المشهد | ماذا وراء دعوة الولايات المتحدة إندونيسيا للتطبيع مع "إسرائيل"؟

بينما يتحول جنوب شرق آسيا إلى مسرح للتنافس الأميركي الصيني، تبدو إندونيسيا إحدى أكبر الجوائز الدبلوماسية، إذ تتمتَّع برابع أكبر تعداد سكاني في العالم، وتحظى بممرات بحرية استراتيجية تربط آسيا بالمحيطين الهادئ والهندي.
  • وزير الخارجية الأميركي انتوني بلينكن مع نظيرته الاندونيسية ريتنو مارسودي في جاكرتا.

خلال زيارته إلى إندونيسيا الأسبوع الماضي، بحث وزير الخارجية الأميركيّ أنتوني بلينكن إمكانية مضي جاكرتا في إجراءات التطبيع مع "إسرائيل". وأوضحت  المصادر أنَّ بلينكن تحدَّث بهذا الشأن مع المسؤولين على أعلى مستوى في الحكومة الإندونيسية.

تأتي هذه الدعوة كجزء من حزمة ملفّات حملها بلينكن إلى إندونيسيا، في مؤشر على تحوّل في النظرة الأميركية تجاه جاكرتا، ووسط حديث عن عدم واقعيّة فصل دعوة التطبيع عن الاستراتيجية الأميركية في جنوب شرق آسيا، وعن محاولات واشنطن إحداث خرق في توجّهات أكبر دولة مسلمة في العالم.

المشهد

اتّسمت العلاقات الأميركية الإندونيسية تاريخياً بالكثير من التقلّب، إذ دعمت واشنطن إطاحة الزعيم أحمد سوكارنو المقرب من الاتحاد السوفياتي والصين، ودفعت إلى صعود سوهارتو ذي التوجهات الأميركية. 

وعلى الرغم من حظر السلاح الذي فرضته واشنطن على جاكرتا عقب سقوط سوهارتو،  حافظت إندونيسيا على حيادها، محاولةً تنويع مصادر تسليحها، وخصوصاً من روسيا، وإقامة علاقة جيدة مع الصين.

اليوم، وبينما يتحوَّل جنوب شرق آسيا إلى مسرح رئيسي للتنافس الأميركي الصيني، تبدو إندونيسيا إحدى أكبر الجوائز الدبلوماسية في المنطقة، إذ تتمتَّع برابع أكبر تعداد سكاني في العالم، وتحظى بأرخبيل واسع ذي ممرات بحرية استراتيجية تربط آسيا بالمحيطين الهادئ والهندي.

بين السطور

· تدرك الصين أهميَّة إندونيسيا، وتولي العلاقة معها اهتماماً خاصاً، إذ  سارعت بكين مع انتشار فيروس كورونا إلى منح جاكرتا أولوية في الحصول على اللقاح الصيني، كما أصبحت الصين ثاني أكبر مصدر للاستثمار الأجنبي المباشر في إندونيسيا، وأكبر شريك تجاري لها. 

· في غضون ذلك،  نظرت الولايات المتحدة إلى إندونيسيا على أنَّها محطة رئيسية في إطار محاولة خلق طوق آسيوي حول الصين. وعلى الرغم من ذلك، لا تبدو الاستراتيجية الأميركية واضحة تجاه جاكرتا. 

· خلا  الدليل الاستراتيجي لسياسة الأمن الوطني الذي أصدرته إدارة بايدن من أيِّ ذكر لإندونيسيا، على الرغم من أنه ذكر صراحة كلاً من سنغافورة وفيتنام، باعتبارهما شريكين مهمين في جنوب شرقي آسيا.

· يُضاف إلى ذلك  امتناع كلٍّ من نائب الرئيس كامالا هاريس ووزير الدفاع لويد أوستن عن زيارة إندونيسيا خلال جولتين منفصلتين في جنوب شرقي آسيا في وقت سابق، الأمر الذي وصفته الصحافة الإندونيسية حينها بالازدراء.

· من جانبها، تحاول جاكرتا التأكيد على سياستها الخارجية المحايدة، والتي لا تستعدي أيّاً من القوى العظمى، ولا تتحالف مع أيٍّ منها في الوقت نفسه. شهد تشرين الأول/أكتوبر من العام الماضي تأكيداً على ذلك، حين  رفضت إندونيسيا اقتراحاً أميركياً للسماح لطائرات المراقبة البحرية "بي-8 بوسيدون" بالهبوط والتزوّد بالوقود.

· لكنَّ الولايات المتحدة تعوّل على نوع من التغيّر باتت تلحظه في السياسة الخارجية الإندونيسية، إذ تتزامن محاولة التقرب الأميركية مع غضّ جاكرتا الطّرف عن شراء طائرات مقاتلة روسية، في مقابل التحوّل إلى السوق الأميركية والفرنسية. 

ما هو المقبل؟

تبدو الدعوة الأميركية إلى تطبيع إندونيسي مع "إسرائيل" مرتبطة بشكل وثيق بالصّراع مع الصين، إذ لا تعدو كونها محاولة لإحداث خرق للخطوط الحمر في السياسة الخارجية لأكبر دولة مسلمة في العالم. وتعوّل واشنطن على أن يشكّل هذا الخرق تغييراً جوهرياً في نظرة جاكرتا إلى تحالفاتها، وبالتالي استمالتها إلى الجانب الأميركي على حساب الصّين.

لا تتوقّع المصادر الإسرائيلية تقدّماً قريباً في هذا الإطار، بالنظر إلى إرث إندونيسيا الحيادي الراسخ تاريخياً، بينما تشير مصادر أخرى إلى أنَّ التنافس الأميركي الصيني على إندونيسيا قد لا يحسم لمصلحة أي طرف، وأن جاكرتا قد تتمكَّن من استغلال هذا التنافس لتعزيز مكانتها.

المصدر: الميادين نت