بين بيلاروسيا وبولندا.. المهاجرون سئموا الانتظار ومستعدون لاختراق الطريق

الحدود بين بيلاروسيا وبولندا تعج بالمهاجرين، فهل ينجح هؤلاء في الوصول إلى "أرض الأحلام" التي يسعون فيها إلى مستقبل أفضل؟ أم أنهم سوف يغدون في النهاية وقوداً لصراع إقليمي في القارة العجوز؟
  • ماذا يحدث على الحدود بين بيلاروسيا وبولندا؟

المهاجرون. جدلية التصقت بالفئات المهمشة غالباً. جدلية الهجرة. أياً يكن نوع التهميش الذي يتعرضون له، أو طريقة الحياة التي فرضت عليهم. المهاجرون عموماً ضحايا. هذا ما يقوله التاريخ القريب على الأقل.

دائماً ما تطفو قضية المهاجرين على سطح القضايا، كونها قضية إنسانية تروي قصص الذين سئموا من الحياة في بلادهم. من الموت والتفلّت الأمني، والفقر والظروف الاقتصادية السيئة، وهدر الحقوق والحروب بكل أشكالها.

البلدان التي تشكّل مقصداً لهؤلاء، "اليائس" بعضهم، عادةً هي الدول التي تلوّح بميثاقية حقوق الإنسان، في أي تجمّع تكثر وسائل الإعلام فيه، والدول التي تتحدث كثيراً عن الحقوق والواجبات وتوقّع الكثير من الاتفاقيات الدولية. يظن هؤلاء أنهم وعائلاتهم في مأمن، وأنهم سيحصلون على الحياة الكريمة التي يطمحون إليها. غالباً ما ينتهي بهم الحال في غابة في العراء مع طقس شديد الحر أو البرودة ورفض كبير لاستقبالهم. هذا حصل في كثير من المناطق حول العالم، وليس آخرها المهاجرين بين بلاروسيا وبولندا، الذين يقفون في الطرقات ولا يعرفون أين يذهبون حتى اللحظة.

ماذا يحدث على الحدود بين بيلاروسيا وبولندا؟

  • تمركز المهاجرين على الحدود بين بيلاروسيا وبولندا.

توقّف الزمان على الحدود بين بيلاروسيا وبولندا عند آلاف المهاجرين من سوريا والعراق واليمن ولبنان وأفغانستان ودول أفريقية خلال رحلتهم للعبور باتجاه أوروبا الغربية. المهاجرون تدفقوا على الحدود، على أمل الوصول إلى دول الاتحاد الأوروبي، وقد سافروا، ومعظمهم من الشرق الأوسط، إلى بيلاروسيا، لكنهم لا يريدون البقاء هناك. وهم يأملون في عبور الحدود إلى بولندا أو ليتوانيا. الدولتان العضوان في الاتحاد الأوروبي، على أمل الحصول على حق اللجوء داخل الاتحاد، أو ببساطة العيش هناك.

يحتشد حوالى 4 آلاف طالب لجوء، بحسب تقديرات حرس الحدود البولندي، على طول الحدود مع بيلاروسيا في ظروف قاسية. العديد من هؤلاء يقترضون المال لدفع تكاليف الرحلة، يدفعون آلاف الدولارات ويقطعون مئات الكيلومترات على أمل إيجاد "مستقبل أفضل" لهم ولأبنائهم في أوروبا، ويواجهون صعوبات تصل إلى حد وضع حد لحياتهم.

وسائل إعلام بيلاروسية نشرت منذ بداية الأزمة لقطات لأطفال يتزاحمون عند الحدود للحصول على مياه الشرب.

على الحدود المتاخمة للبلدين، هناك أطفال عالقون في الخط الفاصل بين بولندا وبيلاروسيا. في منطقة كامينيتس المتاخمة للحدود، والمهجورة في الغالب، تتناقل الوكالات صوراً لخيم منصوبة للمهاجرين وعائلاتهم، والدخان فوق رؤوسهم، يبدو أنه الغاز المسيل للدموع.

الصور التي تنذر بأزمة حقيقية على الحدود تنتشر في كل مكان. صور الأطفال الذين يبكون وهم يلتحفون الأرض في درجة حرارة تصل إلى تحت الصفر في بلاد أوروبا الشرقية والوسطى. يحاول المهاجرون العبور باتجاه بيلاروسيا صباحاً، ويتصدى لهم حرس الحدود باستخدام الغاز المدمع وخراطيم المياه. وليلاً، يشعلون الأشجار لكسر الصقيع الذي يهدد عظامهم على أمل أن يستيقظوا ليحاولوا العبور مجدداً.

أحد الناشطين العراقيين على مواقع التواصل نشر صوراً للمهاجرين من العراق وقال إن "على الفائزين والخاسرين في الانتخابات الذهاب إلى الحدود البيلاروسية البولندية، وسيجدون العراق كلّه هناك!".

وهم المسؤولية الأوروبية: عودوا أيها المهاجرون إلى دياركم

  • مهاجرون يرشقون ضباط بالحجارة أثناء محاولتهم العبور إلى بولندا 16 تشرين الثاني /نوفمبر 2021 (أ ف ب).

عادةً ما يرفع اليمين المتطرف في أوروبا الصوت عالياً ضدّ المهاجرين. إريك زيمور، المرشح للانتخابات الفرنسية المقبلة، كشف في كتابه "فرنسا لم تقل كلمتها الأخيرة" عن نقاش هاتفي مطوّل دار بينه وبين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، تطرّقا خلاله لملف المهاجرين، وأخبر زيمور ماكرون "أن الأفراد مختلفون، فهم طيبون أو أشرار، لا يهم، المهم هو ذلك اللاوعي الجماعي الذي يرغب في استعمار البلد الذي استعمره هو في الأمس القريب".

An error occurred while retrieving the Tweet. It might have been deleted.

الحكومة البولندية أعلنت عن سياسة "الدّفع إلى الخلف" التي تقضي بإعادة أي شخص موجود بصورة غير قانونية في بولندا إلى الجهة الأخرى من الحدود (مع بيلاروسيا).

وبحسب مجلة "ذي أتلانتك" الأميركية خلقت تلك السياسة على الأرض فوضى قانونية وإنسانية وأخلاقية، إذ إن المهاجرين الذين "يُدفَعون إلى الخلف" نحو الحدود البيلاروسية لا يجتازونها، ولا يعودون إلى مينسك، ولا يستقلون الطائرات عائدين إلى ديارهم، فكل ذلك مُحال بالنسبة لهم. وبينما يُعلن حرس الحدود البولندي دورياً عن عدد الأشخاص الذين أُوقِفوا، فإنه في الحقيقة يُمسك بالأشخاص أنفسهم المرة تلو المرة". المجلة التي ترى أن المهاجرين "سمحوا لأنفسهم بأن يكونوا رصاصاً في حرب هجينة"، اعتبرت أن "المأساة الجماعية ليست إلا سلسلة من المآسي الفردية".

غالبية اللاجئين يتعرضون للإذلال على أغلب حدود دول أوروبا الشرقية، ويموت الكثير منهم في الطريق إلى الحدود أو على الحدود نفسها. هذا ما حاول  المخرج التشيكي "توماش رافا" شرحه في وئائقي "المهاجرون مُرحّب بهم هنا" المعروض في الدورة الأخيرة لمهرجان "يهلافا" (جمهورية التشيك). يبدأ الوثائقي بمشهد افتتاحي يعرض جنازة رمزية لمهاجر لم يصل إلى وجهته. يموت المهاجر ويسمع صراخ عائلته، وطفلة تكثر من البكاء، ويبدو أنها ابنته، ثم يبكي مواطنون  ألمان"أصليون" على الحالة التي وصل إليها المهاجر "المسكين".

السؤال الذي يُطرح بشأن الأزمة على الحدود اليوم يطرح تفضي إلى أمرين، قد ينجح هؤلاء في الوصول إلى أرض الأحلام، أو أنهم سيُشعلون صراعاً إقليمياً في القارة العجوز.

المصدر: الميادين نت