معادلات ورسائل جديدة.. البعد الاستراتيجي في الردّ الإيراني
هناك جدّية إيرانيّة حالية في صنع المعادلة الجديدة واستغلال الموقف الحالي لصنع قواعد اشتباك جديدة مع العدو الصهيوني.
حمل الردّ الإيراني على الاعتداءات الأخيرة التي نفّذها الكيان الصهيوني رسائل جديدة ومتغيرات كبيرة على المستوى الاستراتيجي في ضوء التحولات الدولية، سواء على مستوى الأزمة الأوكرانية أو مفاوضات "فيينا" المتعلقة بالاتفاق على البرنامج النووي الإيراني، وبات الجميع يدركون أنّ أيّ مكان يستهدف إيران سيدخل ضمن المعادلة الجديدة.
وقد بات الصبر الاستراتيجي الّذي كانت الجمهورية تعتمده في المنطقة ضمن المتغيرات، إذ إنَّ اغتيال ضباط في حرس الثورة الإيرانية في سوريا، أو إطلاق طائرات مسيّرة من أربيل باتجاه قواعد عسكرية إيرانية، أو إقامة قواعد لتشغيل عملاء للموساد وتجنيدهم لإحداث عمليات تخريب في الجمهورية الإسلامية، بات أمراً غير مقبول. وبعد الرد الإيراني، وُضع ما سبق ضمن الخطوط الحمراء التي لن يُسمح بتجاوزها.
في البعد الاستراتيجيّ الآخر، وعلى عكس الدّعوة في "إسرائيل" لاستغلال الموقف الدولي لتوجيه ضربة كبيرة إلى قدرات إيران النووية، كان التحرك الإيراني لصنع معادلات جديدة مع العدو الصهيوني يتمثل بأنَّ مجرد الاعتداء عبر تجنيد عملاء للتخريب في إيران، وتوجيه ضربات بطائرات مسيّرة إلى قاعدة عسكرية إيرانية، سيكون ثمنه كبيراً، كما حدث بعد استهداف المقر الاستخباري للموساد في أربيل مؤخراً.
الردّ الإيراني يعطي تصوّراً لـ"إسرائيل" بأنَّ الإيرانيين لن يسمحوا بعد اليوم بتجاوز الخطوط الحمراء، وأن تنفيذ أيٍّ من المخططات التي تهدف إلى المساس بقدرات إيران سيكون الرد عليه كبيراً، وأن الرد هذه المرة كان في أربيل، ولكنه سيكون في المرة المقبلة في الجولان السوري وفلسطين المحتلة.
هناك جدّية إيرانيّة حالية في صنع المعادلة الجديدة واستغلال الموقف الحالي لصنع قواعد اشتباك جديدة مع العدو الصهيوني، وهو ما أكّده المستشار في اللجنة الإيرانية للمفاوضات النووية، سيد محمد مرداني، عندما علَّق على تسجيل مصوّر للهجوم في "تويتر": "هذا كان في أربيل الليلة الماضية... هذه ليست سوى البداية".
الاستراتيجية الجديدة التي كشفها استهداف أربيل تتمثل بأنَّ الجمهورية الإسلامية بدأت بـ"قصقصة" الأدوات الاستراتيجية التي تحاول "إسرائيل" وضعها في المناطق المحيطة بها. وبناءً عليه، إن أيَّ مكان في المنطقة تنطلق منه "إسرائيل" لتنفيذ مهام ضد إيران سيكون هدفاً مشروعاً للصواريخ الإيرانية البالستية الدقيقة. هذه الرّسالة ستصل إلى مختلف الدول في المنطقة، بما في ذلك دول الخليج، التي تجرّها الولايات المتحدة و"إسرائيل" إلى تحالف عسكري جديد في المنطقة.
لا يمكن إغفال أنَّ الاجتماع الأخير الَّذي جرى في العاصمة البحرينية المنامة بين رئيس هيئة أركان قوات العدو الصهيوني أفيف كوخافي وقائد الأسطول الخامس في الجيش الأميركي والمسؤولين العسكريين الخليجيين كان يمثل تهديداً واستفزازاً للجمهورية الإسلامية، لتكون الرسالة واضحة بأنَّ القاعدة الجديدة الّتي يقيمها "الموساد" في المنامة، على بعد 200 كيلومتر من شواطئ إيران، ستكون هدفاً في المرة المقبلة في حال رُصد أيّ نشاط لديها ضد الجمهورية الإسلامية، وهذا الأمر ينطبق أيضاً على دبي.
قد يُفهم هذا الرد اليوم بأنَّه ردع مسبق من الجمهورية الإسلامية للدول الخليجية التي عرض عليها رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت، خلال زيارته الأخيرة إليها، إقامة حلف عسكري في المنطقة أشبه ما يكون بحلف الناتو الغربي، على أن يكون خاصاً بدول الخليج فحسب، لمواجهة التهديدات العسكرية التي تتعرَّض لها، على أن يضمّ هذا الحلف الدول الخليجية و"إسرائيل".
المعادلة الجديدة التي رسّختها إيران مؤخّراً تتمثّل بأنّ أيَّ مكان في المنطقة تنطلق منه أعمال عدائية سيكون هدفاً مشروعاً. هذا الأمر ربما يؤدي إلى كبح تعاون الدول الخليجية مع الكيان الصهيوني، بحيث تخشى الدول التي تستضيف "الموساد" في الخليج المصير ذاته الذي آلت إليه حكومة إقليم كردستان العراق.
المعادلة الجديدة قد تفتح الطريق لرسم خطوط حمراء جديدة أمام الكيان الصهيوني في ما يتعلق باستهداف المصالح الإيرانية في سوريا، فما كان يُصمت عنه نتيجة الصبر الاستراتيجي سابقاً لن يكون متاحاً مستقبلاً. وبناءً عليه، قد نكون أمام صورة جديدة مشابهة لحالة الردع التي منع بها حزب الله اللبناني استهداف عناصره في الأراضي السورية.