض مؤسس الجيش الأحمر، ليون تروتسكي، المقترحات الألمانية الهادفة إلى تجريد روسيا من نسبة هامة من أراضيها لتتجدد على إثر ذلك المواجهات على الجبهة الشرقية عقب تعليق العمل بوقف إطلاق النار.
يوم 23 شباط/فبراير 1918 كان مفصلياً، إذ بدأت الأمور تنقلب في الاتجاه المعاكس، حيث أصدر مجلس مفوضي الشعب نداءً حمل عنوان "أرض الآباء الاشتراكية في خطر" وتبعه نداءٌ مماثل من قبل القائد العام للقوات المسلحة انتهى بالكلمات التالية: "الكل إلى السلاح، كل شيء للدفاع عن الثورة".
وفي اليوم التالي، بدأت التعبئة العامة والتسجيل الجماعي في "الجيش الأحمر"، وكتب المؤرخ السوفييتي، سيرجي كوروليوف، "بعد اجتماعات جماهيرية في المدن الكبرى بدأ الالتحاق الجماعي للمتطوعين في الجيش الأحمر".
في الأيام التالية، أبدى الجنود الحمر جرأة قتالية في مواجهة الغزاة، إلى أنّ تم توقيع معاهدة برست ليتوفسك في الثالث من آذار/مارس عام 1918، والتي تخلت روسيا بموجبها عن أراضي بولندا وليتوانيا ولاتفيا وأستونيا لصالح كل من ألمانيا والنمسا، كما واعترفت روسيا عن طريق هذه الاتفاقية باستقلال كل من فنلندا وأوكرانيا وجورجيا.
ومع ذلك، فإنّ الاحتفال الرسمي بالعيد، واعتباره يوم عطلة رسمية، تأخر ثلاث سنوات، ففي 27 كانون الثاني/يناير عام 1922، صدر مرسوم هيئة رئاسة اللجنة التنفيذية المركزية لعموم روسيا في الذكرى الرابعة للجيش الأحمر، وجاء فيه: "وفقاً لقرار المؤتمر الروسي التاسع للسوفيات حول الجيش الأحمر، توجه هيئة رئاسة اللجنة التنفيذية المركزية انتباه اللجان التنفيذية إلى الذكرى السنوية المقبلة لإنشاء الجيش الأحمر في 23 شباط/فبراير".
ومنذ ذلك العام، سمّيت هذه المناسبة باسم "يوم الجيش السوفياتي والبحرية" وفي العام 1946، تم تغيير التسمية لتصبح "يوم الجيش السوفياتي"، ومن ثم في العام 1949 أصبحت "يوم الجيش السوفياتي والبحرية"، وقد ظلت هذه التسمية معتمدة حتى انهيار الاتحاد السوفياتي، وفي عام 1922 اعتمدت تسمية "يوم المدافعين عن أرض الآباء".
وفي العام 2002 تم إعلان يوم 23 شباط/فبراير يوم عطلة لأول مرة وفقاً لقانون العمل الجديد للاتحاد الروسي الذي وقعه الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، عام 2001. ويقيم المواطنون الروس الاحتفالات بذكرى الجنود الذين ارتقوا في الدفاع عن روسيا، وتكريماً للمحاربين القدامى واحتراماً لأفراد القوات المسلحة الروسية، كما يضع رئيس الدولة إكليلاً من الزهور على نصب الجندي المجهول عند أسوار الكرملين في موسكو.
روسيا تحتفل بيوم "حماة الوطن" على وقع التوترات مع الغرب#روسيا #عيد_الجيش_الروسي #الميادين_Go pic.twitter.com/FDO8QJ0jxz
— الميادين Go (@AlmayadeenGO) February 23, 2022
الجيش الروسي ثاني أقوى جيش في العالم
بعد العمليات التي أنجزها الجيش الروسي خلال العقود الأخيرة الماضية، تمكنت روسيا من استعادة إمكاناتها العسكرية بعد تفكك الاتحاد السوفيتي، فالجيش الروسي يصنف كثاني أقوى جيش في العالم، وفقاً لإحصائيات موقع "غلوبال فاير بور" الأميركي لعام 2022. وتعمل موسكو على تنفيذ العديد من مشاريع تطوير القوات المسلحة بكافّة قطاعاتها.
ومع نحو 900 ألف عنصر في الخدمة الفعلية، فإن الجيش الروسي مجهّز بأحدث أسلحة مثل منظومات "إس-400" المضادة للطائرات وصواريخ من طراز "كاليبر"، ويملك أيضاً صواريخ فرط صوتية وصفها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأنها "لا تُقهر" لأنها قادرة على التغلّب على المنظومة الدفاعية الأميركية المضادة للصواريخ المثبّتة في أوروبا الشرقية.
إضافة إلى القوة العسكرية لروسيا، فإنها تمتلك ميزة أخرى في أي حروب مستقبلية، هي أنها أكبر دولة في العالم من حيث المساحة، تزيد عن 17 مليون كم مربع، ما يمنح جيشها قدرة هائلة على المناورة خلال العمليات الدفاعية والهجومية.
وتمتلك روسيا أضخم ترسانة نووية في العالم تضم 6 آلاف و255 قنبلة نووية، وفقاً لإحصائيات موقع "ستاتيستا" الأميركي لعام 2021، وهو ما يعني أنها تمتلك نحو نصف القنابل النووية التي تملكها الدول النووية الـ9 مجتمعة.
"الناتو" يتجاوز الخطوط الحمر
تسببت الأزمة الأوكرانية في تزايد التوترات بين روسيا والناتو بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، التي تروج لاتهامات تنفيها موسكو بشأن التدخل في أوكرانيا.
وسلطت الأزمة الأوكرانية الضوء من جديد على انضمام أوكرانيا للحلف وهذا الأمر يعدّ خطاً أحمر بالنسبة لروسيا، قال عنه الرئيس بوتين إنه سيكون مبرراً للتحرك عسكرياً ضد أوكرانيا.
ويعدّ هذا الحلف الدرع العسكرية للغرب في مواجهة أعدائه الواقعيين روسيا والصين وغيرها، وتضع موسكو الكثير من الخطوط الحمر أمام ضم أوكرانيا إلى الحلف العسكري الأقوى في العالم، لأنها تعلم أن عضوية أوكرانيا تجعلها تستفيد من بند مهم في اتفاقية حلف الناتو وهو مبدأ الدفاع المشترك الذي تتحدث عنه المادة 5 من اتفاقية تأسيس الحلف، وتنص المادة على أن أي اعتداء مسلح أو عسكري على أي دولة عضو في الحلف هو بمثابة اعتداء على كل الدول الأعضاء فيه.
وما يزيد من المخاوف الروسية هو ارتفاع الإنفاق العسكري في دول البلطيق، وعلى سبيل المثال انتقل مجموع ما تنفقه 3 دول هي إستونيا ولاتفيا وليتوانيا من 950 مليون دولار عام 2005 إلى ألفي مليون دولار عام 2019، أي ارتفاع بنسبة الضعف وبدعم من الولايات المتحدة.
اليوم، الجيش الروسي يضع نصب أعينه رفع جاهزيته العسكرية شمالاً وجنوباً لمقارعة تطلعات حلف "الناتو" التوسعية وتطالب موسكو بضمانات أمنية لحماية وجودها ومواطنيها.
بدورها، أعلنت وسائل إعلام روسية، قبل أيام انطلاق تدريبات الجيش الروسي على الأسلحة النووية بإشراف الرئيس الروسي، وأيضاً رئيس بيلاروسيا، ألكسندر لوكاشينكو، وذلك عبر غرفة عمليات في مبنى الرئاسة الروسي، وشهدت تدريبات الجيش الروسي على الأسلحة النووية إطلاق صواريخ باليستية ومجنحة.
كما وأطلقت روسيا، بالقرب من الحدود مع أوكرانيا، مناورات عسكرية روسية – بيلاروسية، حملت اسم "عزيمة الحلفاء 2022"، تُستخدم فيها القوات البرية والمدفعية وأنظمة الطيران والدفاع الجوي، بحيث نُقل جزء كبير من القوات من المنطقة العسكرية الشرقية للاتحاد الروسي.
مع تصاعد وتيرة الأحداث الأخيرة في إقليم دونباس، وبعد أمر الرئيس الروسي الجيش بالتحرك لحماية أمن جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك، يبقى السؤال هل سيغيّر هذا الأمر مسار الأزمة الأوكرانية أم أنّ الحرب على الأبواب؟