"إسرائيل" ومفاوضات فيينا: بين القلق والتحريض.. محاولات حثيثة للتأثير

بالتوازي مع استئناف مفاوضات فيينا، وفي ضوء التلويح بالخيار العسكري الإسرائيلي ضدّ المشروع النووي الإيراني، "إسرئيل" تَشْرَع في حملة ضغط دبلوماسية.
  • "هآرتس": جهات سياسيّة في "إسرئيل" ترسم أربعة سيناريوهات محتملة ليوم ما بعد المحادثات

تقدّر "إسرئيل" أن رياح المفاوضات النووية، التي استؤنفت اليوم في فيينا بين إيران والقوى الكبرى، لن تجري وفق ما تشتهي أو تتمنّى. لذا، تُعرب، عبر كل الوسائل، وفي جميع المستويات، عن رفضها، بل قلقها من استئناف المفاوضات التي قد تؤدّي إلى رفع العقوبات عن إيران. وهذا ما أعاد رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي، نفتالي بينيت، تأكيده أمس في جلسة حكومته الأسبوعية.

في الموازاة، شرَعت "إسرئيل" في حملة دبلوماسية من أجل حثّ المفاوضين على تشديد مواقفهم ضدّ إيران، وأخذ مطالب "إسرئيل" وهواجسها في الاعتبار. حملة بدأها رئيس الاحتلال الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ من ألمانيا الأسبوع الماضي، وتُستكمَل مع وزير الخارجية يائير لابيد، الذي قصد أمس عدداً من عواصم القرار الأوروبي من أجل عرض موقف "إسرئيل"، ومحاولة التأثير في مسار المفاوضات بعد الفشل في عرقلة انطلاقتها. 

ومنذ اقتراب السّاعة الصفر لانطلاق المفاوضات، ارتفعت حدّة النّقاش الإسرائيلي العام بشأن التقديرات والخيارات، وبشأن تبعات التوصّل إلى اتفاق نووي جديد من عدمه. وفي الموازاة، تزايدت الانتقادات الداخلية تجاه "الاستراتيجية الإسرائيلية الضعيفة" وتخبّط المستوى القياديّ إزاء سبل المواجهة وخياراتها. 

"إسرائيل" تواكب المفاوضات بحملة تحريض

مع انطلاق المفاوضات النووية في فيينا، أطلق كبار المسؤولين الإسرائيليين جملة من المواقف والتصريحات التحريضية ضدّ إيران، أكّدوا فيها موقف "إسرائيل" الرافض لاستئناف المفاوضات.  

وعَبْر فيلم مصوَر نُشر باللغة الانكليزية، علّق رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي، نفتالي بينيت، على استئناف المفاوضات، بالقول إن "إيران تصل اليوم إلى المفاوضات في فيينا مع هدف واضح، هو رفع العقوبات، في مقابل لاشيء تقريباً. لن تُحافظ إيران على برنامجها النووي فحسب، بل سيُدفع إليها في مقابل ذلك أيضاً".

وأضاف بينيت أنه "على الرغم من انتهاكات إيران ومساعيها من وراء الرقابة على المشروع النووي، فإنها تصل إلى طاولة المفاوضات، وهناك من يعتقد أن من حقّها رفعَ العقوبات عنها. ومئات مليارات الدولارات ستتدفّق إلى نظامها. هم مخئطون. إيران لا تستحق أي هِبَات، وأي صفقات، ولا أي رفع للعقوبات في مقابل وحشيتها". وختم بينيت "أدعو حلفاءنا حول العالم: لا تستسلموا لابتزاز إيران النووي".

وخلال تصريح مشترك مع وزيرة الخارجية البريطانية، إليزابيث تراس، قال وزير خارجية الاحتلال يائير لابيد "إننا ملتزمون الهدفَ نفسه، وهو ألاّ تكون لإيران قدرة على امتلاك أسحلة نووية. يأتي الإيرانيون إلى هذه المحادثات من أجل هدف واحد فقط، هو: رفع العقوبات"، مضيفاً "هم سيلعبون على الوقت، وسيكسبون المليارات من رفع العقوبات، وسيواصلون خداع العالم، ودفع برنامجهم النووي سرّاً. هذا ما فعلوه في السابق، وهذا ما سيفعلونه هذه المرّة". 

من جهته، قال وزير المالية في حكومة الاحتلال الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، خلال افتتاحه اجتماع كتلة حزبه في الكنيست: "آمل بشدة في أن تتمسّك القوى العظمى بمصالح العالم الحر بأكمله، وألا تسمح للإيرانيين بالتقدم في القضية النووية وفق مسار أحادي الجانب. من المهم أن نتذكر، في هذا اليوم، أننا أنشأنا الدولة اليهودية حتى نتمكن من حماية كل يهودي، أينما كان. وأيضاً، في هذه الحالة، فإن "إسرائيل" مصممة على فعل كل ما هو مرتبط بها من أجل ألا تكون إيران نووية".

استراتيجية التأثير 

بالتوازي مع استئناف مفاوضات فيينا، وفي ضوء التلويح بالخيار العسكري الإسرائيلي ضدّ المشروع النووي الإيراني، شَرَعت "إسرئيل" في حملة ضغط دبلوماسية على الدول الغربية، في محاولة لحثّها على جعل تعليق طهران تخصيبَ اليورانيوم شرطاً لبدء المحادثات معها، وأيضاً من أجل منع التوصّل إلى اتفاق موقّت أو مرحلي.

وفي إطار حملة الضغط، توجّه وزير خارجية الاحتلال الإسرائيلي، يائير لابيد، إلى أوروبا أمس الأحد، من أجل إجراء محادثات مع القادة البريطانيين والفرنسيين.

والتقى لابيد، اليوم الإثنين، رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، ووزيرة جارجيته إليزابيث تراس، وسيلتقي الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في باريس، غداً الثلاثاء.

وذكرت تقارير إسرائيلية أن لابيد سيسعى لحثّ جونسون وماكرون على تشديد مواقف بلدَيْهما، كما سيعرض مخاوف "إسرئيل" من التطوّرات المحتملة في المفاوضات.

وبشأن أولويات التأثير الإسرائيلي في المفاوضات، أشار معلّقون إلى أن التوجّه الإسرائيلي "قبل كل شيء هو محاولة إبقاء أكبر قدر من العقوبات على إيران، بحيث تريد "إسرائيل" إبقاء إيران خارج منظومة المصارف العالمية، من أجل منعها من تحويل أموال إلى أي حليف في الشرق الأوسط، وخصوصاً حزب الله". في الموازاة، أشارت تقارير إعلامية إلى أن "إسرائيل ستُطالب الدول العظمى بجعل تعليق طهران تخصيبَ اليورانيوم شرطاً لبدء المحادثات معها"، وأنها "تبذل جهوداً دبلوماسية، ليس فقط لمنع العودة إلى اتفاق، وإنما أيضا من أجل عدم العودة إلى اتفاق موقت".

وفي سياق حملة التحريض والعرقلة التي بدأتها "إسرئيل" قبل استئناف المفاوضات، كان رئيس الوزراء البريطاني استقبل الأسبوع الماضي رئيس الاحتلال الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ من أجل إجراء محادثة بشأن إيران. وكانت هذه القضية أيضاً أحد المحاور الرئيسة للاجتماع الثنائي الذي عقده مع رئيس وزراء الاحتلال نفتالي بينيت، على هامش قمّة المناخ "COP26" في غلاسكو، في وقتٍ سابق من هذا الشهر.

علاوة على ذلك، من المتوقّع أن يتوجّه وزير أمن الاحتلال، بيني غانتس، الأسبوع المقبل، إلى واشنطن، لمناقشة هذا الملف، وكذلك من المرتقب أن يناقش هذه القضية بينيت خلال زيارته المرتقبة للإمارات العربية المتحدة، والتي من المحتمل أن تجري في نهاية الشهر المقبل.

أربعة سيناريوهات محتملة

بحسب صحيفة "هآرتس"، فإن جهات سياسيّة في "إسرئيل" ترسم 4 سيناريوهات محتملة ليوم ما بعد المحادثات، في حال فشلها:

السيناريو الأول، وهو الأرجح، ستعترف الولايات المتحدة بموجبه بعدم إمكان إعادة إيران إلى الاتفاق الأصلي، وستعمل على الدفع في اتجاه اتفاق مرحلي، أُطلق عليه " أقلّ في مقابل أقلّ". وسيتضمّن اتفاق من هذا النوع تفاهمات في قضايا لا خلاف بشأنها. وهكذا سيحدّ التقدّم في المشروع النووي الإيراني. 

السيناريو الثاني، الأقل فرصاً في التحقق، ينصّ على أنّ فشل المحادثات سيتسبّب بأزمة، ويفاقم المواجهة بين إيران والمجتمع الدولي. وهكذا، ستحاول إيران ترهيب المجتمع الدولي في محاولة لرفع العقوبات عنها.

السيناريو الثالث، يُعَدّ أقل رجاحة من السابق أيضاً، وتتراجع فيه إيران عن برنامجها النووي - على نحو جزئي أو كامل - من أجل رفع العقوبات عنها، في حين أن انكفاء طهران، وفق "هآرتس"، احتماله ضعيف، لأنّها لم تُبدِ حتى الآن نية حسنة إزاء المجتمع الدولي، لا ببادرة طيّبة، ولا بتقليص أنشطتها العملياتية.

السيناريو الرابع، والذي يُعَدّ أيضاً ذا احتمال ضعيف، هو أن فشل المحادثات سيقود الولايات المتحدة إلى تليين مطالبها تجاه إيران، في محاولة للتوصّل إلى حدّ أدنى من التفاهمات التي تُنهي الأزمة.

ويستند سيناريو كهذا، بحسب "هآرتس"، إلى حقيقة مفادها أنّ قضية النووي الإيراني لن تكون أحد أهداف إدارة بايدن المركزية، التي ركّزت على العمل ضد تعاظم قوة الصين، والدفع قُدُماً بإجراءات عالمية في التصدّي لجائحة الكورونا.

إحباط وتشاؤم مع خيارات مقلّصة 

باهتمام وترقّب، تابع الإعلام الإسرائيلي حدث استئناف المفاوضات النووية في فيينا، مُبْرِزاً القلقَ من هذا الملف، ومساهماً في النقاش العام بشأن تقديرات المرحلة المقبلة وخياراتها وسيناريوهاتها، ومسلّطاً الضوء على التباينات والتخبّط لدى "إسرائيل" إزاء الملف النووي الإيراني بصورة عامة، وسبل التعامل مع الأميركيين، في ضوء إصرارهم على تقديم أولوية المسار الدبلوماسي على المسار العسكري مع إيران.

وتوزّع الجهد الإعلامي – خلال الأيام القليلة الماضية - على عدة اتجاهات:  

تقديرات وتوقّعات: غلب عليها الطابع التشاؤمي من قدرة "إسرئيل" على التأثير الجوهري في المفاوضات، في ظلّ الرغبة الأميركية في التوصّل إلى اتفاق "بأي ثمن"، في مقابل "الاستراتيجية الإيرانية الحكيمة"، وفق رأي خبراء. وفي هذا السياق، رأى الرئيس السابق لشعبة الاستخبارات العسكرية لدى الاحتلال (أمان)، عاموس يدلين، أن "إسرائيل موجودة في نقطة بداية ضعيفة، لأنه سواء تمّ اتفاق أو لا،ـ فإن قدرة المناورة الإسرائيلية تتقلص، ولاسيما بسبب الاستراتيجية الأميركية القائمة على: أقل في مقابل أقل".

محدودية الخيار العسكري وعدم واقعيته: أجمع محللون ومعلقون وخبراء على أن الخيار العسكري الإسرائيلي محدود الفعالية، وغير جاهز في الوقت الراهن، وحتى إنه غير واقعي، لأنه غير ممكن من دون موافقة الأميركيين، الأمر الذي يجعل "كل الاستعدادات والتهديدات الإسرائيلية – وفق رأي رئيس حكومة الاحتلال الأسبق إيهود أولمرت -  هدراً للمال والجهد.

إبراز التباين الإسرائيلي: توقّفت تحليلات وتعليقات متعدّدة عند التباين في الموقف الإسرائيلي، حيال التعامل الأفضل مع استئناف المفاوضات بعد فشل عرقلتها. وهذا الأمر اعترف به تلميحاً رئيس حكومة الاحتلال نفتالي بينيت في جلسة الحكومة أمس، عندما قال "أعتبر تكلّم الحكومة بصوت واحد بشأن الأمور التي تمس أمن "إسرائيل" أمراً مهماً للغاية".

أبعد من النووي: يرى معلّقون أن المفاوضات ترتبط بحقائق أوسع من الاتفاق النووي نفسه، وهي ترتبط بالعلاقات بين إيران وواشنطن، وبين واشنطن و"إسرئيل". وترتبط بسُلّم أولويات إدارة بايدن والمستقبل الأميركي في الشرق الأوسط، وباستمرار مكانة الولايات المتحدة اللاعبَ الدولي المركزي، وقدرتها على المحافظة على قوة ردعها في المنطقة. 

المصدر: الميادين نت