بين إيران وآذربيجان.. رسائل النار تتخطّى "المزاعم"
تتابع "إسرائيل" عن كثب وباهتمام التطورات بين آذربيجان وإيران. وفق ما ينقل إعلامها، فإن للتوتر بين إيران وآذربيجان تأثيراً مباشراً عليها. مصدر إسرائيلي وُصف بـ"الكبير" صرّح لصحيفة "إيلاف" السعودية بأن "وفداً أمنياً إسرائيلياً توجّه إلى آذربيجان لتقديم الاستشارة والدعم للحكومة الآذرية"، على خلفية المستجدات.
مع ذلك، ينفي الرئيس الآذربيجاني إلهام علييف ما وصفه بالمزاعم المرتبطة بالحضور الإسرائيلي في بلاده. مزاعم لا تأتي للمفارقة من الجانب الإيراني وحده، سواء بطريقة مباشرة أم غير مباشرة، بل تم تأكيدها في مختلف وسائل الإعلام ومراكز الأبحاث الإسرائيلية، طيلة السنوات الماضية.
بالعودة عقوداً إلى الوراء، لم يحتج تدشين العلاقات التي جمعت بين باكو و"إسرائيل" إلى توطئة وتمهيد. كانت باكو من بين الدول الإسلامية القليلة التي أشهرت علاقتها باكراً مع الاحتلال. لم تبق تلك العلاقات في إطار "المزاعم" حتى تنضج ظروف إخراجها إلى العلن، كما حدث على سبيل المثال مع بعض الدول العربية التي احتاجت إلى وقت طويل قبل إشهار علاقاتها بتل أبيب، بعدما ظلت سرية لعقود، ويمكن القول، في إطار "المزاعم". لكنّ سؤالاً هنا يزاحم التطورات ويطرح نفسه، في موازاة "المزاعم" الإيرانية والنفي الآذربيجاني لها: ما الذي يمنع علييف حقاً من السماح للإسرائيليين بالوجود سراً على أراضي بلاده؟
يرفض علييف الاتهامات الإيرانية، ويطالب بإبراز الأدلة. كلام لا يجافي قواعد القانون الدولي ولا حتى قواعد المنطق العام. وتبقى مسألة التجاوب معه في إطار ما تقدّره السلطات الإيرانية وما ترسمه علاقات الدولتين من توازنات.
لكن عموماً، وبالاستناد إلى تجارب "المزاعم" في منطقتنا، وما يتعلق بـ"إسرائيل" تحديداً، وما ثبت من هذه المزاعم بعد سنوات على وصفها بالأضاليل و"نظريات المؤامرة"، وإذا تم الأخذ بهذا المنطق في مجال العلاقات بين الدول، فإن كل ما يعتمل تحت عنوان السياسات الدولية يبقى محكوماً في إطار "المزاعم" ما لم تؤكده التصريحات الرسمية أو تكشفه "ويكيليكس"، من دون الأخذ في الاعتبار أن ما يحدث في الخفاء يفوق بأهميته وخطورته أحياناً، وربما غالباً، ما يحدث في العلن. دول الخليج المُطبّعة حديثاً واظبت لفترة طويلة على اعتبار التقارير التي تتحدث عن علاقات سرية تربطها بـ إسرائيل" مجرّد مزاعم، إلى أن حان موعد التوقيع على "اتفاقات أبراهام".
غير أن "المزاعم" في حالة آذربيجان تبدو أكثر قابلية للتوكيد والاستدلال عليها مقارنة مع حالة الدول الخليجية المُطبّعة. فالعلاقات بين باكو وتل أبيب تعود في أقل تقدير إلى عام 1993، حينما افتتحت "إسرائيل" سفارتها في العاصمة الآذرية. الجوانب المُعلنة من تلك العلاقات تشمل قطاعات اقتصادية وتجارية وعسكرية وثقافية لا يخفيها الطرفان. أما الجوانب غير المُعلنة، فقد تكفّل الرئيس الآذربيجاني نفسه بالإشارة إليها، عندما أعلن عام 2009، خلال استقباله رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك شيمون بيريز، أن ما يجري بين الجانبَين الآذري والإسرائيلي عبارة عن "جبل جليد عُشره على الأرض وبقيّته تحت الأرض". وفي عام 2012، أعلن وزير الخارجية الإسرائيلي السابق أفيغدور ليبرلمان أن "آذربيجان أهمّ بالنسبة إلى إسرائيل من فرنسا".
غير أن اللافت ما نُقل حديثاً عن عضو الكونغرس الأميركي السابق إليوت إنغل، عندما قال إن "إسرائيل تنوي استخدام القواعد العسكرية في آذربيجان لضرب المنشآت النووية الإيرانية إذا لزم الأمر، وآذربيجان وافقت على ذلك".
وإذا أمكن التشكيك أيضاً في هذه التصريحات، إلا أن ما لا يمكن نفيه هو التقارير الإسرائيلية التي تناولت خطة إسرائيلية بديلة من المواجهة المباشرة المتعذّرة مع إيران. الخطة المُسمّاة "الألف خنجر" ترتكز على تطويق إيران واستنزافها في أكثر من موضع وعبر حدودها المترامية، من الخليج إلى كردستان العراق إلى أفغانستان وصولاً إلى آذربيجان. كانت لافتة في هذا الإطار المظاهر العسكرية التي طغت على زيارة وزير الخارجية الإسرائيلي للبحرين، وافتتاحه السفارة الإسرائيلية هناك، حيث قام بزيارة الأسطول الأميركي الخامس، في خطوة لا تخلو من الدلالات. ومن هذا المنطلق أيضاً يمكن قراءة تحذير وزير الاستخبارات الإيراني، إسماعیل خطيب، القواعد الأميركية والإسرائيلية في إقليم كردستان العراق من محاولة الإخلال بالأمن الإيراني.
في جميع الأحوال، يستبعد مراقبون أن يؤدّي التوتر المتصاعد في منطقة جنوب القوقاز وعند الحدود الإيرانية مع آذربيجان إلى حرب قريبة، خصوصاً أن إيران نجحت من خلال الخطوات العسكرية والدبلوماسية التي قامت بها في إيصال رسالة إلى الجانب الآذري، بأن وجهتها الآذرية باتت تحتل الأولوية، في ظل التقارير التي أفادت بأن المناورات التي نظّمتها طهران عند حدودها مع جارتها هي الأضخم منذ 30 عاماً.