العمليات الفدائية الفلسطينية عام 2021.. كابوس "إسرائيل" المزعج
في العام المنصرم، عادت العمليات الفدائية ضد الاحتلال الإسرائيلي ومستوطنيه في الضفة الغربية والقدس المحتلتين إلى الواجهة، الأمر الذي أقلق المؤسسة الأمنية الإسرائيلية التي ظهرت عاجزة عن إيقافها. حيث ينظر الإسرائيليون إلى موجة العمليات الفلسطينية الأخيرة بقلق شديد، في ظل تحذير المراقبين من التطور الذي يمكن أن تشهده من حيث الأسلوب والتنفيذ ومن إمكانية محاكاة عمليات مماثلة لها بسبب النجاحات التي تحققها على الأرض.
وسائل إعلام إسرائيلية نقلت القلق والخوف الإسرائيليين من تنامي هذه الظاهرة، وتحولها إلى حالة عامة، "ما يفرض استنفاراً أمنياً دائماً، وتدريبات خاصة" لعناصر قوات الاحتلال، حيث علّقت المؤسسة الأمنية على هذه العمليات، معتبرةً أنها "ليست فردية بل مخطط لها من قبل تنظيمات فلسطينية".
تعددت العمليات بوجه الإسرائيليين بشتّى أنواعها بين إطلاق نار وطعنٍ ودهس، وتحدثت تقارير الاحتلال عن انتفاضة جديدة للشباب في فلسطين المحتلة، معتبرةً ما يحصل تهديداً لأمنها القومي، وأشارت هذه التقارير إلى الارتقاء التدريجي في مستوى تنفيذ العمليات في الشهرين الماضيين، والذي رفع منسوب السجال السياسي الداخلي وتبادل الاتهامات بين الحكومة والمعارضة.
صحيفة "ميكور ريشون" الإسرائيلية سخرت مما وصفته بـ"تفاخر" جيش الاحتلال بنجاحه المستمر في إحباط العمليات الفلسطينية في الضفة الغربية، مؤكدة أن العام الجاري شهد ارتفاعاً حاداً في عمليات المقاومة.
التطور في الأسلوب والتنفيذ الذي ميز عملية إطلاق النار الأخيرة عند مستوطنة حومش قرب نابلس يوم 16 كانون الأول/ديسمبر والتي أدت لمقتل مستوطن وإصابة آخرَين، مثّل برأي معلقين تغييراً جوهرياً في طبيعة العمليات الفلسطينية، وعكس فشل الأجهزة الأمنية الإسرائيلية في منعها بالرغم من كل الحديث عن الاستعدادات استخبارياً وعسكرياً لمنع عمليات من هذا النوع.
نذكر من العمليات الفدائية الشهر الماضي عملية الطعن التي أصيب خلالها عنصران من قوات الاحتلال الإسرائيلي بالبلدة القديمة، ليستشهد بعدها المنفّذ الطفل عمر أبو عصب بنيران قوات الاحتلال، تلتها عملية الفلسطيني فادي أبو شخيدم الذي قتل جندياً إسرائيلياً رمياً بالرصاص وأصاب 4 آخرين في صفوف جنود الاحتلال، وإضافة إلى عملية الطعن في حي الشيخ جراح والتي نفذتها فتاة فلسطينية، وأدت لإصابة مستوطنة.
اتخذت العمليات الفدائية هذا العام، وخصوصاً عقب عملية "سيف القدس"، أشكالاً مختلفةً ولكن السبب واحد، حيث ازدادت وتيرة الاعتداءات الإسرائيلية بحق الأهالي الفلسطينيين، خصوصاً اقتحام المستوطنين لمنازل الأهالي في المناطق المحتلة. وبدا لافتاً تجاهل الأجهزة الأمنية الإسرائيلية اعتداءات المستوطنين المتزايدة التي فاقت الـ 400 اعتداء هذا العام على الفلسطينيين وأرزاقهم وممتلكاتهم ولاسيما في الضفة الغربية.
الاعتداءات الإسرائيلية تسبب تصاعد العمليات الفدائية
تشير التقارير إلى أن ازدياد عنف المستوطنين في الضفة الغربية كان أحد أهم أسباب الدافعية لدى الشباب الفلسطيني في التوجّه نحو العمل الفدائي، فبمقارنةٍ بين عدد عمليات عنف المستوطنين بين عامي 2019 و2020 وعام 2021، يظهر تصاعدٌ واضح في هذه العمليات في السنة الأخيرة، واستهدافها المباشر للفلسطينيين.
وفي هذا الصدد، قال المحامي الفلسطيني صالح أبو عزة للميادين نت إن ما يحصل في بلدات ومناطق الضفة من بينها بلدة بيتا، من مقاومة شعبية حقيقية تحوّلت إلى أيقونة في النضال الفلسطيني، بالإضافة إلى ازدياد مساحات الاحتكاك بين الفلسطينيين والمستوطنين في الضفة، تُشكّل عاملاً إضافياً للتحرّك الشعبي الفلسطيني.
وأضاف أبو عزة أن معركة "سيف القدس"، والهروب الكبير من سجن جلبوع بقيادة محمود العارضة، "كان لهما أثرٌ نفسي كبير على الشباب الفلسطيني وخاصةً الفئة العمرية 15 - 20 عاماً، حيث شكّلت إحدى دوافع العمل الوطني في مواجهة الغطرسة الإسرائيلية".
ووفقاً لأبو عزة، فإن "عملية فدائية واحدة كفيلة بإعادة تفعيل مسار المقاومة، وهذا مشابه لما حصل في هبّة القدس عام 2015، وفاتحتها بعملية الشهيد مهند الحلبي"، قائلاً إن "العملية الفدائية الناجحة كفيلة بتشجيع الفئة الشبابية على تكرار التجربة وتقديم نموذج جديد، والإقدام على التنفيذ ومحاولة إحداث فرق، كما حدث في عملية حوميش بين مدينتي جنين ونابلس".
قلق أمني إسرائيلي
بحسب المحامي الفلسطيني صالح أبو عزة فإن "هناك رضى شعبياً هائلاً في الشارع الفلسطيني عن هذه العمليات، وتفاعلاً واضحاً على مواقع التواصل الاجتماعي سواءً على المستوى الوطني أو العربي، والنظر لهؤلاء بأنهم أبطال وأيقونات حرية".
وقد التفت الإسرائيلي إلى ذلك، واتهم حركتي الجهاد الإسلامي وحماس بالتحريض على العمليات، وتصعيد المقاومة في الضفة الغربية والقدس المحتلة، ولكن العام المنصرم شهد وقوفاً شعبياً كبيراً خلف فصائل المقاومة، وإيماناً بدورها، وبحسب أبو عزة فإن هناك عوامل تساعد على ذلك، منها انسداد الأفق السياسي، وقضية الأسرى، وقضية القدس، خاصةً ما يحصل في حي الشيخ جراح، وبلدة سلوان.
وأشار إلى أن الاحتلال ينظر إلى هذه العمليات على أنّها خطيرة على أمنه وأمن مستوطنيه، وتُظهِر أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية عجزاً واضحاً في التنبؤ بحدوثها، ومعرفة ماهيتها وآليات تنفيذها ومكانها، وهنا تكمن خطورتها، معتبراً أن دوائر "الأمن" الإسرائيلي تسعى الآن إلى متابعة جميع نشاطات الفلسطينيين على مواقع التواصل، وذلك لرصد حالات قد تكون محل شبهة لتنفيذ عملية، وهذا يحتاج إلى جهود مضاعفة من الاحتلال في الرصد والتحليل والتعقّب.
ويرى أبو عزة، في النهاية، أن "المرحلة المقبلة ستشهد ازدياد حالات الاعتقال في صفوف الشباب الفلسطيني، كما سيدفع الاحتلال بوحدات شرطية ووحدات تابعة لحرس الحدود والجيش لتكثيف الرقابة على الطرقات من جانب، ولمحاولة توفير أكبر قدر ممكن من الحماية لمستوطنيه. وهذا كلّه لا يحقق الحد الأدنى من الأمان، فلا يمكنه وضع جندي لحراسة كل مستوطن".