بحر الصين الجنوبي.. الأهمية الاستراتيجية ومستقبل الصراع

الأهمية الاستراتيجية والحيوية لبحر الصين الجنوبي، جعلت منه مصدراً أساسياً لتوتر العلاقات بين الصين، والدول المطلّة عليه، وكذلك بينها وبين الولايات المتحدة الأميركية.
  • أهمية بحر الصين الجنوبي الاستراتيجية جعلته مصدراً أساسياً لتوتر العلاقات بين الدول المطلة عليه

بحر الصين الجنوبي هو أكبر بحر فـي العالم بعد المحيطات الخمسة، حيث تبلغ مساحته نحو 3.5 مليون كلم مربع، وهو يقع على الطرف الغربي من المحيط الهادئ، ويشمل المنطقة الممتدة من سنغافورة إلى مضيق تايوانجر، فيما تعد الصين من أطول الدول بإطلالة بحرية عليه من جهة الشرق بمسافة يبلغ ساحلها 18000 كم مربع.

الأهمية الاستراتيجية والحيوية لبحر الصين الجنوبي

تكمن الأهمية الاستراتيجية لبحر الصين الجنوبي في كونه أقصر الطرق التي تصل بين المحيطين الهادئ والهندي، وهو يمتاز أيضاً بوجود أكثر خطوط الملاحة ازدحاماً بحركة السفن في العالم، إذ تمر عبره ما قيمته نحو 3 تريليونات من التجارة الدولية كل عام، وكذلك يحتوي على احتياطات ضخمة من النفط والغاز الطبيعي تقدر بين 23 إلى 30 مليار طن من النفط، و16 تريليون متر مكعب من الغاز الطبيعي. 

أهميته الاستراتيجية هذه، جعلت منه مصدراً أساسياً لتوتر العلاقات بين الصين، والدول الـ9 المطلّة عليه، مثل فيتنام والفيليبين وسنغافورة وجزيرة تايوان الّتي تعتبرها الصين أرضاً تابعة لها.

الوجود العسكري الصيني في بحر الصين الجنوبي

بكين، ولكي تحقق هدفها بتوسيع تواجدها على معظم البحر الجنوبي، شرعت منذ سنوات باستحداث منشآت عسكرية وبنى تحتية للصواريخ والرادارات وطائرات الهيلوكابتر في البحر، وخصوصاً في جزر سبراتلي وباراسيل التي تتنازع على سيادتها مع الفليبين، كما أنّها عززت من وجودها العسكري في القواعد ومن عدد مقاتلاتها في البحر.  

غير أنّها أيضاً، تنظّم بشكل دوري، إجراء مناوراتٍ وتدريباتٍ عسكرية لجيشها في عرض البحر نفسه من أجل الحفاظ على أمنها البحري. وفي مطلع العام الحالي، قام المجلس الوطني لنواب الشعب الصيني بإقرار قانونٍ جديدٍ يسمح لخفر السواحل بـ "إطلاق النار على القوارب الأجنبية"، وسط توقعات بزيادة الأزمة في المنطقة.

بكين اتخّذت هذا القرار، بعدما أثارت واشنطن حفيظتها بتسييرها وحلفائها دوريات منتظمة في المياه الدولية لهذه المنطقة من أجل التأكيد على حرية الملاحة فيها. وبطبيعة الحال، يأتي ذلك كترجمةٍ واقعية لسياسة الرئيس الأميركي جو بايدن الخارجية، فمنذ تولّيه منصبه، وضع مواجهة الصين على رأس أولوياته، وذلك لكبح صعودها كقوةٍ عالمية ثانية تهدّد مصالح أميركا ونفوذها في المنطقة. 

كيف حشدت أميركا عسكرياً ودولياً لمواجهة الصين؟ 

لم تقتصر التحرّكات الأميركية ضد الصين بالتواجد العسكري في بحر الصين الجنوبي، فواشنطن كانت تسعى ولا تزال أيضاً لإقامة علاقات وثيقة مع الدول المجاورة للصين والمطلة على بحرها الجنوبي، وخصوصاً تايوان، الجزيرة التي تَعِدُ واشنطن بالدفاع عنها إذا ما قررت الصين استرجاعها. الأمر الذي أكّده مؤخراً رئيس أركان الجيوش الأميركية، مارك ميلي، مشيراً إلى أن "بلاده تحافظ على سياسة استراتيجية الغموض بشأن موقفها من حماية الجزيرة، وأن قرار التدخل في حال سعت الصين للسيطرة عليها أو لا، سيكون رئاسياً".

هذا وفي إطار حشد واشنطن الحلفاء ضد الصين، قامت نائبة بايدن، كامالا هاريس، بزيارة فيتنام وسنغافورة، في آب/أغسطس الماضي، في مهمّة لإقناع القادة في البلدين بأنّ التزام واشنطن تجاه جنوب شرقي آسيا ثابت، ألا وهو الحفاظ على أمنها ضد "الإكراه والترهيب التي تمارسه بكين الصين الجنوبي"، وفق هاريس.

كما سعت إدارة بايدن إضافةً إلى التحشيد العسكري والدولي ضد الصين، إلى إقامة تحالفات مع تلك الدول، كان آخرها التحالف الأمني والاستراتيجي "أوكوس" في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، والذي يضمّ كلاً من أميركا وبريطانيا وأستراليا. ووسعت واشنطن بذلك نطاق تقنيّة الغوّاصات الأميركيّة العاملة بالدفع النووي لتشمل أستراليا، إضافة إلى تقنيات الأمن الإلكتروني والذكاء الاصطناعي والقدرات البحريّة تحت الماء. 

 وبحسب صحيفة "نيويورك تايمز"، فإنه "مع صعود الصين لتصبح قوة عسكرية عظمى، تنفق الهند وفيتنام وسنغافورة المزيد على الدفاع، كما تميل اليابان إلى أن تفعل الشيء نفسه"، مشيرةً إلى أنّ الصين، التي ردت بغضب على إعلان الصفقة، "قد تكثف تحديثها العسكري، ويمكن للمنفقين الكبار الآخرين مثل الهند وفيتنام تسريع خطط أسلحتهم الخاصة كذلك".

حجم القوة العسكرية البحرية الصينية

في مقابل ذلك، تواصل الصين دعم قواتها البحرية بصورة مستمرة عن طريق إنتاج قطع بحرية أكثر تطوراً بأعداد ضخمة، ما جعلها من أضخم القوى البحرية في العالم وفق موقع "global fire power"ـ، فهي تمتلك 777 قطعة بحرية، كما تضم قوتها البحرية حاملتي طائرات و50 مدمرة، و46 فرقاطة، و72 كورفيت، وأيضاً 79 غواصة حربية و123 سفينة دورية، إضافةً إلى 36 كاسحة ألغام بحرية.

وبحسب "مجلة ناشيونال إنترست" الأميركية، فإنّ زيادة قوة الأسطول الصيني تساهم في دعم أهداف السياسة الخارجية الصينية "خاصة في المناطق المتنازع عليها في بحر الصين الجنوبي وبحر الصين الشرقي والبحر الأصفر". ولفتت المجلة إلى أن قوة الصين البحرية لا تقتصر على الأسطول البحري التابع للجيش الصيني، وإنما تشمل أيضاً القوات البحرية التابعة لحرس السواحل، والقطع البحرية التابعة لما يطلق عليه "القوات المسلحة الشعبية".

كذلك سعت الصين، إلى تطوير علاقاتها مع روسيا، خصوصاً في المجال العسكري، حيث تعاون البلدان على إقامة تدريبات عسكرية مشتركة في شمال غرب الصين. تلك التدريبات، وبحسب المتحدث باسم وزارة الدفاع الصينية تان كه في، "رسمت المسار لنقطة عالية جديدة للعلاقات الثنائية، وفتحت آفاقاً للتدريبات العسكرية بين الدول الرئيسية".

كما أنّها وقّعت في آذار/مارس الماضي، على وثيقة خطّة التعاون الشامل بينها وبين إيران لمدة 25 سنة، وهي وثيقة تحتوي على بنود تشمل التعاون في جميع القطاعات الاقتصادية؛ الصناعية والزراعية والسياحية والتجارية، والأمنية والعسكرية والائتمانية، كما تتضمن تبادل الخبرات في تدريب القوى العاملة، والتعاون التكنولوجي، فضلاً عن التعاون العسكري لتعزيز القدرات الاستراتيجية، والتشاور في القضايا المطروحة في المحافل الدولية. 

هذا المشهد، ينذر بموازين قوى دولية جديدة في بحر الصين الجنوبي، وهو ما سيفتح المجال على احتمالات عديدة.. فهل تتحول الاصطفافات السياسية والأمنية وسط تصاعد حدة التوتر، إلى نزاع عسكري مباشر؟

المصدر: الميادين.نت