اليوم الوطني للسلام في ساحل العاج

تحيي ساحل العاج اليوم الوطني للسلام بعد سلسلة من الأزمات السياسية، والتي أدت إلى انقسام البلاد وتعطيل الانتخابات، قبل إعادة التوحّد واستئناف التشاركية في الحكم.
  • احتفل مواطنو ساحل العاج باليوم الوطني للسلام

تحتفل ساحل العاج في 15 تشرين الأول/نوفمبر من كل عام، بالعيد الـ25 للسلام، وهو اليوم الذي يُعتبر من أهم الأعياد الاجتماعية والسياسية، ولاسيما بعد ما عانته ساحل العاج من أزمات واضطرابات استمرت قرابة عقدين من الزمن؛ أي منذ وفاة رئيس الدولة و"أَبي الأمة"، فيليكس بوغيني، بعد إصابته بداء السرطان، في عام 1993.

ما هي أبرز الأحداث التي مرّت فيها ساحل العاج بعد وفاة " أَبي الأمّة"؟

مرّت ساحل العاج منذ وفاة بوغيني في عدد من الأحداث السياسية والعسكرية، والتي استمرت حتى عام 2010؛ تاريخ استلام الرئيس الحالي لدولة "الكوت ديفوار" مقاليدَ السلطة.

فقدان الانتظام السياسي في البلاد

فقدت الدولة الإيفوارية تماسكها السياسي بعد الرئيس بوغيني. ففي عام 1993، تسلّم رئيس مجلس النواب آنذاك، هنري باديي، مقاليدَ الحكم موقتاً، ليقوم بعدها، في العام نفسه، بتعديل أحد بنود القانون الانتخابي، وفرض إثبات الأصول العاجية لكل مرشح للرئاسة في ساحل العاج. ومكّن هذا التعديل باديي من التخلُّص من منافسه الرئيسي الحسن واتارا (الرئيس الحالي).

فاز باديي، عام 1995، في الانتخابات الرئاسية، بعد حصوله على 96.44 % من أصوات الناخبين، في انتخابات قاطعها كل من الحسن واتارا (من حزب التجمع الجمهوري)، ولوران غباغبو (من الجبهة الشعبية العاجية). وبعد أربع سنوات، أطاح انقلاب عسكري الرئيسَ السابق باديي، ليترأّس حينها الجنرال روبرت غاي المجلسَ الوطني للسلام الشعبي، والذي تعهّد قيادةَ المرحلة الانتقالية حتى موعد إقامة الانتخابات الرئاسية المقبلة.

في تشرين الأوّل/أكتوبر 2000، وقبل الانتخابات الرئاسية المزمَع عقدها، طعنت المحكمة العليا في "الكوت ديفوار" في شرعية ترشُّح كلِّ من الحسن وتارا وهنري باديي، وحرمتهما من خوض غمار الانتخابات الرئاسية، الأمر الذي مهّد الطريق أمام لوران غباغبو للفوز في الانتخابات الرئاسية، متغلباً على روبرت غاي، الذي اعترض على نتائج الانتخابات، وأعلن نفسه رئيساً للبلاد، وهو ما دفع أنصار غباغبو وجانباً كبيراً من الشعب، مدعومِين بالدَّرَك والجيش، إلى الاحتجاج ضد غاي. وشهدت البلاد مواجهات عنيفة بين الشعب وجماعة روبرت غاي، التي انهزمت سريعاً.

انقسام ساحل العاج إلى نصفين

في أيلول/سبتمبر 2002، انقسمت ساحل العاج إلى قسمين، بحيث استغلّت مجموعة مسلَّحة من الشمال فرصة غياب لوران غباغبو، الذي كان في زيارة رسمية لإيطاليا، للقيام بهجمات متزامنة في العاصمة الاقتصادية أبيدجان، وفي بواكي في الوسط، وكورهوغو في الشمال، كما تم اغتيال وزير الداخلية إميل بوغا دودو.

دفعَ تسارُعُ الأحداث هذا باريس إلى التدخل عسكرياً في البلاد، من أجل حماية المواطنين الأجانب، وتم إجلاء أكثر من 3000 شخص في عملية أُطلق عليها اسم "عملية ليكورن"، إلاّ أنّ الحكومة العاجية، بقيادة غباغبو، والتي طلبت مساعدة عسكرية فرنسية بموجب اتفاقات الدفاع بين أبيدجان وباريس، والموقّعة عام 1961، واجهت رفضاً فرنسياً للتدخل، بدعوى أنّ ما يجري في البلاد شأن داخلي، ليسيطر المتمردون على مناطق في شمالي البلاد، في حين انحصرت مناطق نفوذ الحكومة في الجنوب.

إعادة توحيد الشمال والجنوب

في أيلول/سبتمبر 2002، أنشأت المجموعة الاقتصادية لدول أفريقيا الغربية مجموعةَ اتصال، وأرسلت قوة سلام إلى ساحل العاج. وفي تشرين الأول/أكتوبر، تمّ التوقيع على اتفاق وقف إطلاق النار. وبعد مفاوضات بين الطرفين، ووساطات دول أفريقية إلى جانب فرنسا، تمّ التوقيع على اتفاقات سُمِّيت اتفاقات "ماركوسيس". وأعلنت حكومة المصالحة الوطنية، والتي شكلها غباغبو، انتهاء الحرب الأهلية رسمياً في الرابع من تموز/يوليو 2003، إلا أنّ هذا الإعلان ما لبث أن تعرّض لنكسة في آذار/مارس 2004، حينما تم استخدام العنف من أجل إيقاف مظاهرات نظَّمها عدد من المواطنين، تنديداً بتجميد اتفاقات "ماركوسيس"، بحيث أحصت الأمم المتحدة سقوط 120 قتيلاً على الأقل، و20 مفقوداً.

في حزيران/يونيو 2004، اجتمع الرئيس العاجي لوران غباغبو بمختلف الأطياف السياسية في العاصمة الغانية أكرا، ووضعوا جدولاً زمنياً لتجريد مجموعة المتمردين من أسلحتها، إلا أنّ المتمردين رفضوا إلقاء السلاح، ليتم بعد ذلك التوقيع على اتفاق سلام بإشراف الرئيس الجنوب أفريقي، تيبو مبيكي، في فكتوريا عاصمة جنوب أفريقيا، من أجل إنهاء الأزمة ونزع سلاح المتمردين.

التدخّل الأممي في ساحل العاج

عام 2005، تبنى مجلس الأمن، بالإجماع، القرار الرقم 1609، والذي يقضي بدعم قوات أممية في ساحل العاج، وتمديد عمل قوة "ليكورن" الفرنسية حتى 26 كانون الثاني/يناير 2006، لتبدأ بعدها مرحلة طويلة من إرجاء الانتخابات الرئاسية في البلاد بحجج متعددة، على الرغم مما حدث قي 28 شباط/فبراير 2006، بحيث اجتمع، لأول مرة منذ عام 2002، أطراف النزاع في ساحل العاج: رئيس الدولة لوران غباغبو، ورئيس الوزراء شارل باني، وزعيم المتمردين غيوم صورو، ورئيس الوزراء السابق الحسن وتارا، والرئيس السابق هنري بيديي.

بقيت حال تأجيل الانتخابات الرئاسية على ما هي عليه حتى عام 2010، بحيث فاز الحسن وتارا في السباق الانتخابي من الجولة الثانية، متغلباً على لوران غباغبو. وعلى الرَّغم من أنّ غبابو لم يقبل نتائج الانتخابات، فإنّ الحسن وتارا تقلّدَ في نهاية الأمر منصب الرئاسة، ولا يزال مستمرّاً فيه حتى يومنا هذا بعد فوزه في ثلاث انتخابات رئاسية متتالية.

يُطّل العيد الوطني للسلام في ساحل العاج، هذا العام، بعد فترة غير قصيرة من الاستقرار السياسي في البلاد، يحتفل به الإيفواريون، في مختلف توجهاتهم، تملأهم آمال في مستقبل أفضل يسعى إليه أبناء هذا البلد، بوحدة ومحبة، وبالتكافل بين مختلف فئات المجتمع، التي تسعى لدفن فترة الحروب والاضطرابات خلفها، والعمل من أجل تنمية دولة ساحل العاج وتطويرها، أو كما يحب الإيفواريون تسميتها: "الكوت ديفوار". 

المصدر: الميادين نت