الحرب التركية الكردية في سوريا على وشك الانفجار
إنَّ عملية "قفل المخلب" العسكرية التركية هي جزء من العمليات التركية الطويلة الأمد في العراق وسوريا.
في الوقت الذي كانت أنظار العالم تتّجه إلى العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، كانت الطائرات والمروحيات والمسيرات التركية تدكّ أهدافاً كردية في العراق وسوريا يوم الإثنين. وكانت الأهداف تتمثل بمعسكرات ومخازن ذخيرة ومنازل تتوسط مرمى النيران.
في شمال شرقي سوريا، في ريف الحسكة، تعرَّضت قرى أبو راسين وتل تمر والمبكير وقبور الغراجنة وتل شنان وتل الورد وربيعات ودادا عبد والنويحات والأسدية والخضراوي والمشيرفة لقصفٍ مدفعي وغارات جوية مكثفة.
تسبّب الجيش التركي والمؤتمرون بأمره من المرتزقة الإرهابيين المتطرفين بدمار هائل للعديد من المنازل والممتلكات، ما دفع الناجين المذعورين إلى الفرار من المنطقة باتجاه الحسكة. وحتى الآن، لم يتم الإعلان عن عدد القتلى والجرحى.
يتسبّب الاحتلال التركي بأعمال عنف وسفك دماء في الأراضي السورية التي تقطنها أغلبية عرقية سورية، إلا أنها ترزح تحت حكم عسكري وحشي لمجموعة من الأقلية، إذ يتحالف الجيش الانفصالي الكردي من قوات سوريا الديموقراطية (قسد)، ووحدات حماية الشعب الكردية (YPG) مع حزب العمال الكردستاني الإرهابي(PKK) ، والذي يتكون من شيوعيين كرد. ومما يزيد الأمور تعقيداً، ونظراً إلى التنافس وتضارب المصالح، تدفع حكومة الولايات المتحدة أجور مرتزقة "قسد" ووحدات حماية الشعب الكردية.
لا تستطيع قوات الحكومة السورية مهاجمة قوات سوريا الديمقراطية ووحدات حماية الشعب، لأنهما محميان من الولايات المتحدة، التي تنشر قوات تابعة لها في المنطقة، وتمنع الشعب السوري من الاستفادة من آبار النفط السورية لتوفير البنزين المحلي، إذ يوجد حالياً نقص حاد في مادة البنزين في سوريا، بسبب احتلال القوات الأميركية لآبار النفط.
عانت تركيا لعقود من الإرهاب الَّذي مارسه حزب العمال الكردستاني، والذي أودى بحياة 40 ألف شخص، إذ صنفت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي الجماعة منظمة إرهابية. عندما أوجدت الولايات المتحدة قوات سوريا الديمقراطية ووحدات حماية الشعب في شمال شرق سوريا، توغّلت تركيا لمنع الكرد من تشكيل "وطن" هناك، وهو ما يسميه الكرد "روج آفا"، والذي يخضع لإدارة اشتراكية، في حين ينعم بالدعم الأميركي عسكرياً واقتصادياً.
وعلى الرغم من أنَّ تركيا والولايات المتحدة شريكان في الناتو، فإنَّ هناك نزاعاً طويل الأمد بينهما على خلفية الدعم العسكري الأميركي لمجموعة إرهابية.
الاجتياح التركي للعراق
إنَّ عملية "قفل المخلب" العسكرية التركية هي جزء من العمليات التركية الطويلة الأمد في العراق وسوريا ضد مسلحي حزب العمال الكردستاني والميليشيات الكردية السورية، والتي تصنّفها أنقرة جماعات إرهابية، إذ قصفت الطائرات والمدفعية الملاجئ في العراق والمخابئ والكهوف والأنفاق ومستودعات الذخيرة والمقرات التابعة لحزب العمال الكردستاني. وعبرت قوات الكوماندوس التركية الحدود إلى العراق براً أو بواسطة المروحيات.
الاجتياح التركي لسوريا
دخلت تركيا سوريا في آب/أغسطس 2016 بآلاف القوات التركية والإرهابيين من الجيش السوري الحر، مدعومين بالمسيرات وسلاح المدفعية. وفي تشرين الأول/أكتوبر 2019، أجرت تركيا "عملية نبع السلام" في شمال شرق سوريا. ويهاجم الإرهابيون الَّذين توظفهم تركيا كمرتزقة القرى السورية بانتظام، ويروعون السكان، بينما يقاتلون الكرد.
كرد سوريا
حاصرت قوات سوريا الديمقراطية ووحدات حماية الشعب المدعومون من الولايات المتحدة مدينتي القامشلي والحسكة في شمال شرق سوريا. وقالت وحدات حماية الشعب إنَّها استولت على نحو 10 مكاتب حكومية تتراوح بين فروع محلية للمالية والحبوب والتعليم في منطقة في وسط مدينة القامشلي، في حين منعت لليوم السادس على التوالي دخول القمح والوقود إلى مدينة الحسكة.
وقال محافظ الحسكة غسان خليل: "إنَّ قسد تمنع دخول القمح والمواد الغذائية والوقود اللازم لتشغيل المخابز، وهو ما يفاقم معاناة الناس في هذه الأوقات الصعبة. وقد وجّهت دمشق الاتهام إلى وحدات الحماية الكردية بتجويع الناس".
وحذَّر الوسيط الروسي في سوريا القوات الكردية من أنّ تركيا ستشنّ هجوماً على الدرباسية وعمود، للوصول إلى القامشلي، ما لم ينهوا الحصار عن القامشلي والحسكة.
في غضون ذلك، دعا الأمين العام للجنة المدنية الأوروبية في تركيا، مايكل إم. غونتر، إلى إزالة حزب العمال الكردستاني من قائمة المنظمات الإرهابية.
وكتب غونتر: "إنَّ إزالة حزب العمال الكردستاني من القائمة لن يساعد على تجديد مفاوضات السلام بين تركيا وحزب العمال الكردستاني فقط، ولكنّه أيضاً سينير "المنطقة الكردية السورية" في روج آفا على المدى الطويل، ويساعد على تخفيف حدة أزمة الناتو بين الولايات المتحدة وتركيا التي أجّجها صدام المصالح في سوريا".
ووفقاً لتوجيهات واشنطن، يحاول الاتحاد الأوروبي إعادة تصنيف حزب العمال الكردستاني في سوريا لتبرير الدعم الأميركي للكرد في سوريا. ووفقاً لخبراء مختصّين بالشأن التركي، لن يقبل الرئيس إردوغان أبداً تحول حزب العمال الكردستاني إلى كيان سياسي يتم التفاوض معه، بغض النظر عن علاقاته بواشنطن.
تركيا ترحّل لاجئين سوريين
تقوم تركيا باعتقال اللاجئين السوريين وترحيلهم إلى سوريا. ويوجد في تركيا نحو 3.7 مليون لاجئ سوري. وقد ألقى العديد من الأتراك اللوم على اللاجئين في الجرائم وارتفاع الأسعار والبطالة وانهيار الاقتصاد الذي أدى إلى فقدان العملة التركية قيمتها.
في الآونة الأخيرة، صدر أمر بترحيل حمزة الحمامي، وهو لاجئ سوري يدير متجراً في إسطنبول، بعد اعتقاله على خلفيّة خلاف مع رجال أتراك. هذه هي الحالة الأخيرة ضمن قائمة طويلة من عمليات ترحيل السوريين، الَّذين يعدون من العرق العربي، في حين أنّ الأتراك ليسوا كذلك. ويكمن التّمييز العنصريّ في صميم أعمال العنف والترحيل، ولكن تركيا تتعلّل بذرائع اقتصادية لتبرير أفعالها.
تركيا – سوريا وإعادة إحياء العلاقات
بحسب وسائل إعلام تركية، تجري تركيا وسوريا مباحثات لإصلاح العلاقة بينهما، وتصرّ أنقرة على أنها ملتزمة بالحفاظ على وحدة سوريا، الأمر الَّذي يترجم بمنع إنشاء أيّ "وطن" كردي، وبعودة آمنة للاجئين السوريين.
لقد كانت دمشق وأنقرة أقرب الجيران، وتقاسمتا قدراً كبيراً من التجارة والاستثمار عبر الحدود. وكانت السياحة بين البلدين في أعلى مستوياتها على الإطلاق قبيل بدء هجوم الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي على سوريا من أجل "تغيير النظام". وتم الاتفاق على تسيير التجارة الحرة والسفر من دون تأشيرة قبل آذار/مارس 2011، عندما اندلعت الحرب السورية في درعا.
زار الرئيس الأسد الإمارات الشهر الماضي، ما شجّع تركيا على البدء بإصلاح علاقاتها مع سوريا، فقد أعادت بعض الدول العربية بالفعل علاقاتها مع دمشق. وقد يشهد اجتماع جامعة الدول العربية المقبل المقرر عقده في تشرين الثاني/نوفمبر شغل سوريا مقعدها مرة أخرى.