مباحثات جنيف تفشل في كبح التوترات الروسية - الأميركية.. هل اقتربت الحرب؟
لا يَخفى دعم الولايات المتّحدة المتواصل لأوكرانيا، سواء كان سياسياً أو عسكرياً، مستغلةً في ذلك موقعها عند الحدود مع روسيا، من أجل زعزعة استقرار المنطقة، وتأجيج حدّة الصراعات فيها.
أوكرانيا، بدورها، تسعى جاهدةً للانضمام إلى حلف "الناتو"، الأمر الذي تعارضه روسيا بصورةٍ خاصة، وترغب في الحصول على ضمانات قانونية من شأنها استبعاد مثل هذا الاحتمال مستقبلاً.
وعلى الرَّغم من تزايد الوجود العسكري لأميركا وحلف "الناتو" بالقرب من الحدود الروسية، بذريعة حماية أوكرانيا من "تهديدٍ روسيٍّ محتملٍ"، فإن روسيا ظلّت تلوّح بالحلول الدبلوماسية، والتي يمكن أن تذلّل العقبات، وأن تُحسّن العلاقات بينها وبين أميركا وأوكرانيا و"الناتو"، على حدٍّ سواء، رافضةً كل الاتهامات الموجَّهة إليها.
روسيا تطالب بضمانات أمنية
في هذا السياق، بادرت روسيا إلى تسليم الولايات المتحدة قائمة مقترحات تضمّ الضمانات القانونية التي تطالب بها لأمنها، واتفاقية خاصة بإجراءات ضمان أمن روسيا والدول الأعضاء لحلف الناتو، على ضوء التوتر بشأن أوكرانيا. ودعت موسكو، في إثر ذلك، إلى إجراء مفاوضات "فورية" مع حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة بشأن الضمانات التي طلبتها.
وتتمثّل مقترحات روسيا بضمانات مكتوبة تقضي برفض الناتو ضم الجمهوريات السوفياتية السابقة إلى الحلف، وتقليص النشاط العسكري الأميركي في أوروبا، وعدم نشر أنظمة هجومية أميركية في أوروبا، بحسب ما نشر الموقع الرسمي لوزارة الخارجية الروسية.
كيف كان رد أميركا وحلف الناتو على مقترحات موسكو؟
ردّ أميركا وحلف الناتو على المقترحات الروسية كان إيجابياً بعض الشيء، إذ أعرب وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، عن أمله في "تحقيق تقدم في محادثات بلاده، المزمع عقدها مع روسيا، لمناقشة الضمانات الأمنية"، مضيفاً أنه "على الرغم من علمنا بصعوبة تحقيق ذلك، في ظل التصعيد الحالي، فإنه ليس مستحيلاً".
وأشار إلى أنّ "هناك كثيراً من إجراءات بناء الثقة والشفافية مع روسيا، ونحن مستعدون لمناقشة هذه الأمور معها، ونسمع منها ما يُقلقها من أجل حل بعض التحديات"، مؤكّداً التزام بلاده الدبلوماسيةَ التي "يمكن أن تُفْضي إلى نتائج".
بدوره، أعلن حلف شمال الأطلسي أنّه "على استعداد لمحادثات ذات مغزى مع روسيا بشأن التوترات عند الحدود مع أوكرانيا، في ظل الضمانات الأمنية التي اقترحتها روسيا لمنع التصعيد".
وقال الأمين العام للحلف، ينس ستولتنبرغ، إنّه تحدّث إلى وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، "بشأن أهمية وقف تصعيد الحشد العسكري الكبير لروسيا في أوكرانيا وما حولها".
محادثات بين بوتين وبايدن تمهيداً لمباحثات جنيف
وتمهيداً للمباحثات الأميركية الروسية، بمشاركة حلف الناتو، والتي تقرَّر عقدها في جنيف، من أجل مناقشة المقترحات التي قدّمتها روسيا، قام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الأميركي جو بايدن بعقد قمّتين في كانون الأول/ديسمبر الماضي، أكّدا خلالهما دعمهما المسار الدبلوماسي من أجل تجاوز الخلافات.
وعقب ذلك، أعرب الكرملين عن ترحيبه بنتائج المباحثات التي جرت بين الرئيسين، مشيراً إلى أنها اتسمت "بطابع صريح ومحدَّد"، وأنها كانت "بنّاءة". كما شدد على أنّه جرى تأكيد فكرة مفادها أنه في حال نجاح المفاوضات بشأن الضمانات الأمنية، فإن ذلك سيؤدي إلى بعض التطبيع، وربما تحسن العلاقات الثنائية بصورة عامة بين موسكو وواشنطن".
هل انعكس الجو الإيجابي على محادثات جنيف؟
إلاّ أنّ هذا الجوّ الإيجابي، الذي سبق المحادثات التي اختُتمت أمس، بعد أن استمرّت 3 أياّم، لم يُجْدِ نفعاً واضحاً في مسار العلاقات الروسية الأميركية، كما يبدو، فلقد صرّح نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي ريابكوف، بعد الاجتماع بالوفد الأميركي في جنيف، بأنَّ "المباحثات بين روسيا والولايات المتحدة، بشأن الاستقرار الاستراتيجي، كانت صعبةً"، مستبعِداً "تحقيق تقدم في مسألة عدم توسُّع حلف شمال الأطلسي".
وأشار ريابكوف إلى أنَّ "القضايا الرئيسة لا تزال معلَّقةً"، موضحاً أنَّ "موسكو لم ترَ فهماً لدى واشنطن لضرورة حلِّها بطريقةٍ تلائمنا"، ومعتبراً أنَّ "موسكو في حاجةٍ إلى ضماناتٍ، وليس وعوداً".
واشنطن لن تسمح لأحدٍ بأن يغلق باب الانضمام إلى الناتو
بدورها، أكَّدت نائبة وزير الخارجية الأميركية، ويندي شيرمان، أنَّ "الوفد الأميركي رفضَ مقترحاتٍ تقدَّمت بها روسيا ترتبط بموضوع الأمن في أوروبا"، لكنها شدَّدت على أنَّ بلادها "لن تتخلى أبداً عن تعاونها وعلاقاتها بالدول النائية الأخرى، والراغبة في العمل معها".
وأوضحت شيرمان أنَّ واشنطن "لن تسمح لأحدٍ بأن يغلق باب الانضمام إلى حلف الناتو في وجه أيِّ دولةٍ".
وأيضاً، أكّدت وكيلة وزارة الخارجية للشؤون السياسية الأميركية، فيكتوريا نولاند، استعداد بلادها "لفرض تكلفة باهظة على روسيا لم تعهدها سابقاً، تستهدف نظامها المالي إذا غزت أوكرانيا، مضيفةً "أنّنا نعمل مع الاتحاد الاوروبي وألمانيا من أجل إبطاء تنفيذ خط أنابيب (نورد ستريم 2)،وتجميده، في حال غزت روسيا أوكرانيا".
أميركا تقدّم مساعدات عسكرية إلى أوكرانيا
بالتزامن، كشفت صحيفة "بوليتيكو" الأميركية أن الولايات المتحدة تعتزم تقديم حزمة مساعدات عسكرية سرية إلى أوكرانيا بقيمة مئتي مليون دولار. وكان مستشار للرئيس الأوكراني قال إن الجانب الأميركي أبلغ إلى مسؤولين أوكرانيين، على مستوى عالٍ، موافقة واشنطن على تقديم تلك المساعدات، بعد موافقة البيت الأبيض سرّاً عليها.
ونقل موقع "ياهو نيوز"، أيضاً، عن 5 من مسؤولي الاستخبارات والأمن القومي السابقين في الولايات المتحدة، أن وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية ("سي آي أيه") تشرف على برنامج تدريب أميركي سري لنخبة القوات الخاصة الأوكرانية وأفراد استخبارات آخرين.
الاتحاد الأوروبي يمدد العقوبات على روسيا
أعلن الاتحاد الأوروبي، رسمياً أيضاً، تمديد العقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا حتى الـ 31 من تموز/يوليو 2022. وتنصّ العقوبات على منع دول الاتحاد الأوروبي من بيع السلاح لروسيا، واستبعاد البنوك العامة الروسية عن القطاع المالي في أوروبا. كما تقيّد العقوبات أيضاً شراء روسيا بعضَ التقنيات الحساسة والمستخدَمة في قطاعي النفط والغاز، من دول الاتحاد الأوروبي.
روسيا تحذّر: أميركا والناتو قد يشهدان تدهوراً في الوضع الأمني
أمّا نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي ريابكوف، فحذّر من أن "الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي قد يشهدان تدهوراً في الوضع الأمني إذا لم يبديا اهتماماً بالحوار مع روسيا بشأن الضمانات الأمنية".
وكشفت المحادثات خلافات كبيرة بشأن الأزمة الأوكرانية بين روسيا وحلف شمال الأطلسي، إذ تقول وزارة الدفاع الروسية إنّ "العلاقات بين روسيا والحلف هبطت إلى مستوى منخفض، متهمةً الناتو بتجاهل مبادراتها لتخفيف التوتر".
وفي الوقت نفسه، أعلنت الوزارة أنّ "قوات المنطقة العسكرية الشرقية وُضِعَت في حالةِ استعدادٍ من دون سابقِ إنذارٍ، للتأكّد من مدى جاهزيتها القتالية".
وعلى الرغم من أنّ أميركا والناتو أعلنا أنهما سيردّان على مقترحات روسيا الأمنية خلال أسبوع، فإن الكرملين قال إنّه "لا بوجد سبب جوهري للتفاؤل بشأن المحادثات الأمنية في جنيف". وأضاف السكرتير الصحافي للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ديمتري بيسكوف، أنّه "تمّ تنبيه الوفد الأميركي إلى أنّ عدم قبول الضمانات الأمنية سيهدد الأمن العالمي".
على ما يبدو، فشلت مباحثات جنيف في تحقيق مطالب روسيا، بل أيضاً دفعتها هي وأميركا إلى مزيد من التصعيد، بينما تتردّد تصريحات وزير الخارجية البولندي، زبيغنيو راو، بأن الحرب تقترب من أوروبا، على مسامع العالم، فهل فعلاً اقتربت الحرب؟