هل وضعت أستراليا نفسها في مواجهة الصين؟

تتصاعد حدّة التوتر بين أستراليا والصين، بعد توقيع كانبيرا صفقة مع الولايات المتحدة، تحصل بموجبها على غواصاتٍ تعمل بالدفع النووي، ستكون من خلالها قادرة على بناء غواصات أسرع، حيثُ يصعب اكتشافها من خلال الأساطيل البحرية التي تعمل بالطاقة التقليدية.
  • أثارت صفقة الغواصات استياء فرنسا وردة فعل عنيفة من قِبَل الصين

تصاعدت حِدّة التوتر بين أستراليا والصين، بعد توقيع كانبيرا اتفاقية مع واشنطن ولندن، تحوي ضمن بنودها حصول أستراليا على غواصاتٍ تعمل بالدفع النووي، بالإضافة إلى استحواذها على صواريخ "كروز - توماهوك" الأميركية بعيدة المدى، والاستفادة في مجال الذكاء السيبيراني والذكاء الصناعي.

الاتفاقية التي عرفت باسم "أوكوس" وصفقة الأسلحة المرتبطة بها أتت بعد إلغاء استراليا صفقة سابقة مع فرنسا، كانت ستحصل بموجبها على  غواصات فرنسية تقليدية تعمل بالديزل والكهرباء، قيمتها 60 مليار دولار.

يقول محللون غربيون إن الاتفاقية تهدف بشكل أساسي إلى تحقيق استراتيجية الرئيس الأميركي الجديدة بـ "مواجهة الصين"، ولكن ما دور أستراليا في الأزمة بين بكين وواشنطن، وما طبيعة علاقاتها التجارية والسياسية مع الصين؟ وهل ستكون رأس حربة المواجهة الأميركية مع بكين؟

ليست أستراليا بعيدة عن بحر الصين الجنوبي، محل النزاع، فهي تطل على المحيط الهادئ، ولا يفصلها عن آسيا سوى بحر آرافورا، الذي يُعدّ جزءاً من المحيط الهادئ، ويُعدُّ بحر الصين الجنوبي أيضاً جزءاً منه، حيثُ تدور رحى الصراع فيه بين الولايات المتحدة والصين.

اتفاقية "أوكوس".. 

بموجب الاتفاقية الجديدة ستكون أستراليا قادرة على بناء غواصات أسرع، تعمل بالطاقة النووية، حيثُ يصعب اكتشافها من خلال الأساطيل البحرية التي تعمل بالطاقة التقليدية، وبإمكانها أن تظلّ في المياه لأشهر، فضلاً عن قدرتها على إطلاق صواريخ لمسافات أطول، على الرغم من أنّ أستراليا تقول إنها لا تعتزم تجهيزها بأسلحة نووية.

ويقول خبراء إنّ هذا التحالف "أوكوس" ربما يمثّل أهمّ ترتيب أمني بين الدول الثلاث منذ الحرب العالمية الثانية، وهذا يعني أن أستراليا ستصبح سابع دولة تملك غواصات تعمل بالطاقة النووية. ولكن التحالف الناشئ قد يعقد علاقات أستراليا مع جارتها القريبة؛ الصين، حيث قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية تشاو ليجيان، إن تحالف "أوكوس" الذي شاركت به أستراليا يلحق ضرراً خطيراً بالسلام والاستقرار الإقليميين، ويزيد من حدة سباق التسلح، ويقوّض معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية. 

كما استتبعت الاتفاقية ردوداً قوية وتهديداً غير رسمي من بكين، بأن على أستراليا التي كانت قد دخلت في حرب تجارية معها أن تستعد للأسوأ، ووصفت أستراليا بأنها "كلب واشنطن الذي يجري لأجلها"، بحسب ما نقلت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية نقلاً عن وسائل إعلام صينية.

وذهب موقع "غلوبال تايمز" الإخباري الصيني، الناطق باسم الحكومة الصينية، خطوة أخرى إلى الأمام، قائلاً إن هذه الاتفاقية "قد تؤدي إلى توجيه ضربة نووية إلى أستراليا، وأن الغواصات النووية الأسترالية تخدم المطالب الاستراتيجية للولايات المتحدة في المحيط الهادئ والصراع معها في بحر الصين". وأضاف، أن "بكين وموسكو لن تتعاملا مع كانبيرا على أنها قوة بريئة غير نووية، بل حليف للولايات المتحدة يمكن تسليحها بأسلحة نووية في أي وقت".

تحولٌ في العلاقات الصينية الأسترالية

تُعَدُّ الصين تاريخياً أكبر شريك تجاري لأستراليا، وكانت العلاقة بينهما جيدة، بيد أنها شهدت في السنوات الأخيرة تصدُّعاً بسبب انتقاد استراليا معاملة الصين لأقلية "الإيغور"، وحظرت بعض التكنولوجيا من شركة "هواوي" بناءً على طلب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، كما دعمت تحقيقات تهدف إلى معرفة أسباب جائحة كورونا.

إلا أن الصين ردت على الإجراءات الأسترالية وأقرت بدورها عقوبات تجارية شديدة على أستراليا، حيثُ فرضت ضرائب 200% على النبيذ الأسترالي، وبذلك منعته من الدخول إلى أراضيها، كما منعت دخول الفحم من أستراليا. 

أستراليا.. رأس حربة الهجوم الأميركي على الصين

بالعودة إلى السياسة  الأميركية تجاه الصين، فقد كثفت الولايات المتحدة وجودها العسكري في بحر الصين الجنوبي والذي يُعد جزءاً من المحيط الهادئ، لتضييق الخناق على بكين، كما عمدت إلى توقيع اتفاقيات عسكرية مع الدول التي تتنازع الصين معها ملكية بعض الجزر كالفلبين وفيتنام وبروناي وماليزيا.

تالياً، عززت واشنطن من إستراتيجيتها في منطقة بحر الصين، وانفتحت على استراليا  بغرض خلق نوع من التوازن لغلق المنافذ البحرية أمام بكين. فقد قامت بمزيد من الإجراءات العسكرية، حيث زاد جنرالات البنتاغون من معدل التعاون العسكري مع أستراليا وقاموا باختيار موانئ مدن بريسبان وبيرث وداروين، كقواعد بحرية لإيواء حاملات الطائرات الأمريكية المجهزة بالسلاح النووي، وزادت قواتها هناك إلى 2500 جندي.

بعد توقيع هذه الصفقة اعتبرت بكين أن هذا التحالف"الأسترالي البريطاني الأميركي" هو تحدٍّ مباشر لها، ولذلك لم يتأخر ردها، إذ وصف متحدث باسم الخارجية الصينية الاتفاق بـ "عقلية الحرب الباردة التي عفى عليها الزمن" .

وقد صرح وزير الدفاع البريطاني أنّ "الصين تشرع في واحدة من أكبر عمليات الإنفاق العسكري في التاريخ، ويريد شركاؤنا في تلك المناطق أن يكونوا قادرين على الصمود في أرضهم".

الصراع في بحر الصين الجنوبي

وتسعى الولايات المتحدة  منذ زمن بعيد لتحجيم الصين واحتوائها، كقوة صاعدة تهدد مكانتها، وقد بدأت نُذُر  هذا الصراع تلوحُ في بحر الصين، حيثُ يُعتبر هذا البحر ثاني أكبر ممرات العالم البحرية ازدحاماً بسفن التجارة الدولية ، وتُقدَّر قيمة البضائع التي تُقلُّها تلك السفن بأكثر من 5 تريليونات دولار سنويًّا، وترى الصين أنها تملك 90% من مساحته، وهذا ما سبب لها نزاعاً مع الفلبين وفيتنام وماليزيا وبروناي، استغلته واشنطن، وبدأت بنسج تحالفات عسكرية مع هذه الدول، والتأثير في واحدة من القضايا الجوهرية التي تمس الأمن القومي الصيني، وسعت لبناء حلف قوي يطوِّق الصين ويُحكم الخناق عليها، ويحد من هامش مناوراتها، ويحقق هدفها باحتواء الصين والتأثير على نموها المتصاعد.

يقول الكاتب السياسي الأميركي غراهام أليسون في كتابه"حتمية الحرب بين القوة الصاعدة والقوة المهيمنة" إنه "منذ نهاية 2014 وبعد أن تجاوز الاقتصاد الصيني نظيره الأميركي، وتفوق الصين على الولايات المتحدة بالتقدم التكنولوجي، والنمو الاقتصادي السنوي، والذي ينمو 10% سنوياً، وهذا ما يجعله يتضاعف مرة كل سبع سنوات، ما أرعب الولايات المتحدة، ودفعها لتغيير استراتيجيتها وذلك لخلق تحالفات تغلق المنافذ البحرية بوجه الصين"، وتُقيِّد حركة الملاحة في البحار المؤدية إليها، عبر القرصنة أو غيرها من الوسائل لتبطئ الاقتصاد الصيني، وكانت صفقة الغواصات مع أستراليا إحدى هذه السياسيات، في منطقة تطل على بحر الصين الجنوبي.

هذا وتقود الولايات المتحدة تحالفاً فضفاضاً مع حلفائها الإقليميين، في محاولة لتعزيز الالتزام ووقف مساعي بكين لوقف تمددها، حيث ترتبط الولايات المتحدة باتفاقية دفاع مشترك مع الفلبين، والتي تعد طرفًا أصيلاً في النزاع مع الصين وحليفًا قويًّا للولايات المتحدة. 

كذلك اتفقت الولايات المتحدة مع فيتنام أيضاً على استخدام 5 قواعد عسكرية لحماية الاستقرار في بحر الصين الجنوبي، لتنضم إلى القواعد العسكرية في كل من كوريا واليابان وسنغافورة وتايلاند.

كما نقلت الولايات المتحدة 60% من قدراتها العسكرية البحرية إلى آسيا والباسيفك، بما في ذلك السفن العابرة للمحيطات.

وتمضي واشنطن قُدماً في عمليات التجسس بذريعة حرية الملاحة في الجزر والمناطق محل النزاع، حيثُ قامت مدمرتان أميركيتان بعبور مضيق تايوان في بحر الصين الجنوبي، والعبور بالقرب من مجموعة من الجزر المتنازع عليها مع دول بحر الصين. 

إذًا، بعد توقيع أستراليا صفقة الغواصات مع الولايات المتحدة، ومشاركتها في الحرب التجارية التي خاضتها واشنطن ضد الصين، هل جعلت كانبيرا نفسها مدماكاً أساسياً في الاستراتيجية الأميركية في المحيط الهادئ وبحر الصين الجنوبي، ووضعت نفسها في مواجهة بكين دون أن تكونَ طرفاً مباشراً في الصراع؟

المصدر: الميادين نت