أزمة النفط في 2021: إلى جانب "كورونا".. المشكلة سياسية أيضاً
برزت في السنتين الأخيرتين مجموعةٌ من الأزمات على المستوى العالمي، بعضها جديد كوباء "كوفيد-19"، الذي يُعتبر أكثر هذه الأزمات مساساً بحياة الناس وارتباطاً بيومياتهم. وقد أدّى إلى إعادة إحياء أزماتٍ كانت موجودةً في فتراتٍ سابقةٍ، في مقدمتها الارتفاع الحالي في أسعار النفط، حيث تراوح سعر البرميل خلال معظم شهور العام 2021 بين 70 و85 دولاراً أميركياً.
تجلّت تأثيرات "كورونا" على قطّاع الطاقة في جانبين أساسيين، هما نقص الإمدادات وارتفاع الأسعار.
وإلى جانب الأسباب الصحية المرتبطة بالوباء وإجراءات الوقاية منه، تحضر كذلك العوامل السياسية في كلا جانبي التأثيرات، وهي العوامل التي تتدخل في كل شيء، خاصة ما يتعلق بالاقتصاد، من أجل استغلاله كعامل ضغطٍ على الدول المحتاجة. وهذه العوامل السياسية تتراوح بين أن تكون عواملَ محدودةً، تتعلَّق ببلدٍ معيَّنٍ دون غيره، أو تلك العوامل الكبرى الشاملة التي يمتد تأثيرها ليشمل العالم بأسره.
نقص الإمدادات
دور "كورونا"
ترافق انتشار فيروس "كورونا"، منذ بداية العام 2020، مع تقييد حركة التبادل التجاري بين الدول، وسبَّب جموداً اقتصادياً خلال فترات الإغلاق الطويلة، التي لا تنتهي واحدةٌ منها حتى تبدأ أخرى، بالتزامن مع اكتشاف متحوّر جديد لهذا المرض. مما جعل النفط المستخرج يركد في خزّاناته، فتوقّفت حركة استخراجه وتكريره، وانخفضت أسعاره بشكل كبير، إذ ازداد العرض بما يفوق الطلب المتوقّف، بسبب تعطّل حركة الطائرات والسيارات والسفر وإغلاق المرافق العامة والتزام الناس البقاء في منازلهم، فتُرجم ذلك انخفاضاً في أسعار النفط.
يذكر الخبيران في شؤون الطاقة كارلوس فرنانديز ألفاريز وجيرجيلي مولنار، على موقع وكالة الطاقة الدولية، أنَّ "تراجع الإنتاج وتدنّي الطلب أسهما في انصراف الشركات والحكومات إلى إجراء عمليات الصيانة في حقول الإنتاج".
ولم يخرج العالم من هذه الصدمة الأولى إلا في نيسان/أبريل 2020، بعد حوالى 4 أشهر من بدء انتشار كورونا، وذلك إثر اجتماعٍ لمنظمة "أوبك"، اتفقت خلاله أعضاؤها على تنظيم الإنتاج وفق جدول معين، والتأقلم مع نقص الاستهلاك بتقليل الإنتاج،بهدف العودة المدروسة إلى ما كانت عليه السوق قبل مطلع أواخر العام 2019.
العوامل السياسية
في أيلول/سبتمبر الماضي، شهدت بريطانيا ازدحاماً كبيراً وصفوفاً طويلةً من السيارات أمام محطات الوقود الفارغة، نتيجةَ نقصٍ في إمدادات البنزين تلى خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. يعود سبب هذا النقص في الإمدادت إلى قلّة عدد سائقي صهاريج المحروقات من خارج البلاد، حيث تقدِّر جمعية النقل البري العدد اللازم من السائقين بـ 100 ألف سائق، وهم في أغلبهم من دول أوروبا الشرقية، لكن بعد اتفاق "بريكسيت"، الذي نظّم خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، أصبح يتعيّن على هؤلاء السائقين الحصول على تأشيرات دخول، وكان الحل بتطبيق خطة منح تأشيرات مؤقتة لتسهيل عمل هؤلاء، دون أن يتسبب ذلك في تغيير قواعد الهجرة.
من جهة أخرى، وقبل نحو شهرٍ، قالت وزيرة الطاقة الأميركية، جينيفر غرانهولم، إن "إدارة الرئيس جو بايدن تريد زيادة إمدادات النفط، داخل البلاد وخارجها، من أجل تقليل الضغط على أسعار البنزين" والتي ارتفعت بدورها في الولايات المتحدة في العام المنصرم، كما ارتفعت في عديد الدول حول العالم.
وأكدت وزيرة الطاقة الأميركية كذلك أنَّ إدارتها "تريد تشجيع صناعة الطاقة لزيادة العرض، وتريد أيضاً زيادة الإمدادات داخل الولايات المتحدة وحول العالم، حتى نتمكن من تقليل الضغوط على الأسعار".
الخلاف على الأسعار بين المنتجين والمستهلكين
تأثير "كورونا"
الانخفاض في أسعار النفط، الذي حصل في الشهور الأولى من ظهور "كورونا"، أضرّ بدول منظّمة "أوبك" المُصَدِّرة للنفط، خاصة تلك التي يقوم اقتصادها بكامله على هذا القطاع الحيوي، كالسعودية مثلاً، مما دفع بها إلى الضغط من أجل رفع الأسعار من جديد، الأمر الذي أثّر على الدول المستهلكة، وأولها الدول الصناعية الكبرى مثل الولايات المتحدة والصين، نظراً لكونهما تستوردان جزءاً كبيراً من النفط الذي يحرّك عجلة اقتصادهما، بينما تحتفظان باحتياطيهما في باطن الأرض، وإن اضطرتا بعد توقف الإنتاج إلى المساس باحتياطييهما الحيويين.
يشير أيضاً خبيرا الطاقة، الباحثان كارلوس فرنانديز ألفاريز وجيرجيلي مولنار، إلى أنَّ "انخفاض المخزونات الاستراتيجية عن متوسطاتها الطبيعية (بعد توقّف الإنتاج بسبب عمليات الصيانة في حقول الإنتاج) كان له أثرٌ في الأزمة، فانخفاض المخزونات أدى إلى زيادة الطلب (من قبل الدول نفسها التي انخفضت احتياطياتها الاستراتيجية)، وذلك ساهم في زيادة الأسعار".
العوامل السياسية
وفي مواجهة هذا الارتفاع، الذي يزيد تكلفة الإنتاج على الصين، الدولة الصناعية الأكبر في العالم وأكبر مستهلكي النفط، كما يضيف إلى أزمات الرئيس الأميركي جو بايدن الداخلية أزمةً جديدةً سارع الجمهوريون إلى استخدامها ضده، بعد أن تسبَّب هذا الارتفاع بارتفاع مقابل في أسعار السلع، كان رد الفعل الأميركي، في الشهر الماضي، هو استخدام "الاحتياطي الاستراتيجي" من النفط، لضخ كميات إضافية في السوق بهدف زيادة العرض وبالتالي خفض الأسعار. وقد لاقت الصين هذه الخطوة بمثلها، حيث أعلنت بدورها أنها ستستخدم مخزونها النفطي في مسعى لخفض أسعار النفط، في توافق فريد ضمن أجواء يسودها التوتر في عدة ملفات بين البلدين.
من جهتها، تُعَدُّ السعودية أكثر الدول ذات المصلحة في بقاء أسعار النفط مرتفعة قدر الإمكان، وقد أدى ذلك إلى حدوث انقسام داخل منظمة "أوبك+"، ونشوب خلاف بينها وبين حليفتها الإمارات داخل منظمة "أوبك+" في شهر تموز/يوليو الماضي. إذ نقلت صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية عن مصادر إماراتية قولها إن "المقربين من الشيخ محمد بن زايد آل نهيان يرون أن مصلحة الإمارات تفرض أن تسير بمفردها في سوق النفط"، في إشارة إلى الخلاف الذي نشب بين الإمارات والسعودية خلال اجتماع مجموعة "أوبك+"، والذي أطلق حرباً إعلامية، أدّت إلى اضطراب في الأسواق.
كما أنَّ السعودية تتخوّف بشدة من توصّل إيران إلى اتفاقٍ مع الدول الغربية بشأن برنامجها النووي، لأنَّ هذا الأمر من شأنه أن يفكّ الحظر الأميركي المفروض على إيران، وبالتالي سيمكّنها من طرح إنتاجها النفطي في الأسواق العالمية، مما سيخفّض الأسعار. فإيران تصدّر يومياً ما بين 400 إلى 600 ألف برميل في الوقت الحالي، مع العلم أنَّ وجهة التصدير تتركر على الصين، ويتوقع خبراء أن يشهد هذا الرقم ارتفاعاً في حال نجاح المفاوضات النووية. وتكفي الإشارة إلى أنَّ الإعلان عن استئناف المفاوضات النووية، مطلع شهر تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، أدى إلى انخفاضٍ في الأسعار.
قبل أيام، رجّحت مؤسسة "موديز" للتصنيف الإئتماني أن تبقى أسعار النفط للعام 2022 أعلى من منتصف نطاق توقعاتها للأجل المتوسط، البالغ 50-70 دولاراً للبرميل. وأضافت أنَّ "آفاق صناعة النفط والغاز العالمية على مدار الـ 12 إلى الـ 18 شهراً المقبلة مستقرة".
أما فيما يتعلّق بمستقبل الطاقة بشكل عام، فهو رهن بالسياسة بالدرجة الأولى أكثر من أي شيٍ آخرَ، رغم أنها باتت تتأثر في الآونة الأخيرة بعوامل أخرى منها، المتطلبات البيئية وسياسات الشركات الكبرى المستثمرة في قطاع الطاقة.
لطالما كانت الحروب الباردة منها والساخنة تستهدف السيطرة على مصادر الطاقة. ومهما طال الزمن سنصل إلى يومٍ تنفد فيه هذه المواد غير المتجددة، وبالتالي سيتمّ الاعتماد على مصادر أخرى تأتي في طليعتها الطاقة النووية، ذات العمر الطويل وبالتالي الاستهلاك الكمّي القليل، لكنَّ إمكانية استخدامها في الجانب العسكري من خلال إنتاج أسلحة عالية الخطورة والفتك، يجعل من الدول "الكبرى" تتخذها ذريعةً لإعاقة الدول الصاعدة علمياً واقتصادياً من الاستفادة منه، مع العلم أنَّ هذه الدول "الكبرى" ذاتها تستفيد من الطاقة النووية في كل المجالات، ومنها إنتاج أسلحة نووية.