المشهد | تركيا والسعودية.. ماذا وراء سياسة "اليد الممدودة"؟
وفقاً للمتحدّث باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالين، سيكون العام 2022 عام الانفتاحات الإقليمية الجديدة، و"سيشهد تسارعاً في خطوات التطبيع بين تركيا ودول المنطقة".
وبحسب كالين، فإنَّ تركيا لن تترك "أيّ يد ممدودة لها معلّقة في الهواء، وستخطو خطوتين نحو كلّ من يخطو خطوة ودّية تجاهها".
المشهد
تشهد المنطقة منذ فترة حراكاً دبلوماسياً مكثّفاً ينفتح على أساسه الخصوم على بعضهم البعض، وتشكّل تركيا مركزاً رئيسياً لهذا الحراك، عقب سنوات من العلاقات المتوترة مع بعض قوى المنطقة. وقد نجحت في هذا الإطار في تطبيع العلاقة مع الإمارات، فيما تخوض محادثات مع مصر، بعد أن أعربت عن رغبتها في استعادة العلاقة مع "إسرائيل".
وتأتي تصريحات كالين بعد إعلان الرئيس التركي رجب طيب إردوغان نيته زيارة السعودية الشهر المقبل. وقد سبقتها جهود لم تتكلّل بالنجاح لجمع الرئيس التركي بولي العهد السعودي محمد بن سلمان في الدوحة الشهر الماضي.
وعلى الرغم من أنَّ جهود التقارب بين تركيا والسعودية بدأت قبل وقت طويل من نظيرتها مع مصر والإمارات، فإنها لم تحدث اختراقات دبلوماسية ملموسة حتى الآن، لكن إعلان إردوغان يمثل مؤشراً على أنَّ هذه الجهود قطعت شوطاً كبيراً بعد تغير الكثير من المعطيات.
حسابات إردوغان
· حديث إردوغان عن زيارة السعودية جاء على هامش اجتماع في إسطنبول، أعلن فيه أرقاماً أولية للتجارة الخارجية التركية للعام 2021. يؤكد ذلك أنَّ حسابات الرئيس التركي تجاه التطبيع مع السعودية تتركّز بشكل رئيسي في الجانب الاقتصادي قبل كل شيء، على وقع الأزمة الحادة التي يمر بها الاقتصاد التركي؛ فبعد أن وفّر له الانفتاح على الإمارات استثمارات بمليارات الدولارات، يطمح إردوغان إلى توفير شريان حياة إضافي لاقتصاد بلاده، عبر تطبيع العلاقة مع الرياض.
· في الاقتصاد أيضاً، قد يساهم التقارب التركي السعودي في إنهاء المقاطعة السعودية غير الرسمية للبضائع التركية، إذ تراجعت قيمة صادرات تركيا للسعودية خلال العام 2021 إلى 189 مليون دولار، بعد أن سجّلت 3.2 مليار دولار في العام 2019. ووفقاً لصحيفة "زمان" التركية المعارضة، لدى تركيا عجز كبير في التجارة الخارجية بقيمة 2.8 مليار دولار مقابل السعودية.
· ولا يمكن استبعاد تأثيرات السياسة التركية الداخلية في هذا الانفتاح، إذ تستثمر المعارضة التركية بشكل مكثّف في الأزمة الاقتصادية، ما أدى إلى انعكاس هذه الأزمة في شكل كباش سياسي تشهده البلاد وسط دعوات لإجراء انتخابات مبكرة. ويحاول إردوغان إحراج خصومه الّذين يلعبون على وتر كمّ المشاكل التي سبّبتها سياساته على صعيد العلاقات الخارجية لتركيا.
حسابات ابن سلمان
· على عكس التطبيع مع "إسرائيل"، يدعم أكثر من نصف الشعب السعودي التقارب مع تركيا. متسلّحاً بذلك، يريد الحاكم الفعلي للسعودية أن ينهي الدور التركي في قضية مقتل خاشقجي. لذا، فإنه يعوّل على تعهّد من إردوغان بعدم ذكر الجريمة والضغط على وسائل الإعلام التركية للتوقف عن إثارة الموضوع.
· من جانب آخر، يدرك ابن سلمان أنَّ السعودية تفقد نفوذها التقليدي في المنطقة، وهي غير قادرة على مجاراة تحركات نظرائها الإقليميين. وبالنظر إلى اتساع الفجوة مع الإمارات، فإنَّ ذلك يترك المملكة بلا شركاء حقيقيين. لذا، إنَّ امتناع الرياض عن إصلاح علاقتها مع أنقرة قد يجعل السعودية اللاعب الأكثر عزلة في المنطقة.
· ثمة عامل آخر يتعلّق بمواجهة جدار القطيعة الغربي للسعودية، عبر إصلاح العلاقة مع قوى إسلامية مهمة، مثل باكستان وتركيا وإيران، أو تبريد الأجواء على أقلّ تقدير. وبذلك، تضمن الرياض عدم انجراف إسلام أباد نحو أنقرة، إذ تخشى السعودية أن يؤدي ذلك إلى الإضرار بمكانتها التقليدية في العالم الاسلامي.
ما هو المقبل؟
يوفّر التقارب مع تركيا خياراً معقولاً للسعودية للخروج من دوامة العزلة، لكنَّ ذلك قد لا يعني حدوث تغييرات جذرية في توجّهاتها الرئيسية، إذ لا يزال الكثير من الملفات يشكّل عائقاً أمام علاقات طبيعية بين البلدين.
في المقابل، إنَّ ارتباط الحراك الدبلوماسي في المنطقة بتغيّر الجغرافيا السياسية فيها يشي بأنَّ حصول تغيرات في البيئتين الدولية والإقليمية قد يؤثر في رغبة الأطراف في استكمال هذا الحراك، وخصوصاً أنَّ بعض القوى ما زال يراهن على تغييرات كبرى قد تفرزها الانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة.