مسارات | السودان.. ماذا بعد استقالة حمدوك؟

بدأت بعض القوى الإقليمية بالتحرّك لمنع الإضرار بمصالحها، وفي هذا الإطار، تكشف المصادر عن توافق مصري سعودي حول البدء في تجهيز "بديل آمن" للبرهان ونائبه حميدتي.
  • كما كان متوقعاً، تقدّم رئيس الحكومة السودانية عبد الله حمدوك باستقالته.

كما كان متوقعاً، تقدّم رئيس الحكومة السودانية عبد الله حمدوك باستقالته، بعد أكثر من شهر على عودته إلى منصبه، من دون أن يتمكَّن من تأليف حكومة، كما نصّ  الاتفاق الموقّع بينه وبين رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان.

وفي خطاب الاستقالة،  حذّر حمدوك من "منعطف خطِر قد يهدّد بقاء السودان كلياً"، عازياً فشله إلى "الشتات داخل القوى السياسية والصراعات العدمية بين كلّ مكونات الانتقال".

من شأن استقالة حمدوك أن تعود بالبلاد إلى المربع الأول، لكونها تمثّل تشييعاً رسمياً لاتفاق 21 تشرين الثاني/نوفمبر، كما أنها تُنهي المبادرات التي طُرحت لحلحلة الأزمة، كخارطة الطريق التي تقدم بها حزب الأمة مؤخراً.

وفق هذه المعطيات، يزداد المشهد السوداني تعقيداً، لكن 3 مسارات يمكن تتبّعها قد تحكم الواقع في السودان خلال المرحلة المقبلة.

الهروب إلى الأمام

مثّلت عودة حمدوك بناءً على اتفاقه مع البرهان مباركة ضمنية لاستمرار التركيبة السياسية القائمة في السودان. وبقدر ما تعقّد استقالته المشهد السياسي، إلا أنَّها توفّر للعسكر ما أرادوه من انقلاب 25 أكتوبر/تشرين الأول، ولكن بطريقة أكثر إيجابية.

أكّد حمدوك في خطاب استقالته إفساح المجال أمام شخص آخر لتولي المهمة، وهو بالفعل ما ترجّح المصادر أن يعكف عليه البرهان، عبر البحث عن شخصية بديلة تقبل تولي زمام الحكومة وتحقق نوعاً من القبول الدولي.

ويتركّز رهان البرهان في ذلك على عددٍ من المعطيات، يقف على رأسها الانقسام الحادّ الَّذي تسبّبت به عودة حمدوك إلى صفوف الكتلة المدنية، إضافةً إلى أن تسمية رئيس حكومة جديد قد تؤدي إلى انخفاض تدريجيّ في حراك الشارع المتصاعد.

إلى جانب ذلك، يعوّل البرهان على أنَّ زيادة إحساس المواطن السوداني بوقع الأزمة الاقتصادية قد تدفعه إلى المهادنة أملاً بتحسّن الأوضاع، متسلّحاً في سبيل ذلك بالتحسن الطفيف في المؤشرات العامة للاقتصاد السوداني، كانخفاض العجز في الميزان التجاري، في موازاة زيادة الضغط على السودانيين عبر بعض الإجراءات المرشحة إلى التصاعد، كزيادة أسعار الكهرباء، والتي وصلت إلى أكثر من 600%.

التضحية بالبرهان

إنّ نجاح البرهان في إيجاد خليفة لحمدوك ونجاح الخليفة في تشكيل الحكومة، قد يدفعان إلى عدم تصعيد الموقف الدولي الذي ما زال يؤكّد الصيغة السياسية القائمة في السودان، أي الشراكة بين المكونين العسكري والمدني، لكن تواصل التظاهرات بزخمها الحالي وتركّز الشعارات على إبعاد المكون العسكري عن هياكل الحكم تماماً قد يؤديان إلى عزلة تامة للعسكر ويعززان موقف القوى المدنية، وخصوصاً مع ما تكشفه مصادر دبلوماسيّة عن قلق إقليمي إزاء الأحداث المتطورة في السودان، إذ بدأت بعض القوى الإقليمية بالتحرّك لمنع الإضرار بمصالحها الأمنية والاقتصادية والسياسية.

وفي هذا الإطار، تكشف المصادر عن توافق مصري سعودي على ضرورة التنسيق لضمان توجيه الأحداث في السودان بالشّكل الذي يحافظ على مصالح البلدين. ووفقاً للمصادر، إنّ المشاورات السعودية المصرية تناولت البحث في تجهيز "بديل آمن" للبرهان ونائبه حميدتي ودعمه، لكنَّ خلق بديل يمكن تسويقه دولياً في السودان قد لا يكون أمراً سهلاً في ظلِّ ضعف نفوذ كلٍّ من القاهرة والرياض، وخصوصاً مع التقاطعات الدولية التي تشهدها الساحة السودانية وتطلّعات بعض القوى، مثل روسيا، إلى أداء دور أكبر، إضافةً إلى الرهان الإسرائيليّ على العلاقة مع البرهان، والَّذي كشفت مصادر محلية سودانية أنه تلقّى مساعدة إسرائيلية في قمع التظاهرات، تمثّلت بمياه زرقاء معالجة كيميائياً من إنتاج شركة "أودورتك" الإسرائيليّة.

الشارع لم يقل كلمته 

نجح البرهان حتى الآن بتحويل الأزمة البنيويّة في صيغة العملية السياسية إلى أزمة سياسية تتعلق بداية بشخص حمدوك، ومن ثم بتفاصيل تقنية تتعلق بتمثيل المدنيين، لكن العنف الذي تُقابَل به التظاهرات في الشارع يبدو أنه شكّل دافعاً كبيراً لاستمرارها وتصاعدها. ومع ترشيح تواصل هذا النهج، ستزيد حدة التوتر والرفض، ما قد يؤدي إلى تغيّر في قناعات بعض القوى التي ما زالت تؤمن بإمكانية الشراكة مع العسكر، وهو ما قد يُظهر المكون العسكري بلا أيّ حاضنة مدنية.

لكنَّ القوى السياسية الرافضة والمنقسمة على نفسها، لا تبدو حتى الآن قادرة على القيادة. لذا، يبقى الأمر معلقاً بقدرة القوى المدنية في الشارع، وتحديداً لجان المقاومة، على التنظيم وطرح رؤية سياسية تقصي المكون العسكري، تقف خلفها وتتمكّن من تسويقها.

المصدر: الميادين نت