الإمارات تعبّد طريق العرب نحو دمشق.. والاقتصاد بوابة العبور
في أول زيارةٍ من نوعها لمسؤولٍ إماراتي كبير منذ بدء الحرب السورية قبل عقدٍ كامل، زار وزير خارجية الإمارات، عبد الله بن زايد، دمشق والتقى الرئيس السوري بشار الأسد، لمناقشة العلاقات الثنائية والتعاون بين البلدين، بحسب الإعلان الرسمي.
حقيقة موقف واشنطن من تطبيع العلاقات مع دمشق
زيارة ابن زايد لدمشق لم تكن لتكون دون ضوءٍ أخضر من واشنطن للإمارات، بحسب الكثير من المراقبين، وخصوصاً أن الإمارات حاولت أكثر من مرة دفع العلاقات مع دمشق قدماً، ولكنها كانت تصطدم بمعارضة أميركية، وخصوصاً أيام الرئيس السابق دونالد ترامب.
أضف إلى ذلك أن زيارة الوزير الإماراتي بحد ذاتها تأتي كسراً لقانون "قيصر" الأميركي، الذي يحظر على أي دولة أو مؤسسة التعاون والتواصل مع دمشق، الأمر الذي اعتبره البعض استثناءً أميركياً للإمارات من تبعات القانون الأميركي.
وإذا أردنا التعرف على حقيقة الموقف الأميركي من التواصل مع سوريا، نجد تصريحات الرئيس الأميركي، جو بايدن، الأخيرة التي تركّزت، ولا سيما خلال زيارة الملك الأردني عبد الله الثاني لأميركا، على تغيير السياسة المتّبعة حيال سوريا.
صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، بحثت في الموضوع في وقتٍ سابق، وقالت إنّ إدارة بايدن لن تعارض التطبيع مع سوريا رغم اعتراضها العلني على الأمر. وذكرت أنّ كبير مستشاري بايدن للشرق الأوسط، بريت ماكغورك، كتب في مقال له عام 2019، إن "الولايات المتحدة يجب أن تكف عن معارضة الجهود التي يبذلها شركاؤها العرب لتطبيع العلاقات مع الأسد".
لكن وفي موقف مناقض، قالت الخارجية الأميركية عقب الزيارة الإماراتية إن "واشنطن قلقة إزاء التقارير عن اجتماع بين الرئيس السوري ووزير الخارجية الإماراتي، وإدارة بايدن لن تبدي أي دعم لجهود تطبيع العلاقة مع سوريا".
لكن هذه المعارضة العلنية لا تظهر حقيقة الموقف الأميركي، حيث تشير التقارير إلى خشية واشنطن من خسارة حلفائها في المنطقة، وأكدت صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية، أنّ أميركا علمت مسبقاً بالزيارة الإماراتية لدمشق، ولكنها صرّحت أن "واشنطن قلقة اليوم بالفعل بشأن شركائها في المنطقة".
وأضافت الصحيفة أنّ "واشنطن بعيدة عن كلٍ من القاهرة والرياض في القضايا الرئيسية، ويبدو أنّ الرمال في المنطقة تنزلق من تحت أقدام أميركا، وهذا يعني أن لديها مشاكل مع معظم حلفائها وأصدقائها التقليديين، فأنقرة تُدار الآن من قبل نظام مناهض لأميركا يشتري أسلحة من روسيا وينتهك حقوق المهاجرين وحقوق الإنسان".
انفتاح عربي كبير ودورٌ روسيٌ مساند
يعتبر البعض أن أبرز مؤشرات السياسة الأميركية الجديدة حيال سوريا تجلى في غضّ واشنطن الطرف عن اجتماعات وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد مع نظرائه العرب، خلال أعمال الدورة الـ76 للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، وما أعقب هذه الاجتماعات من تصريحات ومواقف داعمة لتطبيع العلاقات مع دمشق، فقد تعهد وزير الخارجية المصرية، سامح شكري، بالمساعدة في "استعادة مكانة سوريا في العالم العربي"، إضافةً إلى عودة العلاقات السورية الأردنية بأشكال متعددة كالتنسيق الأمني والانفتاح الاقتصادي، ناهيك عن التصريحات والمواقف، وحتى التواصل، الذي يحصل في الآونة الأخيرة بين سوريا ودول أخرى على رأسها العراق والجزائر وسلطنة عمان..
لا يمكن هنا إهمال الدور الروسي في عودة العلاقات السورية الإماراتية أو حتى الأردنية قبلها، ففي آذار/مارس الماضي، أكد وزير الخارجية الإمارتي، خلال اجتماعه مع نظيره الروسي لافروف، أن "عودة سوريا إلى محيطها أمرٌ لا بد منه"، موضحاً أنّ "قيصر يعقّد عودة سوريا لمحيطها العربي".
كما أنّ الدور الروسي كان جلياً في السعي إلى المصالحة التي تمت في الجنوب السوري (درعا وريفها) والتي بردت الأجواء ومهدت الطريق لفتح الحدود مع الأردن وعودة التواصل الاقتصادي.
الاقتصاد بوابة العبور نحو الانفتاح العربي
مسيرة تطبيع العلاقات العربية مع سوريا شهدت تحركات جولة في السنوات السابقة، لكنها انطلقت فعلياً منذ بداية العام الحالي، وذلك من بوابة الاقتصاد؛ فالأردن استضاف اجتماعات عدّة من أجل إعادة إحياء "خطّ الغاز العربي"، بهدف تخفيف أزمة الطاقة والكهرباء في لبنان، لتتلوه خطوة افتتاح معبر "نصيب - جابر" الحدودي بين سوريا والأردن.
من جانبها، تظهر دمشق تفاؤلاً بالحراك العربي تجاهها، حيث تسعى دبلوماسياً إلى استعادة دورها كلاعبٍ إقليمي، وعن ذلك يقول وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد: "نأمل أن تنفتح الدول العربية بعضها على بعض، لا على سوريا فحسب".
يذكر أنه منذ اندلاع الحرب على سوريا عام 2011، علّقت جامعة الدول العربية عضوية دمشق، كما قطعت دول عربية عدّة علاقاتها معها، بينها الإمارات، ولكن أبو ظبي أعادت فتح سفارتها في العاصمة السورية عام 2018.
ومع انفتاح دول عربية عدة باتجاه سوريا، يعتبر البعض أن الخطوة التالية ستكون عودة سوريا لشغل مقعدها في جامعة الدول العربية، وربما قبل انعقاد قمّة الجامعة في الجزائر عام 2022، حيث صرح وزير الخارجية الجزائري أنه "آن الأوان لعودة سوريا إلى الجامعة" مرحباً بالخطوة الإماراتية.
هذا الموقف الجزائري ليس الوحيد على الصعيد العربي، فقد كان الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، كشف الشهر الماضي، أنّ 3 دول ترغب في عودة سوريا إلى الجامعة العربية، كذلك لفت وزير الخارجية العراقي، فؤاد حسين، إلى أنّ العراق يستمر في جهوده من أجل عودة سوريا إلى مقعدها في الجامعة العربية.
وفي وقتٍ سابق، كشف موقع "المونيتور" الأميركي عن إمكانية عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية، وذلك من خلال تنسيق مصري.
كما ذكرت صحيفة الغارديان البريطانية أنّ "دول الخليج العربية هي التي تسعى لإعادة سوريا إلى جامعة الدول العربية، بعد 8 سنوات من تجميد عضويتها".
فرص استثمارية في سوريا تدفع تطبيع العلاقات معها
شهدت العلاقة بين سوريا والإمارات قبل 10 سنوات نمواً كبيراً وعملت الدولة الخليجية على الاستثمار في سوريا، وكان لافتاً اهتمامها بمشاريع التطوير العقاري والبنية التحتية واستثمار الموانئ، فقد نقلت صحيفة البيان الإماراتية عن أنّ "موانئ دبي العالمية فاوضت إدارة ميناء اللاذقية الذي يعتبر من أهم الموانئ السورية من أجل استثماره".
وفي إطار العمل على تطوير الفرص الاستثمارية، استثمر وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية، سامر الخليل، الفرصة خلال مشاركته في "إكسبو دبي" لإجراء لقاءات ثنائية مع مسؤولين من دول عربية وأجنبية، وصفها بـ"المثمرة". وعن العلاقات مع الإمارات، قال الخليل في تصريحات لجريدة "الأخبار" اللبنانية، إنها "تسيرُ بشكلٍ جيد وتمّ الاتفاق مع وزير الاقتصاد الإماراتي على بعض المرتكزات، التي يمكن أن تساهم في تطوير العلاقات التجارية والاقتصادية بين البلدين، والاتفاق على استمرار التواصل بين الجانبين بغية استفادة دمشق من التجربة الإماراتية في مجال تنمية المشاريع الصغيرة والمتوسّطة، كما تمّ الاتفاق على ضرورة دعم القطاع الخاص لدى كلّ من البلدين، ليقوم بدوره في تنشيط الحركة التجارية والاستثمارية، في ضوء مرونة التعامل، وشبكة العلاقات الخارجية التي يمتلكها".
اللافت، أنّ وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية السورية أصدرت منذ أسابيع، قراراً يقضي بإنشاء مجلس الأعمال السوري الإماراتي، بهدف تفعيل دور القطاع الخاص في تطوير التعاون الاقتصادي بين البلدين، بكل مجالاته التجارية والصناعية والزراعية والسياحية.
ويهدف القرار، بحسب بيان وزارة الاقتصاد، إلى "تطوير التعاون في المجال الاستثماري وإعادة إعمار سوريا بالاستفادة بشكلٍ خاص من المزايا والمحفزات التي تضمّنها قانون الاستثمار الجديد الرقم 18 لعام 2021".
هذا الدور الاقتصادي والفرص الاستثمارية التي تزخر بها سوريا في مرحلة إعادة الإعمار، ربما يكون أحد الدوافع الكبيرة لدى الإمارات لخطوتها تجاه سوريا، بحسب مراقبين.