واقع الكهرباء في سوريا وأفق الحل

لا يخفى على أحد الدمار الكبير الذي تعرّض له القطاع الكهربائي في سوريا، أسوةً بغيره من القطاعات المختلفة التي طالها التخريب والسرقة خلال الحرب.

  • يترقب المواطن السوري أي بارقة أمل تنتشله من ظلام دامس يعيشه
    يترقب المواطن السوري أي بارقة أمل تنتشله من ظلام دامس يعيشه

باتت مشكلة الكهرباء ثاني أكبر مشكلة يعانيها المواطنون السوريّون بعد الغلاء المعيشي، ولا حديث لهم اليوم غير هذين الحديثين؛ الكهرباء وارتفاع الأسعار، في ظل حالة الغضب الشعبي السائدة في البلاد، في الوقت الذي ينتظرون وعوداً حكومية دائمة بواقع كهربائي أفضل.

إن همّهم اليوم ليس المشاكل التي تواجه الدولة السورية أو الصعاب في استحصال المشتقات النفطية أو نقصها أو العقوبات المفروضة على سوريا، إنما همّهم الوحيد هو حالهم التي لم يبقَ منها إلا تلك الروح العالقة في الحياة والمجبرة على العيش تحت ظروف صعبة فرضتها الحرب.

الكهرباء قبل الأزمة 

لن نقول إنّ البنية التحتية الكهربائية كانت قبل الحرب السورية، أي قبل 10 سنوات تقريباً، عالية الجودة، وإنّ الشبكات الكهربائية كانت حديثة للغاية، ولكن المعاناة اليوم لم يشهد لها السوري مثيلاً من قبل، ولا يمكن مقارنتها مع العقود السابقة التي قليلاً ما شهدت حالات انقطاع للكهرباء، إضافةً إلى انخفاض كلفة الكهرباء حينها، إذ لم تكن هناك أعباء تذكر. ورغم أنّ البنية التحتية الكهربائية كانت بحاجة إلى تحديث، فإنها كانت تفي بالغرض وتزيد.

ومن إيجابيات الحكومة في ذلك الوقت اعتمادها على الغاز بديلاً للنفط لتوليد الكهرباء، بالتوازي مع إنشاء حقول غاز جديدة، ما أدى إلى ارتفاع كبير في الإنتاج، وإحداث فائض كبير وصل إلى 1050 ميغاواطاً إضافياً، ما دفع سوريا إلى تصدير الكهرباء إلى الجارة لبنان، من دون التأثير في حصتها منها.

وانطلقت حينها مشاريع الطاقة المتجدّدة والألواح الشمسية لرفد أيّ نقص محتمل لاحقاً في الكهرباء. وسهلت الدولة سحب القروض لشراء ألواح الطاقة الشمسية التي كانت بمتناول الجميع في ذلك الوقت، ولكن بسبب عدم استشعار أي خطر قادم، لم يلجأ كثيرون إلى شرائها.

الكهرباء خلال الأزمة

لا يخفى على أحد الدمار الكبير الذي تعرّض له القطاع الكهربائي في سوريا، أسوةً بغيره من القطاعات المختلفة التي طالها التخريب والسرقة خلال الحرب. وقد طال الضرر مباشرةً محطات الكهرباء التي تعرّض أغلبها للقصف، ما أدى إلى توقف 70% من محطات التحويل وخطوط نقل الفيول نتيجة الأعمال الإرهابية.

أهم المحطات التي طالها الاعتداء الإرهابي هي "محطة حلب الحرارية، ومحطة زيزون في إدلب، ومحطّة التيم في دير الزور"، كما طال القصف محطتي محردة والزارة في حماه، ومحطة تشرين في دمشق، والتي عملت الدولة على إصلاحها بشكل مستمر المستمر، بسبب تعرضها لاعتداءات مسلحة بشكل شبه يومي قبيل تأمين المناطق المحررة، إضافة إلى تعرض خطوط نقل الغاز لاعتداءات مباشرة أيضاً، ما أدى إلى ضعف الوارد إلى المحطات الكهربائية.

وإضافة إلى التخريب والدمار، تعرّضت الكابلات وأبراج الكهرباء للسرقة من قبل المسلحين، إذ أعلنت مؤسسة الكهرباء عن سرقة طالت نصف عدد الأبراج في سوريا تقريباً، ما ساهم في خفض ساعات التغذية الكهربائية بشكل كبير.

تضرّر عمال الكهرباء

ويأتي الجانب الإنساني الأهم في هذا الموضوع، والذي يغفل عنه كثيرون، إذ إنّ عمّال الكهرباء كانوا جنوداً مجهولين. ورغم استمرار القصف في سنوات الحرب، ظلّ العمال يواظبون على عملهم ويصلحون الأعطال في كل الظروف، سواء خلال سنوات الحرب وتحت القصف أو في الحر وتحت الشمس الحارقة، وحالياً خلال العواصف والأمطار.

وتعرّض هؤلاء العمال لاعتداءات إرهابية، فمنهم من طاله القصف ورحل عنا شهيداً، ومنهم من تعرض للإصابة، ومنهم من تعرض لصعق الكهرباء على حين غرة. ووصل عدد الشهداء نتيجة الأعمال الإرهابية إلى أكثر من 300 شهيد ومئات الجرحى وأكثر من 40 مفقوداً.

وسائل مؤقتة بديلة

وجد البعض في الوسائل البديلة للكهرباء، من أمبيرات وبطاريات ومولدات، تعويضاً جيداً نوعاً ما لسدّ النقص الحاصل في الكهرباء، فمنهم من أخذها تجارة رابحةً، مستفيداً من انقطاعها الدائم، ومنهم من كان الهدف لهذه التجارة، أي المشتري والمشترك، إذ لجأ الكثير من المواطنين وأصحاب المهن، في ظلِّ انعدام شبه تام للكهرباء، وخصوصاً في السنتين الأخيرتين، إلى استخدام وسائل أخرى تعوّض نقص الكهرباء، لشدّة الحاجة إليها في الحياة اليومية والعملية. وكان الخيار الأول هو "الأمبيرات"، وهي مولّدات ضخمة جداً تعتمد على المازوت في عملها، وقادرة على تغذية 10 بيوت مجتمعة.

وانتشرت ظاهرة الأمبيرات بكثرة في حلب وجبلة وبعض أحياء دمشق، وبقي توزعها بين أصحاب المحال التجارية والمنازل متفرقاً وقليلاً في باقي المحافظات، بسبب عدم قدرة الموطنين على الاشتراك فيها.

وتزامن كلّ ارتفاع في أسعار المشتقات النفطية مع ارتفاع في سعر الأمبير الواحد، إذ وصل سعر الأمبير في حلب إلى 15 ألفاً في الأسبوع، ما اضطر البعض إلى الاستغناء عن الاشتراك بعدة أمبيرات مجتمعة، واقتصار اشتراكهم على أمبير واحد، ومنهم من استغنى عن الأمبيرات نهائياً.

أما بالنسبة إلى المولدات التي تعمل على المازوت والبنزين، فكانت الأكثر انتشاراً بعد الأمبيرات في المطاعم والمقاهي، وفي عدد أقل في المنازل، بسبب صوتها المرتفع والمزعج للجيران، واعتمادها على مواد تُفقد بين شهر وآخر، ويرتفع سعرها من شهر إلى آخر.

ويأتي استخدام البطاريات في الترتيب الأخير، بسبب حاجتها الدائمة إلى الشحن، إذ لا يوجد تيار كهربائي كافٍ لشحن بطارية كبيرة. لذلك، قلّ استخدامها مقارنة بالوسائل البديلة، والبعض يضطر إلى شراء لوح طاقة شمسية لتغذية البطارية أو مولد صغير لشحنها، وهو أمر مكلف جداً.

الطاقة البديلة

وفي بعض الحلول الأخرى لمواجهة نقص التوريدات الكهربائية، اتجهت الدولة السورية إلى استخدام الطاقات البديلة التي تشمل طاقة الرياح والطاقة الشمسية، وصارت تعمل على توفيرها ومنح مستخدميها تسهيلات حكومية، شملت إعفاء المواطنين من الرسوم الجمركية والإضافات غير الجمركية المترتبة على الآلات والتجهيزات وخطوط الإنتاج ووسائط النقل الخدمية غير السياحية، فضلاً عن إعفاء ضريبي بمقدار 50% لمدة 10 سنوات، إضافة إلى حسم ضريبي إضافي لمدة 5 سنوات بنسبة 5% عن كل100  عامل سوري مشترك في التأمينات الاجتماعية وعامل في هذه المشاريع.

ورغم هذه الإعفاءات الحكومية، فإنَّها ليست بمتناول كل المواطنين، بسبب تكاليفها المرتفعة جداً في حال شرائها، رغم تقديم الدولة تسهيلات لسحب القروض من أجل شرائها. أما في حال تصنيعها، فهي تكلّف أضعافاً مضاعفة تصل إلى ملايين الدولارات. ورغم ذلك، أبرمت الدولة استثمارات مع دول أخرى من أجل إنشاء محطات جديدة للطاقات البديلة التي ستبصر النور في السنوات القادمة، وليس على المدى المنظور.

وبين الكلفة العالية والتسهيلات المطروحة، ينتظر المواطن السوري حلولاً أقل كلفةً عليه، فلا فرق أن تأتيه الكهرباء من الأرض أو من الشمس أو من الرياح. المهم أن يبصر النور في أيِّ حال كان.

 أفق الحل

يترقب المواطن السوري أي بارقة أمل تنتشله من ظلام دامس يعيشه. وفي ظلِّ الوعود الحكومية المرتقبة بتحسّن الكهرباء بعد شهرين من الآن، يبقى المواطن متعلقاً بهذا الحبل من النور.

وترتكز الوعود على صفقات وعقود وقَّعتها الدولة السورية مع الدول التي تريد المشاركة في إعادة إعمار سوريا، إذ أشار وزير الكهرباء غسان الزامل، في لقاء سابق له على شاشة الميادين، إلى وجود تعاون بين سوريا والدول الصديقة بخصوص موضوع الكهرباء، وتمّ توقيع عقود مع إيران وروسيا يجري تنفيذها، مبيناً أنّ الأمور تسير إلى الأفضل.

وأضاف وزير الكهرباء في ما يخصّ مشروع المستثمرين الإماراتيين في شقّ الطاقة الكهروضوئية أن هناك عقوداً وُقعت، ويجري التفاوض على عقود أخرى لإنشاء محطات توليد للطاقة الشمسية أو الريحية مع شركات إماراتية منذ 20 يوماً، على أن تبلغ الاستفادة من منظومة الطاقة البديلة نحو 30% خلال السنوات الخمس القادمة.

ولم يعطِ الوزير وعوداً قريبة لتحسن الكهرباء، رغم إعطاء الحكومة وعوداً لتحسّنها في الأشهر القليلة القادمة، وخصوصاً بعد توقيع سوريا الشهر الفائت مع لبنان والأردن ومصر على اتفاقية لإمداد لبنان بالطاقة الكهربائية من الأردن عبر الأراضي السورية، تمهيداً لدخولها حيز التنفيذ بعد تمويل المشروع من البنك الدولي، على أن تستفيد سوريا بنسبة 8% من كمية الطاقة التي تنقل، إضافة إلى ما يترتب على ذلك من فائدة في استقرار المنظومة الكهربائية وإعادة تأهيلها وتحسينها لتأمين نقل عالي الجودة.

وبين وعود منتظرة وظلام مستمر، يترقب المواطن السوري اللحظة التي ستأتي فيها الكهرباء، واللحظة التي ستقطع، مبرمجاً حياته على ساعة كهرباء يومية أو ساعتين، تتخلّلها أعطال كثيرة وأعباء تزيد الثقل عليه، وهو الذي لا يفهم من كل العقود والوعود إلا أن يقضي عمله اليومي بسلام من دون أي ضغوط.