الانتخابات الروسية تتجاوز المفاجآت والتهديدات "السيبرانية"
مع انتهاء "ماراثون" الانتخابات البرلمانية في روسيا، وإغلاق صناديق الاقتراع، مساء أمس، انتهت عملية الانتخاب دون مفاجآت تذكر.
الأمور التي عكّرت صفو انتخابات أعضاء مجلس الدوما الروسي الأخيرة، هي الهجمات الإلكترونية أو "السيبرانية"، إضافةً إلى إعلان البرلمان الأوروبي مسبقاً عدم مشاركته في مراقبة الانتخابات الروسية.
رئيسة لجنة الانتخابات المركزية في روسيا، إيلا بامفيلوفا، بيّنت في تصريحات صحافية، أنّ "موارد لجنة الانتخابات تتعرض لهجماتٍ إلكترونية خطيرة وغير مسبوقة من الخارج".
المناكفاتٌ السياسيةٌ والاتهاماتٌ الروسية الأميركية المتبادلة، بالتدخل في الشؤون الداخلية سواءً في الانتخابات التشريعية الروسية أو الرئاسية الأميركية، طفت على السطح، قبيل بدء الانتخابات، التي عقدت على مدار 3 أيام من 17 حتى 19 أيلول/ سبتمبر الحالي، لذلك من غير المستبعد أنّ يكون هناك تدخل أميركي على نحوٍ ما في الانتخابات الروسية.
لكن الأمر الذي عزز الأدلّة التي تُشير لتدخل واشنطن في الانتخابات البرلمانية الروسية هو أنّ هيئة الرقابة الروسية على الاتصالات "روسكومنادزور"، اتهمت عملاقي التكنولوجيا الأمريكيين "غوغل" و"آبل" بالتدخل في شؤونها الداخلية، ولا سيما بعد أن رفضت الشركات إزالة تطبيق للمعارض الروسي أليكسي نافالني من متجريها.
هنا توالت التساؤلات إنّ كانت واشنطن بصدد "انتقام" لما انتشر من ادعاءات ووثائق حول تدخّل روسيا في الانتخابات الرئاسية الأميركية عامي 2016 و2020..
يذكر أنّ هذه ليست المرّة الأولى التي تتهم فيها روسيا شركات أميركية بالتدخل في انتخاباتها، ففي عام 2018 وإبّان الانتخابات المحلية اتهمت روسيا "يوتيوب" بالسماح للمعارض الروسي إليكسي نافالني بشراء مساحة إعلانية لنشر مقاطع فيديو يسعى من خلالها للتأثير على توجهات الناخبين.
علماً أنّ روسيا صنّفت منظمات المعارض "نافالني" بأنّها "متطرفة" وحظرتها في البلاد.
الأمر الذي أكّد أنّ واشنطن بصدد انتقام لما انتشر من ادعاءات ووثائق هو توعّد الرئيس الأميركي جو بايدن، في آذار/ مارس، لنظيره الروسي بأنّه سيواجه عواقب جرّاء توجيه جهود ترمي للتأثير في انتخابات الرئاسة الأميركية لصالح دونالد ترامب، مضيفاً لبوتين "ستدفع الثمن".
تدخّل الولايات المتحدة لا يقتصر على موضوع الهجمات السيبرانية
في هذا الإطار، قال المتخصص في شؤون الأمن القومي الروسي والعلاقات الروسية الأطلسية، محمد سيف الدين، للميادين نت، إنّ "تدخّل الولايات المتحدة في روسيا لا يقتصر على موضوع الهجمات السيبرانية التي حصلت في الـ 20 سنة الأخيرة، إنّما أيضاً من خلال منظمات المجتمع المدني ومن خلال الناشطين السياسيين، إضافةً للتدخل بالشؤون السياسية الداخلية لروسيا عبر الدعم المباشر والعلني للمعارضين للرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، وآخرهم المعارض أليكسي نافالني".
وأوضح سيف الدين، أنّ "أمر التدخل الرسمي الروسي في الانتخابات الأميركية لم يكن موجوداً، كدعم أحد مرشحي الحزبين الأميركيين على سبيل المثال، أو دعم لحزب سياسي، أو دعم لمرشّح في مجلس النواب الأميركي أو لوزير تنفيذي في الولايات المتحدة الأميركية".
وأشار إلى أنّ "هناك أمرٌ فارق في هذه الانتخابات وهو مستوى الهجمات السيبرانية ولاسيما على العاصمة الروسية موسكو، باعتبار أنّ أي خلل في الانتخابات الروسية من الممكن أن يشوّش على عملية انتقال السلطة"، مضيفاً أنّ "أهمية التدخلات الأميركية هي على المستوى الإلكتروني هو ليس فقط انتخاب الـ 450 عضو في مجلس الدوما الروسي، بل هناك رؤساء لـ 9 أقاليم روسية، إضافة لانتخابات لـ 39 مجلس نواب محلي كون روسيا فيدرالية".
كما أشاد سيف الدين، بـ"الدور الروسي الذي تحسّب من الهجمات السيبرانية، وأبقى على عملية مراقبة الانتخابات من خلال الكاميرات من أجل ضبط عملية الاقتراع بشكلٍ سليم، وهذا الأمر ساعد على عدم حصول أي عملية خلل كبيرة تذكر".
روسيا طلبت إرسال مراقبين للانتخابات
شهية الغرب كانت مفتوحة لمراقبة الانتخابات الروسية، لذلك وجّهت روسيا دعوةً لممثلين من 54 دولة لمراقبة انتخابات مجلس الدوما في روسيا.
إلى ذلك، وقبل فترة من الانتخابات، وبالتحديد في آب/أغسطس الماضي، اتّهمت السلطات الروسية دول الغرب بالسعي إلى التدخل في انتخاباتها التشريعية، من خلال "افتعال ضجة" حول قضية المعارض الروسي ألكسي نافالني.
وأوضح سيف الدين، أنّ "الأمر المختلف اليوم هو أنّه في الانتخابات الرئاسية السابقة لبوتين والانتخابات البرلمانية الحالية، هو أنّ الدولة الروسية هي التي طلبت من الغرب ومن المنظمات الدولية أن يرسلوا مراقبين للانتخابات"، مضيفاً أنّ "الدولة الروسية حددت شروطاً للمراقبين من أجل ألا يحصل أي إغراق للمراكز الانتخابية بعدد هائل من المراقبين بشكلٍ يسهم بتغيير منحى الانتخابات من خلال الحضور الأجنبي فيها، فمن الممكن أن يبدأ الأمر بمراقبة الانتخابات وبعدها ينتقل إلى الترويج لأفكار سياسية وهذا من الممكن أن يؤثر على سلوك الناخبين".
ورأى، أنّ "الدول الغربية قد أحجمت عن مراقبة الانتخابات لأنّهم يريديون أن يخففوا من شرعية النظام في روسيا ومن شرعية الانتخابات، وبرأيهم هذا الأمر يمكن أن يقلّص الشرعية، ويعطيهم نوع من المشروعية لكي يتهموا الانتخابات الروسية بأنّها غير نزيهة وغير شفافة".
الأهم مراقبة الإقبال في شبه جزيرة القرم
كما بيّن سيف الدين، أنّ "أكثر من 60 دولة أرسلت مراقبين للانتخابات منها دول حليفة وصديقة ومنها دول لديها قرار خاص، اليوم هناك مراقبين من الاتحاد الأوروبي رغم كل التهديدات التي وجهها لعدم المشاركة في المراقبة"، مشيراً إلى أنّ "الأهم مراقبة الإقبال في شبه جزيرة القرم لأنّه يعطي مؤشر سياسي ويثبّت شرعية الوجود الروسي"
ورأى سيف الدين، إنّه "لا يجد أي تأثير على شرعية روسيا في الخارج ولا يعتقد أنّ أمر مراقبة الانتخابات سيؤثر على شرعية الدولة الروسية، لأنّه في السنوات الأخير ورغم كل الاتهامات التي وجهت للرئيس بوتين وللنظام الروسي ولحزب روسيا الموحدة فإنّ الغرب بقي يتعامل مع روسيا كدولة كاملة الشرعية ولا سيما أنّ روسيا قوّة عظمى بالعالم".
وأشار إلى أنّ "الاتهامات لروسيا ستبقى تأتي من الولايات المتحدة، ومن بعض دول الاتحاد الأوروبي بموضوع الديمقراطية والديكتاتورية، وذلك لتشويه الموقف الروسي وإضعافه وليس لاستهدافه بشكل حاد، لأنّ دول العالم اليوم المناهضة لروسيا دعيت لمراقبة الانتخابات ولم تشارك، وطالما أنّ الدولة الروسية تؤدي مهامها الداخلية والخارجية لا أحد يملك القدرات أو المبررات لعدم التعامل مع روسيا كدولة كاملة السيادة والشرعية".
أما عن تأثير الانتخابات على السياسة الخارجية الروسية، ختم سيف الدين بقوله إنّ "قوّة حزب "روسيا الموحدة"، تتأثر بالكتلة التي تستطيع أن تحصل عليها في مجلس الدوما الروسي، وهذا سيشكّل محطّة لتجديد الشرعية بالنظام وسينعكس على قوّة الموقف والسياسة الخارجية الروسية".