ذكرى اغتيال الزعيم التونسي فرحات حشاد: الاغتيالات لمحاولة إخماد مقاومة الشعوب
يواصل الشهداء القادة القيام بدورهم بعد الشهادة، يلهمون الشباب والأطفال والأجيال الجديدة ليسيروا على دربهم، درب المقاومة.
لمن لا يعرف فرحات حشاد من الإخوة العرب نستطيع أن نعرّفه بالقول إنه كان زعيماً نقابياً تونسياً طيلة أربعينيات القرن الماضي وبداية الخمسينيات، تاريخ اغتياله على أيدي المخابرات الفرنسية.
فرحات حشاد، ورغم اغتياله وهو في سن الثامنة والثلاثين، فإن السنوات التي عاشها كانت كافية لكي يقوم بإنجازات نضالية على درب تحرير تونس من الاحتلال الفرنسي.
كان حشاد زعيماً نقابياً ومدافعاً شرساً عن حقوق العمال، وبعد تجارب نقابية ومحاولات لتوحيد العمال تحت راية واحدة، نجح حشاد في تأسيس الاتحاد العام التونسي للشغل سنة 1946. وإضافة إلى نشاطه النقابي، كان حشاد أيضاً زعيماً وطنياً يدافع عن استقلال تونس، بل إنه انخرط سنة 1952 في الكفاح المسلّح ضد الاحتلال الفرنسي.
فبعد أن فشلت المفاوضات بين الزعماء الوطنيين التونسيين وسلطات الاحتلال الفرنسي، قامت هذه الأخيرة باعتقال أغلب القيادات التونسية البارزة، وجد حشاد نفسه أمام مسؤولية قيادة المقاومة التونسية.
ففتح باب الكفاح المسلح السري وشرع في تنظيم إضرابات وتحركات شعبية كان لها تأثير كبير، وأصبحت هناك قناعة لدى الاحتلال وعملائه أن حشاد هو من يدير المقاومة، فأصبح مطلوباً لديهم.
وفي محاولة يائسة لإرباك المقاومة المسلحة و إنهائها،قامت المخابرات الفرنسية باغتيال فرحات حشاد في الخامس من كانون الأول/ ديسمبر سنة 1952، حيث أطلق أشخاص النار على سيارته عندما كان في الطريق الرابطة بين مقر سكنه و ضواحي العاصمة.
تقول الروايات التاريخية الموثوقة إن مطلقي النار وهم من الأجهزة السرية الفرنسية قد عادوا إلى فرحات حشاد وهو مضرح بدمائه للتأكد من قتله، وأجهزوا عليه بإطلاق دفعة ثانية من الرصاص.
خلّف استشهاد الزعيم التونسي الخالد فرحات حشاد حالة من الصدمة والحزن لدى عموم التونسيين، كيف لا وهو الزعيم الذي قضى سنوات حياته في الدفاع عن العمال والمستضعفين، كما إنه تبنى الكفاح المسلح لتحرير تونس.
اعترف أنطوان ميلير، عضو المنظمة الفرنسية السرية "اليد الحمراء"، في كتاب أصدره عام 1997 بعنوان "اليد الحمراء: الجيش السري للجمهورية" بوقوف فرنسا وراء اغتيال حشاد.
وفي عام 2013، قدّم الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند، وثائق سرية إلى أرملة وابن فرحات حشاد تدّعي أن الجهة التي قتلت حشاد ليست "اليد الحمراء"، وإنما مخابرات سرية تابعة للحكومة الفرنسية لتبقى محاولات الكشف عن حقيقة اغتيال الزعيم التونسي متواصلة.
وهنا، يجب أن لا ننسى الدور البارز للزعيم التونسي حشاد في مناصرة فلسطين، إذ أشرف ونظّم تطوّع العديد من الشباب التونسي للالتحاق سنة 1948 بصفوف المقاومة الفلسطينية.
الفترة نفسها شهدت موجة من الاغتيالات شملت الشخصيات البارزة في الجزائر والمغرب، بمعنى أن سياسة الاغتيالات هي سياسة فرنسية استعمارية استمرت طيلة فترة احتلالها لدول الجنوب.
هذا باختصار ملخص المسيرة النضالية لهذا الزعيم التونسي الخالد والملهم، وقد كتبت عديد السير والكتب التي تروي بالتفاصيل دور حشاد في إطلاق شرارة الثورة المسلّحة ضد فرنسا وتأسيس الاتحاد العام التونسي للشغل.
تحيي تونس في الخامس من كانون الأول/ ديسمبر من كل عام ذكرى اغتيال فرحات حشاد، وهذا العام يصادف إحياء هذه الذكرى ونحن نتابع ما يجري في منطقتنا من جرائم إسرائيلية يومية ضد شعوبنا العربية، وخصوصاً في فلسطين ولبنان وسوريا.
هي جرائم يومية ضد الأطفال والأبرياء والحجر والبشر، وهذا مبحث آخر يقع في خانة الإرهاب الصهيوني وعقيدة قتل الأبرياء، ولكن ذكرى اغتيال حشاد تحيلنا إلى جرائم الاغتيالات التي تنفذها "إسرائيل"، فخلال أكثر من عام، تم اغتيال عشرات القيادات والشخصيات المقاومة البارزة، وعلى رأسها سيد شهداء الأمة السيد حسن نصر الله.
وقد كانت تونس ساحة لهذا النوع من الإجرام الصهيوني باغتيال الموساد للعالم محمد الزواري، وقبلها أبو إياد وأبو جهاد.
كما اغتالت الولايات المتحدة الشهيد قاسم سليماني أيضاً.. والقائمة تطول والعنصر المشترك بينها هي سياسة صهيو استعمارية لم تتعلم من دروس التاريخ، ولم تقتنع أن الاغتيالات لا تزيد الشعوب التواقة إلى الحرية إلا مزيداً من الإصرار والمقاومة.
فالكفاح المسلح في تونس لم يتوقف باغتيال حشاد كما العمل النقابي، إذ أصبح الاتحاد العام التونسي للشغل أقوى، وها هو اليوم يحيي ذكرى اغتيال حشاد الذي أصبح أيقونة ورمزاً للمقاومة والكفاح بينما لم تحقق فرنسا أي هدف من هذا الاغتيال.
كذلك الأمر في لبنان.. فالصواريخ كانت تطلق على الأراضي الفلسطينية المحتلة ترافقها صيحات لبيك نصر الله.. أيضاً ازداد محور المقاومة إصراراً على الوحدة بعد اغتيال الشهيد سليماني..أما حركة حماس وبقية فصائل المقاومة التي كانت الأكثر استهدافاً بعمليات الاغتيال على مدى عقود فلم تتأثر باستشهاد الشيخ أحمد ياسين وعبد العزيز الرنتيسي وغيرهما، ولن يختلف الأمر هذه المرة بعد اغتيال إسماعيل هنية وصالح العاروري.
يواصل الشهداء القادة القيام بدورهم بعد الشهادة، يلهمون الشباب والأطفال والأجيال الجديدة ليسيروا على دربهم، درب المقاومة.
وكما انتصرت الشعوب سابقاً في مواجهة الإمبريالية و الاحتلال رغم الاغتيالات، ستنتصر الشعوب التواقة إلى الحرية في منطقتنا حتماً، رغم الإرهاب الصهيو- استعماري.