كيف يؤثر رفع "الفيدرالي الأميركي" للفائدة على الاقتصاد العالمي؟
يتوقع المحللون ومستثمرو الأسواق المالية أن يرفع الاحتياطي الفيدرالي في الولايات المتحدة الفائدة على الدولار بشكل متسارع هذا العام، وهي الخطوة التي تدعمها بيانات التضخم الذي بلغ مستويات غير مسبوقة في الولايات المتحدة منذ أوائل الثمانينيات.
وفي الأسبوع الماضي، قال "غولدمان ساكس"، وهو أحد أعرق بنوك الاستثمار في الولايات المتحدة والعالم، إن البنك المركزي الأميركي قد يلجأ إلى رفع الفائدة 7 مرات هذا العام (بواقع 0.25% لكل مرة)، في محاولة لاحتواء التضخم الذي وصل إلى أعلى معدل منذ عام 1982.
قلق الأسواق الناشئة
لكن هذا المسار، الذي يحظى بترقب الأسواق والمستثمرين حيث يمكن أن يشكل توجهات الاستثمار في الفترة المقبلة، قد تكون مزعجة أيضاً للاقتصادات الأخرى لا سيما الناشئة، حيث يعني رفع الفائدة على الدولار المزيد من التحديات لهذه البلدان.
رغم هذا القلق، تبدو الأسواق الناشئة الآن، في وضع أفضل لمواجهة أي عاصفة مماثلة، وهو أحد الأسباب التي دفعت المستثمرين بما في ذلك وحدة إدارة الأصول التابعة لمصرف "غولدمان ساكس" إلى الإقبال على أسهم هذه الأسواق، بحسب تقرير لوكالة "بلومبيرغ".
وكونت العديد من هذه البلدان بالفعل احتياطيات من النقد الأجنبي خلال العقد الماضي مع استقرار الأوضاع، ويمكن لبعضها ممن ينتجون سلعاً، تصدير إنتاجهم بأسعار مرتفعة مع زيادة قيمة الدولار.
رفع أسعار الفائدة في البلدان المتقدمة يضمن سوقاً قوياً لصادرات الدول النامية.. ولكن!
مثلاً إذا ارتفع الدولار واليورو يعني ذلك أن صادرات أميركا ومنطقة اليورو أصبحت أغلى، وبالتالي سيبحث المستوردون عن أسواق بديلة (أرخص)، كما أن عائدات المصدرين في الاقتصادات الناشئة من الدولار واليورو ستكون أكبر عند تحويلها إلى العملة المحلية.
لكن هذا لا يكفي للاطمئنان، فرغم صعوبة انتشار الوباء في البلدان الغنية، فإنه أكثر قسوة على الدول الفقيرة التي تتأخر في معدلات التطعيم وتفتقر إلى الموارد اللازمة لتتخطى اقتصاداتها ضغوط "كوفيد"، واقترض الكثير منهم بشكل كبير.
إن تشديد السياسة في بنك الاحتياطي الفيدرالي وغيره من البنوك المركزية الرئيسية يمكن أن يجعل هذا الوضع السيئ أسوأ بكثير، وما لم ترفع الأسواق الناشئة أسعار الفائدة أيضاً فهناك خطر هروب رأس المال وإضعاف العملات وجعل خدمة الديون أكثر صعوبة.
وحذر صندوق النقد الدولي والبنك الدولي من هذا السيناريو بالفعل، وكذلك فعل الرئيس الصيني شي جين بينغ، في خطاب "غير تقليدي" في 17 كانون الثاني/ يناير الفائت أمام المنتدى الاقتصادي العالمي.
وقال: "إذا ضغطت الاقتصادات الكبرى على الفرامل أو اتخذت منعطفاً في سياساتها النقدية، فستكون هناك تداعيات سلبية خطيرة تشكل تحديات للاستقرار الاقتصادي والمالي العالمي، وستتحمل البلدان النامية العبء الأكبر منه".
وتتمثل المهمة الرئيسية لمجلس الاحتياطي الفيدرالي وأقرانه في إبقاء اقتصاداتهم بعيدة عن المشاكل، هذا يعني ببساطة "احتواء التضخم"، لكنهم عادة ما يراقبون عن كثب التأثير العالمي لخططهم النقدية أيضاً.
ويتعامل الفيدرالي وغيره من البنوك المركزية الكبرى مع نوبة خطيرة من التضخم الفعلي، وبالتالي فتشديد السياسة له إلحاح وزخم أكبر.
الدول الأكثر تضرراً
حتى الآن يمكن القول أن الاقتصاد الصيني لا زال في بر الأمان، حيث ظل اليوان مرناً بدعم ارتفاع الصادرات وتدفقات المستثمرين الأجانب وهذا يوفر دعماً للعملات الناشئة الأخرى، وفقاً لتقرير "بلومبيرغ".
أما في أماكن أخرى من منطقة آسيا والمحيط الهادئ، لا يزال العديد من المستثمرين متفائلين نسبياً على الرغم من التوترات الحالية، بفضل تراكم الاحتياطيات، وتقليص عجز الحساب الجاري، والتمسك بقوة السياسة النقدية، ومن بين البلدان التي تملك آفاقا واعدة، إندونيسيا وماليزيا وتايلاند والفلبين.
لكن هناك نقاط قلق محتملة، حيث تعد أميركا اللاتينية من بين المناطق الأكثر تضرراً من الوباء وشهدت بالفعل عدداً كبيراً من حالات التخلف عن سداد الديون، والبرازيل - أكبر اقتصاد في المنطقة - غارقة في الركود وتعاني من التوترات المالية والسياسية.
ربما يكون الأمر الأكثر إثارة للقلق بالنسبة لتركيا، التي تتمسك بخفض أسعار الفائدة حتى مع تفاقم التضخم، وتتوقع بنوك وول ستريت تجاوزه 50% هذا العام، وهي وتيرة خطيرة لبلد يحمل قطاع أعماله عبئا ثقيلا من الديون المقومة بالدولار.
ووفقاً للتقرير، فإن كل من الأرجنتين ومصر وجنوب أفريقيا أيضاً ضمن البلدان الناشئة الأكثر عرضة للخطر جراء التشديد المحتمل لرفع الفائدة الأميركية، فيما تأتي روسيا والهند بين الدول الأقل عرضة للخطر.