لماذا لا يمكن لأوروبا الاستغناء عن الغاز الروسي قريباً؟

تعتمد أوروبا على الغاز الطبيعي، وهذه السلعة لا يمكن أن تصل إلا من خلال طريقين، إما من خلال خطوط الأنابيب أو من خلال ناقلات الغاز المسال.
  • تظل روسيا تاريخياً أكبر مورد للغاز الطبيعي إلى الاتحاد الأوروبي

تتسبّب أزمة الطاقة في أوروبا، والتي تفاقمت بسبب التوترات مع روسيا، في دفع القارة العجوز إلى البحث في أماكن أخرى عن المزيد من الغاز الطبيعي، لكن المشكلة الحقيقية ليست في مجرد العثور على موردين جدد، ولكن أيضاً في كيفية إيصال الغاز إلى الدول.

تعتمد أوروبا على الواردات لتزويدها بالغاز الطبيعي، وهذه السلعة لا يمكن أن تصل إلا من خلال طريقين، إما من خلال خطوط الأنابيب التي تضمن أمن الإمدادات بتكلفة أقل أو من خلال ناقلات الغاز المسال التي تسمح بالشراء في السوق العالمية ولكن بتكلفة أعلى.

تظل روسيا تاريخياً أكبر مورد للغاز الطبيعي إلى الاتحاد الأوروبي. وبعد خلافات كانت أوكرانيا طرفاً فيها في عامي 2006 و2009 والتي أعقبتها توترات عام 2014 المتعلقة بكييف، سعى الاتحاد الأوروبي إلى تقليل اعتماده على واردات الغاز الطبيعي الروسي، بحسب تقرير لـ"يورو نيوز".

هل من بديل لروسيا؟

لا تزال روسيا توفر نحو 40% من استهلاك الغاز في الكتلة. ودخلت أوروبا الشتاء باحتياطيات غاز منخفضة بشكل غير عادي، وفقاً لسيمون تاجليابيترا، الباحث في مركز الأبحاث "بروغيل" ومقره بروكسل، ما يجعل موقفها صعباً للغاية، لأنّه لا يوجد الكثير من الخيارات.

وقال وزير الطاقة في قطر، أحد أكبر مصدّري الغاز الطبيعي المسال في العالم، إنّ الكميات التي ستحتاج إليها أوروبا لا يمكن أن توفرها دولة بمفردها.

تواصلت الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون مع العديد من مستوردي الغاز الطبيعي الرئيسيين في آسيا، بما في ذلك الصين، بشأن إرسال وقودهم إلى أوروبا حال اندلاع صراع حول أوكرانيا.

وتحدّث البيت الأبيض أيضاً مع منتجي الغاز لمعرفة إذا ما  كان بإمكانهم زيادة الإنتاج في حالات الطوارئ. وقالت المصادر إنّ من بين المنتجين قطر ونيجيريا ومصر وليبيا، بحسب موقع "بلومبيرغ".
 
وقال تاجليابيترا إنّ دول شمال أفريقيا تزوّد أوروبا بالغاز الطبيعي عبر خطوط أنابيب (الجزائر وليبيا)، لكنها لا تملك القدرة التقنية على زيادة إنتاجها وصادراتها. هذا يعني أنّه لا يمكن لأوروبا الاعتماد عليها في الحصول على إمدادات إضافية لتحل محل الغاز الروسي.

وأضاف: "الغرب الأفريقي للغاز الطبيعي المسال يمكن أن يلعب دوراً، ولكن مرة أخرى سيعتمد هذا على مدى سرعة هذه البلدان في زيادة قدرتها الإنتاجية والتسييل. وفي جميع الحالات، من الصعب رؤية كميات إضافية متاحة لأوروبا على المدى القصير".

على أي حال، لا تزال إيطاليا وإسبانيا تبحثان سبل زيادة وارداتهما من ليبيا والجزائر ومعرفة كيفية إرسالها إلى بقية أوروبا.

بدائل أفريقية بعيدة المدى

تأمل بروكسل أن يزيد خط الأنابيب عبر البحر الأدرياتيكي "تاب" واردات الغاز إلى أوروبا عبر أذربيجان، وتطلع إلى زيادة الطاقة التصديرية لشركة "تاب" إلى 10 مليارات متر مكعب سنوياً من 8 مليارات في الوقت الحالي.
 
خط "تاب" نقل أكثر من 8.1 مليارات متر مكعب من الغاز من أذربيجان إلى أوروبا العام الماضي، منها 6.8 مليارات متر مكعب نُقلت إلى إيطاليا. هذه هي المرحلة الأخيرة من مشروع بقيمة 40 مليار دولار تسمى ممر الغاز الجنوبي.

في العام الماضي، صدّرت أذربيجان 19 مليار متر مكعب من الغاز، ذهب 8.5 مليارات متر مكعب منها إلى تركيا، وشحن الباقي إلى إيطاليا وجورجيا واليونان وبلغاريا.

ويعمل الاتحاد الأوروبي حالياً على مشروع آخر هو "إيستميد"، وهو خط أنابيب سيربط الشبكة الأوروبية بحقول الغاز البحرية المكتشفة في قبرص و"إسرائيل" ومصر.

من المتوقع أن يكتمل العمل في "إيستميد" عام 2027، وكذلك العمل في خط الأنابيب "بوسيدون" الذي سيربط المشروع باليونان وإيطاليا.

منذ عام 2004، اشتغل خط الأنابيب "غرين ستريم"، الذي يبلغ طوله 520 كيلومتراً من ليبيا إلى جيلا. وهو أطول خط أنابيب في البحر الأبيض المتوسط، ​​ويصل عمقه إلى ما يقرب من 1200 متر.

هناك أيضاً خط أنابيب "ترانسميد" بطول 2000 كيلومتر، والذي يربط الجزائر بإيطاليا عبر تونس إلى صقلية. تعدّ الجزائر اليوم ثاني أكبر مصدر للغاز إلى إيطاليا، بعد روسيا مباشرة.

أيضاً، ما يقرب من 45% من الغاز الذي تستورده إسبانيا وتستهلكه يأتي من الجزائر. خط الأنابيب المغاربي - الأوروبي هو الأكبر، وينقل بمعدل سنوي يبلغ 10 مليارات متر مكعب إلى شبه الجزيرة الإيبيرية.

الخط الثاني هو "ميدجاز" تحت البحر، والذي يصل إلى المرية وتم تشغيله في عام 2010 لتحسين أمن الإمدادات في إسبانيا وبقية أوروبا.

"ميدجاز" هو أول خط أنابيب يمتد على عمق أكثر من كيلومترين في البحر الأبيض المتوسط، ​​وتبلغ طاقته الأوّلية 8 مليارات متر مكعب في السنة. عندما يتم توسيع قدرته، من المتوقع أن يتدفق 25% من الغاز الطبيعي المستهلك في إسبانيا عبر هذا الخط.

وذكرت وسائل إعلام إسبانية أنّ "الناتو" يعمل على تقييم إمكان بناء خط أنابيب غاز من شأنه أن يمد الغاز الجزائري والغاز المسال إلى السوق الأوروبية "للتخفيف من اعتماد أوروبا الوسطى على الغاز الروسي".

وسيكون هذا هو مشروع "ميدكات"، الذي ألغته السلطات الإسبانية والفرنسية في عام 2019، لانخفاض ربحيته، بسبب التفضيل المتزايد للطاقات المتجددة.

إذا استمر المشروع الذي تبلغ قيمته 400 مليون يورو (457 مليون دولار)، فقد تصبح شبه الجزيرة الإيبيرية منصّة توزيع وتخزين الغاز عبر ثمانية مصانع لإعادة تحويل الغاز، تقع في إسبانيا والبرتغال.

ماذا عن خيارات الغاز المسال؟

على الرغم من أنّ إسبانيا تمتلك أفضل بنية تحتية لاستغلال الغاز السائل، إلا أنّ الوضع قد يتدهور هناك أيضاً.

قالت "إنجاس"، الهيئة المسؤولة عن تنظيم سوق الغاز في إسبانيا، إنّه في تشرين الثاني/نوفمبر 2021، كانت هناك تعاقدات على استخدام 95% من السعة المتاحة في محطات إعادة تحويل غاز، وهو الحد الأقصى القانوني الممكن، مقارنة بـ 57% في نوفمبر 2020.

هذا يعني أنّ إسبانيا اقتربت بالفعل من بلوغ قدرتها القصوى على تخزين الغاز المسال، ولا يبدو أنّها قد تكون لاعباً قادراً على حل أزمة الطاقة في أوروبا.

حافظت أميركا على صدارة قائمة أكبر مصدري الغاز الطبيعي المسال في العالم للشهر الثاني توالياً في كانون الثاني/يناير، مستفيدةً من أزمة الطاقة الشتوية في أوروبا، والتي تستقطب المزيد من الشحنات.

وأظهرت بيانات الشحن أن من بين 101 شحنة لتصدير الغاز الطبيعي المسال في الولايات المتحدة خلال كانون الثاني/يناير، وصل أكثر من ثلثها إلى الموانئ الأوروبية، فيما ذهب الخمس إلى وجهات في أميركا اللاتينية، والباقي لا يزال قيد النقل. لا تدّخر أميركا بالفعل أي شيء من إنتاج الغاز.

المصدر: وكالات