غراهام فولر في حوار شامل مع "الميادين نت": أميركا تفقد هيمنتها العالمية

يقول غراهام إي. فولر، الباحث السياسي الأميركي والأستاذ الجامعي السابق في حوار مع "الميادين نت" إن أميركا تتعلم ببطء أنها لا تستطيع أن تظل القوة المهيمنة رقم واحد في جميع أنحاء آسيا.
  • غراهام فولر: لا خيار أمام أميركا سوى قبول الدور الجديد المهم للصين في العالم.

غراهام إي. فولر باحث سياسي أميركي وأستاذ جامعي سابق للتاريخ في جامعة سيمون فريزر في فانكوفر - كندا. شغل منصب نائب رئيس المجلس الوطني للاستخبارات في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية. وقد عاش وعمل في العالم الإسلامي لنحو عقدين. وهو مؤلف للعديد من الكتب عن الشرق الأوسط،أبرزها: عالم بلا إسلام، وتركيا والربيع العربي: القيادة في الشرق الأوسط (2014)، الشيعة العرب: المسلمون المنسيون (1999) بالاشتراك مع رند رحيم فرانك. كما كتب رواية عن الوضع المعقد للولايات المتحدة في باكستان (2015).

أجرى موقع الميادين حواراً مع السيد غراهام فولر عبر تطبيق زووم حول عدد من القضايا الدولية والإقليمية، بدءاً من الوضع الجيو-استراتيجي في أفغانستان، مروراً بالملف النووي الإيراني والتهديدات الإسرائيلية لإيران، إلى الحرب الباردة الجديدة بين أميركا والصين. وفي ما يلي كامل الحوار:

*شكراً لانضمامك إلينا في هذا الحوار سيد فولر. لنبدأ من أفغانستان. كيف ترى الانسحاب الأميركي من هذا البلد؟

فولر: كانت الولايات المتحدة موجودة هناك لمدة 20 عاماً بأهداف غير مؤكدة. ومن الواضح جداً أنه في نهاية الحرب بعد عقدين، حيث قُتل الكثير من الأميركيين والكثير من الأفغان والكثير من الباكستانيين وجرى تشريد عشرات الآلاف من الأفغان، أن المهمة قد فشلت. لذا، آمل أن تكون الولايات المتحدة قد تعلمت الآن دروسها من هذه التجربة السلبية للغاية.

تراجع الهيمنة الأميركية

*هل تعتقد أن الانسحاب يعكس تراجعاً أميركياً أم بداية سقوط الإمبراطورية الأميركية؟

فولر: نعم ولا. أعني بالتأكيد نعم، أعتقد أن فكرة أن أميركا يمكن أن تكون القوة المهيمنة العالمية الآن مستحيلة بشكل واضح. يواجه الأميركيون صعوبة كبيرة في الاعتراف بهذا الانحدار العام، لكن بالطبع ستظل أميركا دوماً - على الأقل لفترة طويلة - أقوى قوة عسكرية واقتصادية في العالم، وحتى تكنولوجياً، لا تزال مبدعة تماماً. لكني أعتقد أن فكرة أن أميركا يمكن أن تتدخل في أي مكان، في أي وقت، بدأت تختفي ببطء، وهذه أخبار جيدة جداً.

*هل كانت مفاجأة حقاً للاستخبارات الأميركية ولإدارة بايدن أن حركة طالبان ستسيطر على أفغانستان بأكملها في غضون أيام قليلة؟

فولر: لا أعرف ما الذي كانت تقوله أجهزة الاستخبارات الأميركية في تقاريرها إلى الرئيس، لكن لدي بالتأكيد انطباع بأنه كان هناك فشل عام، على الأقل على المستوى السياسي، لفهم مدى سرعة حدوث هذا الانهيار. اعتقدت أنه سيأتي الانهيار أسرع بكثير من 6 أشهر. كنت أتوقع أن تكون ربما أسابيع، لكنني كنت مخطئاً وقد حدث ذلك بالفعل في غضون أيام. لذلك، أصبحت درجة العفن داخل الجيش الأفغاني واضحة للغاية. لم يكن لديها قوة ولا إرادة للمقاومة.

هل تغيّرت حركة طالبان؟

*هل تعتقد أن حركة طالبان تغيرت؟ وماذا عن علاقتها بتنظيم القاعدة؟

فولر: لا نعرف حتى الآن نوع الحكومة التي ستأتي بها "طالبان" إلى أفغانستان. هناك جدل حول هذه المسألة. أشعر أن القيادة الجديدة في طالبان هي جيل جديد. لديهم خبرة دولية كبيرة، وفقدوا قوتهم من قبل، وربما تعلموا بعض الدروس من ذلك، وكانت لديهم اتصالات مع روسيا والصين ودول في جميع أنحاء الشرق الأوسط، بما في ذلك الولايات المتحدة. لذلك، أعتقد أن لديهم الآن فهماً أكبر للجيوبوليتيك الدولية. وبهذا المعنى، أعتقد أنهم يفهمون أن دعمهم للإرهاب الجهادي خارج البلاد، سيكون خطأً خطيراً وأحمقاً للغاية بالنسبة لطالبان. من ناحية أخرى، لست متأكداً من أن قوات طالبان داخل البلاد إذا كانوا قد تعلموا الكثير. ربما لا يزالون محافظين للغاية في قضايا مثل المرأة، وحقوق المرأة، وتعليم الإناث، وجماعات مثل الشيعة في أفغانستان.

*لدينا الآن وضع جيوستراتيجي جديد في هذه المنطقة، ما هو الدور الباكستاني في أفغانستان؟

فولر: باكستان هي الدولة الأولى من حيث الأهمية في التأثير على الأحداث المستقبلية في أفغانستان. لطالما كانت باكستان في قلب هذه الأحداث، منذ كفاح المجاهدين ضد الاحتلال السوفياتي حيث كانت باكستان قوة سياسية رئيسية في إدارة الحرب الأفغانية. بالنسبة لباكستان، فإن الهدف الأول، ربما لسياستها الخارجية هو التأكد من أن أفغانستان ستظل دولة صديقة لباكستان ومتعاطفة معها. كما تعلم، فإن باكستان محاطة من جانب بالقوة الهائلة للهند. لذا فإن آخر شيء تريده باكستان هو أن تكون هناك قوة معادية أيضاً على جانبها الغربي.

أعتقد أن باكستان ستعمل بجد لإبقاء "طالبان" عقلانية ومحاولة الحفاظ على علاقات جيدة معهم وأيضاً للعمل عن كثب مع الصين، الدولة الثانية من حيث الأهمية في تلك المنطقة الآن هي الصين اقتصادياً وحتى سياسياً. أنا أعتبر ذلك إيجابياً للغاية. بصراحة، يجب أن أقول إنه بالرغم من وجهة النظر الأميركية، فإن الدول الكبرى التي نتحدث عنها في تلك المنطقة الآن هي إيران والصين وروسيا، كل هذه الدول من وجهة النظر الأميركية هي دول سلبية معادية وخصوم. لكني أعتقد أن كل هذه الدول تشترك في نفس الاهتمام مع الولايات المتحدة في أفغانستان. إنها لا تريد إرهاباً، تريد حكومة معتدلة إلى حد معقول، وتريد الاستقرار، وتريد منع تصدير الإرهاب إلى دول خارجية. لذا، أعتقد، من الناحية النظرية، أن مجال التعاون بين الولايات المتحدة وكل تلك البلدان الأربعة يمثل فرصة إذا قبلت واشنطن تلك الدرجة من التعاون.

خلق فوضى في أفغانستان؟

* ألا تعتقد أن أميركا أرادت بخروجها من أفغانستان إحداث فوضى أو عدم استقرار للصين وروسيا وإيران؟

فولر: أعتقد أنه من الممكن أن تقرر الولايات المتحدة القيام بذلك. لكن سيكون قراراً غبياً وخطيراً إذا قررت الولايات المتحدة الحفاظ على عدم الاستقرار في أفغانستان لجعل الحياة صعبة على إيران أو الصين أو روسيا أو حتى باكستان. أتوقع أن الولايات المتحدة لن ترتكب هذا الخطأ الغبي، لكن لا توجد ضمانات بالنظر إلى التفكير السياسي في الولايات المتحدة بشكل عام، وعدم استعدادها لقبول تلاشي الهيمنة الأميركية في المنطقة.

باكستان بين الصين وأميركا

*كيف تقيّم العلاقات الأميركية الباكستانية اليوم؟

فولر: أعتقد أنه ستكون هناك دائماً درجة من التوتر، كما كان ذلك دائماً. من الطبيعي أن تبحث باكستان عن مصالحها الخاصة. عندما غزت الولايات المتحدة أفغانستان، طالبت وتوقعت أن تخدم باكستان المصالح الأميركية بشكل حصري وكامل في أفغانستان. لكن باكستان لم تكن على استعداد للقيام بذلك. إن الباكستانيين كانوا يعلمون أن أميركا ستقرر يوماً ما، عاجلاً أم آجلاً، مغادرة أفغانستان. ربما لم يتوقع أحد أن يستمر هذا 20 عاماً، لكن لا تزال باكستان تهتم بمصالحها الخاصة، وهذا يعني أنه يجب أن تكون لها علاقات جيدة مع طالبان، ولديها مشكلة معقدة للغاية مثل البشتون، والعلاقات مع البشتون، والبعض منهم يريدون الانضمام إلى إخوانهم في أفغانستان من أجل باشتونستان الكبرى. هذا ما تخشاه الحكومة الباكستانية بشكل كبير.

*هل تعتقد أن باكستان الآن أقرب إلى الصين من الولايات المتحدة، أم أنها توازن العلاقات بين القوتين العظميين؟

فولر: أعتقد أنها ترغب في تحقيق التوازن بين الدولتين. لكن إذا تعلق الأمر بأزمة، أعتقد أنها ستتطلع إلى الصين، التي كانت شريكاً أكثر موثوقية على مر السنين. كما لا تتمتع الصين بعلاقات جيدة مع الهند، بينما تريد الولايات المتحدة إقامة علاقات جيدة جداً مع الهند. أعتقد أن باكستان تشعر بأمان أكبر في علاقاتها مع الصين، وبالطبع الصين مهتمة باستثمار الأموال في "مبادرة الحزام والطريق" لعلاقات اقتصادية جديدة في آسيا الوسطى.

الاتفاق النووي الإيراني

*ما الذي يعيق عودة الولايات المتحدة وإيران إلى الاتفاق النووي لعام 2015؟

فولر: أعتقد أن قدراً كبيراً من مشكلات السياسة الخارجية الأميركية له علاقة بالمشكلات الداخلية. قال أحد المحللين السياسيين ذات يوم إن السياسة الخارجية كلها داخلية. لا أعرف مدى صحة ذلك دائماً، لكن بالتأكيد تلعب السياسة الداخلية دوراً كبيراً في هذا الموضوع، وخاصة دور اللوبي الإسرائيلي والضغوط الإسرائيلية على الولايات المتحدة. أعتقد أن النفوذ الإسرائيلي في الولايات المتحدة يضعف ببطء ولكن ليس بقدر كبير. إنه يضعف في الرأي العام الأميركي بالتأكيد، لكن الكونغرس مرعوب من اللوبي الإسرائيلي، ولن يقف أحد في الكونغرس، لا أحد تقريباً، ضد الرغبات الإسرائيلية.

لذلك، من الصعب جداً على إدارة بايدن، على ما أعتقد، الضغط من أجل العودة إلى الاتفاقية القديمة مع إيران. هذا ليس مستحيلاً، فقد يحدث، وأعتقد أن واشنطن تعلم أنه من المهم القيام بذلك من أجل الاستقرار الإقليمي، لكنني لست واثقاً من أن السياسة الداخلية والضغط الإسرائيلي سوف يسمحان بذلك.. لا أتحدث فقط عن الضغط السياسي في الولايات المتحدة، أنا أتحدث كذلك عن ضغط "إسرائيل" "كدولة" ضد واشنطن، وأعتقد أنه لا يزال قوياً للغاية.

*ما مدى دقة التقارير الإسرائيلية الأخيرة عن اقتراب إيران من الحصول على قنبلة نووية؟

فولر: هذه مسألة فنية حول ما يعنيه أن إيران قريبة أو ليست قريبة من سلاح نووي، لكن يجب أن أقول إن "إسرائيل" والمحافظين الجدد الأميركيين كانوا يقولون ذلك منذ 20 عاماً، أن إيران قريبة من سلاح نووي، وأنها مسألة أشهر. بشكل عام، كان التحليل أن إيران على بعد سنة أو سنتين من القنبلة. لا أصدق تقريباً أياً من هذه التحليلات بعد الآن. إنها مدفوعة جداً سياسياً، وأعتقد أنها دعاية بشكل أساسي للضغط على واشنطن. أنا متأكد من أن إيران قد أحرزت بعض التقدم نحو القنبلة في السنوات القليلة الماضية.. لكن يمكنني أن أرى في الولايات المتحدة بعض الإدراك البطيء أنه لا يوجد شيء يمكن للولايات المتحدة أن تفعله لوقف هذه العملية، وأن إيران ستصبح في النهاية قوة نووية.

احتمالات الخيار العسكري ضد إيران

*هل تعتقد أن الخيار العسكري ضد إيران لا يزال مطروحاً على الطاولة بالنسبة لكل من أميركا و"إسرائيل"؟

فولر: أعتقد أن فرص قيام "إسرائيل" بذلك عالية إلى حد ما. أعتقد أن فرص قيام الولايات المتحدة بذلك أقل بكثير، وأنا بالتأكيد لا أعتقد أن واشنطن أو "إسرائيل" ستستخدم الأسلحة النووية ضد إيران، لكنني أعتقد أن هناك فرصة جيدة لأن تحاول "إسرائيل" قصف المنشآت النووية الإيرانية.

*قد يؤدي ذلك إلى حرب إقليمية في المنطقة. هل ستسمح أميركا لـ"إسرائيل" بمهاجمة إيران بالنظر إلى عواقب ذلك؟

فولر: بصراحة، لا أعتقد أن الولايات المتحدة قادرة على منع "إسرائيل" من فعل ذلك، إلا من خلال استخدام القوة السياسية الهائلة، ولا أعتقد أنها ستفعل ذلك. أنا متأكد من أن "إسرائيل" تدرك أن الولايات المتحدة في الأساس لا تريد أن ترى ضربة إسرائيلية ضد إيران أو المنشآت النووية الإيرانية. لكن، أعتقد أن ذلك قد يحدث، وأعتقد أن "إسرائيل" قد تتصرف بشكل مستقل، وقد قالوا الكثير بهذا الصدد.

لست متأكداً من أن هذا سيؤدي إلى حرب عامة في الشرق الأوسط ككل. أعتقد أن دول الخليج على سبيل المثال ستكون متوترة للغاية بشأن أي حرب في المنطقة. إن الخليجيين يعرفون أنهم سيعانون أكثر من أي بلد آخر. المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة على وجه الخصوص، كلا البلدين سيكون مستهدفاً من قبل إيران، وستكون ببساطة فوضى كبيرة. لا أعتقد أن العراق سيرغب في الانخراط في قتال حقيقي. بصراحة، لست متأكداً من أنها ستؤدي إلى حرب عامة في الشرق الأوسط، ولكن بالتأكيد ستؤدي إلى تصاعد كبير في التوترات الإقليمية، وحدوث توترات إقليمية خطيرة للغاية.

*ألا ترى أن "إسرائيل" تريد توريط أميركا في أي هجوم على إيران؟

فولر: أنا أميل إلى الاعتقاد بأن واشنطن لن ترغب في أن تكون جزءاً من ضربة إسرائيلية ضد إيران ما لم تكن هناك استفزازات ضخمة من إيران نفسها ضد الولايات المتحدة أو المصالح الأميركية. أعتقد أن المفكرين الاستراتيجيين الأميركيين، برغم ارتكابهم العديد من الأخطاء، يجب عليهم بالتأكيد أن يفهموا أن هذا سيؤدي إلى وضع بالغ الخطورة فيما يتعلق بلبنان. سوريا في حالة فوضى بالفعل ولكن في لبنان.. إنني بشكل عام متشائم للغاية بشأن الكثير من الأحداث، لكنني حقاً لست متأكداً من أن الولايات المتحدة ستدعم أو تشارك في دعم نشط لضربة إسرائيلية ضد إيران. أعتقد أنها تريد فعلاً تجنب المشاركة. قد تفضّل الصمت حيال ذلك ولكن المشاركة العسكرية؟ أنا أشك في ذلك.

الحرب الباردة بين الصين وأميركا

*هل تعتقد أننا في حرب باردة جديدة بين أميركا والصين؟ وهل يمكن لكلتيهما تحمّل مثل هذه المواجهة؟

فولر: نعم، أخشى أن يكون هناك نوع من الحرب الباردة الجديدة، وأعتقد أن هذا يرجع أساساً إلى عدم رغبة الولايات المتحدة وعدم قدرتها على تصديق أن الصين يمكن أن تصبح القوة الثانية أو حتى القوة الأولى في العالم، وأن الولايات المتحدة ستفقد احتكارها للهيمنة العالمية في هذا الصدد. أعتقد أن كلا البلدين سيكونان حذرين للغاية بشأن هذا الأمر، لأنهما يعلمان التكلفة الباهظة التي قد تجلبها أي حرب من هذا القبيل.

تتعلم أمريكا ببطء أنها لا تستطيع أن تظل القوة المهيمنة رقم واحد في جميع أنحاء آسيا. هذه ببساطة مهارة تختفي. لا تستطيع الولايات المتحدة ببساطة الحفاظ على هذا الموقف لفترة أطول.

*بالنسبة لسقوط الإمبراطورية الأميركية .. بعض المراقبين يرون أن ذلك لن يحدث من دون مواجهة عسكرية؟

فولر: لا، أنا لست بهذه السلبية. تتوخى الصين بشكل عام الحذر إلى حد ما. إن الولايات المتحدة هي التي تعلن أن الصين هي "العدو" وأن الصين هي المنافس الأول، والتهديد الأول في المنطقة. هذه كلمات لا تستخدمها الصين. لكن مع ذلك، فإن الصين تبني قوتها ببطء وبهدوء، وستواصل القيام بذلك. أعتقد أن الولايات المتحدة ستفقد هيمنتها في النهاية، وخاصة في شرق آسيا والمحيط الهادئ. أنا متفائل بما يكفي للاعتقاد بأنها لن تسفر عن حرب نووية، لكن الخطر قائم والأخطاء ممكنة.

الصين اللاعب الأول عالمياً

*هل ستقبل الولايات المتحدة سلمياً بأن تصبح الصين اللاعب الأول أو الثاني في العالم من دون مواجهة؟

فولر: أنا لا أعتقد أن الولايات المتحدة لديها خيار في هذا الصدد. إن الأداة العسكرية ليست وسيلة لمنع حدوث ذلك. يحدث هذا في مجال السياسة والدبلوماسية والاقتصاد والقوة الناعمة. وبهذه الطريقة، تفوز الصين في معظم تلك الجبهات. ولسوء الحظ، اعتمدت الولايات المتحدة على الأدوات العسكرية للحفاظ على هيمنتها في العالم في العشرين إلى الثلاثين عاماً الماضية. لكن من الواضح الآن أن الأداة العسكرية ليست كافية لمواجهة التحدي الصيني، وأعتقد أن واشنطن تتعلم ذلك ببطء. لكن لن يكون أمامها خيار سوى قبول الدور الجديد المهم للغاية للصين في العالم.

التضامن العالمي مع الفلسطينيين

*ما رأيك بمستقبل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني؟

فولر: كان هناك حديث منذ 50 عاماً عن حل الدولتين. أعتقد أن هذا هراء. لا يوجد حل الدولتين. لقد دمرت "إسرائيل" حل الدولتين منذ سنوات عديدة بهجماتها على الأرض. لا يريد الكثير من الناس في "إسرائيل" الاعتراف بذلك، أو حتى قبول هذه الحقيقة، لكنها حقيقة واقعة. حل الدولة الواحدة هو المستقبل الوحيد لـ"إسرائيل" وفلسطين. ربما يكون هناك العديد من المتشددين الإسرائيليين الذين يريدون طرد جميع الفلسطينيين، إذا أمكن، من "إسرائيل" (أراضي فلسطين المحتلة عام 1948)، لكن القيام بذلك أصبح أكثر صعوبة.

تخسر "إسرائيل" دعم الرأي العام العالمي، حتى في الولايات المتحدة. يمكننا أن نرى الآن في الحزب الديمقراطي في الولايات المتحدة أنه يوجد الآن على الأقل تعاطف كبير مع فلسطين أكثر من التعاطف مع "إسرائيل". ثانياً، جيل الشباب في الولايات المتحدة مؤيد للفلسطينيين أكثر من تأييده لـ"إسرائيل". معظم المؤسسات الدولية معادية للغاية للسياسات الإسرائيلية في الضفة الغربية. من نواحٍ عديدة، تقول "إسرائيل" إنها لا تهتم بالرأي العام العالمي، لكنني أعتقد أنه بمرور الوقت، أصبح للرأي العالمي تأثير أكبر وإن ببطء. نسمع أكثر فأكثر أن الجانب الفلسطيني يحظى باهتمام أكبر في أوروبا وأماكن أخرى في العالم. أعتقد أنه سيكون هناك تطور طويل الأمد ومؤلم للغاية لحل الدولة الواحدة، وسيكافح الفلسطينيون جزءًا من أجل الحقوق الكاملة كمواطنين. سيقبل بعض الإسرائيليين ذلك، لكن كثيرين لن يقبلوا.

التقدميون في الحزب الديمقراطي

*بالنسبة للتقدميين في الحزب الديمقراطي، ما مدى قوة هذا الاتجاه في الحزب الديمقراطي والرأي العام الأميركي؟

فولر: من الصعب الجزم بذلك، لكن كما ذكرت فإن الحزب الديمقراطي منقسم بشدة الآن حول "إسرائيل"، وجيل الشباب بشكل عام أكثر تأييداً للفلسطينيين. وثمة حقيقة مهمة أخرى هي أن اليهود الأميركيين أنفسهم، وربما غالبية اليهود الأميركيين، غير مرتاحين للغاية للسياسة الإسرائيلية والسياسات الإسرائيلية. الآن قوة "إسرائيل" في الولايات المتحدة ليست من خلال اليهود الأميركيين بقدر ما هي من خلال اللوبي الصهيوني القوي. لكن حتى هناك، هناك لوبي يهودي آخر في أميركا، يُدعى "جي ستريت"، يريد مقاربة أكثر توازناً بكثير لـ"إسرائيل" وفلسطين من القوة الصهيونية المهيمنة "إيباك" AIPAC.

"إيباك" تفقد نفوذها ببطء، ولكن للأسف، تبقى القوة الأخيرة لـ"إسرائيل" في الولايات المتحدة في الكونغرس. أعضاء الكونغرس الذين لا يفهمون القضية الفلسطينية، أو إلى حد كبير لا يهتمون بفهمها، لا يحتاجون إلى فهم القضية، لكنهم ببساطة يخشون تقليدياً من قوة اللوبي الإسرائيلي لإعطاء المال لمعارضتهم السياسية. أعتقد، أن هذا يتغير ببطء أيضاً، سيستغرق بعض الوقت، لكن في رأيي الاتجاهات إيجابية فيما يتعلق بهذا الاتجاه.

الحصار الأميركي على لبنان

*هل تعتقد أن الولايات المتحدة ستغيّر سياستها تجاه لبنان خاصة من ناحية الحصار الاقتصادي؟

فولر: أعتقد أن سياسة الولايات المتحدة تجاه لبنان مدفوعة في المقام الأول بالسياسة الأميركية تجاه إيران، وبالطبع يشمل ذلك حزب الله. كما أنها تتأثر بالنفوذ والضغوط الإسرائيلية على واشنطن، ليس فقط بسبب حزب الله، ولكن "إسرائيل" تريد لبنان ضعيفاً جداً ومتعباً في المنطقة. كما لهذه السياسة الأميركية علاقة بالحرب في سوريا، وهي الكارثة الأميركية الثالثة في المنطقة. أميركا خسرت الحرب ضد بشار الأسد. لقد أرادت التخلص من عائلة الأسد لعقود لأن عائلة الأسد دافعت عن القومية العربية والنضال ضد "إسرائيل". كانت سياسة أميركا تجاه سوريا أيضاً محركاً رئيسياً لوجهات نظرها تجاه لبنان. مع انسحاب الولايات المتحدة من العراق، وتقليل مشاركتها في سوريا، سيقل ضغطها على لبنان.

وكذلك هذه السياسة متعلقة بالسعودية والحرب على اليمن. كانت تلك كارثة أخرى للسعوديين. ومع دعم الولايات المتحدة الطفيف للسعودية هناك، أعتقد أن هناك أسباباً أقل الآن، وأسباباً أقل تدريجياً وببطء، كي تخطط الولايات المتحدة سياسة متشددة تجاه لبنان.

المصدر: الميادين نت