استهداف أربيل: منطق عمليات جديد تقوده إيران

هناك مسألة ذاتية (إيرانية) مهمة تعبر عن سرعة الرد الإيراني، وترتبط بالتنسيق المباشر بين الرؤية التفاوضية ورد الفعل الميداني.

  • تحاول إيران عملياً في إطار مفاوضاتها النووية تكريس سياسة التفاوض بالنار
    تحاول إيران عملياً في إطار مفاوضاتها النووية تكريس سياسة التفاوض بالنار

تبنّى حرس الثورة الإيراني، في بيان، إطلاق 12 صاروخاً على مبنى قال إنَّه تابع للموساد، وكما أسماه "مبنى التآمر الإسرائيلي"، الذي يقع في محيط القنصلية الأميركية التي لا تزال قيد الإنشاء في شمال العراق في أربيل.

وذكر البيان أنَّ هذا المركز استهدف الداخل الإيراني سابقاً، ولا سيما العلماء الإيرانيين. وتعتبر أربيل ذات الحدود الواسعة مع إيران عنصر تهديد لها، يتعلق بامتداد القومية الكردية، إذ تتخوف إيران من إقامة كيان كردي فيها، وتخشى أن تستثمر "إسرائيل" في ذلك.

ولعلَّ الموقف إيران في استهداف أربيل هذه المرة مرتبط بعدة أمور تتعلق بنظام قواعد الاشتباك لديه في عملية الرد على الاحتلال الإسرائيلي، ويحمل الرسائل التالية:

أولاً: رسالة إلى الولايات المتحدة والغرب

تحاول إيران عملياً في إطار مفاوضاتها النووية تكريس سياسة التفاوض بالنار ورفع السقف التفاوضي بين الجهد الدبلوماسي والسلوك الميداني، وهي تعمد من حين إلى آخر لخلق أوراق مساومة في هذه المفاوضات مع القوى الكبرى، الأمر الذي يجعل العقدة في المنشار ويضعف فرص الأطراف ببناء سياسة محددة ومركزة تجاه التعامل مع إيران، وهو ما يجعل المشهد مرتبكاً دائماً.

ثانياً: رسالة إلى "إسرائيل" (مرتبطة بتوقف مفاوضات الاتفاق النووي)

أعلن حرس الثورة الإيرانية مقتل اثنين من ضباطه بقصف إسرائيلي قرب دمشق، متوعداً "إسرائيل" بدفع "ثمن جريمتها". ويأتي الرد في أربيل ضمن نطاق الثأر، لكنَّ النقطة المهمة في ما يتعلق بـ"إسرائيل"، وكذلك في البرنامج النووي الإيراني، أن "إسرائيل" لوحت عدة مرات باستهداف المنشآت النووية الإيرانية والبرنامج الصاروخي، في رسالة إلى طهران والولايات المتحدة بأنها لن تقف مكتوفة الأيدي، وعبرت عن رفضها الاتفاق المتوقع تحقيقه بين الولايات المتحدة والغرب من جهة وإيران من جهة أخرى، ما يدل على وجود معلومات ربما لدى إيران من احتمال قيام "إسرائيل" بتنفيذ هجمات في الداخل الإيراني من أربيل؛ المنطقة الأقرب إلى إيران، وهو ما كان رداً سريعاً في حسابات متعددة جمعتها إيران في آن واحد.

وفي هذا السياق، هناك مسألة ذاتية (إيرانية) مهمة تعبر عن سرعة الرد الإيراني، وترتبط بالتنسيق المباشر بين الرؤية التفاوضية ورد الفعل الميداني، وهو أمر مرتبط بوجود رئيس الجمهورية إبراهيم رئيسي الذي يعد من مؤسسة حرس الثورة الذي نظم حالة التعاون بين المؤسسات، والبنية العضوية بين الفريق التفاوضي الجديد الذي ينتمي إلى مدرسة الحرس أيضاً، فحالة الكفاءة التي يراها الفريق التفاوضي في ذاته يعبر عنها بالسلوك الميداني المباشر. ويعتبر أمراً جديداً أن تستهدف "إسرائيل" بشكل معلن باسم حرس الثورة.

ثالثاً: رسالة إقليمية في مضمون قواعد الاشتباك

في إطار استهداف "أنصار الله" أهدافاً حيوية في الإمارات بالمسيرات، ولا سيما مطار أبو ظبي، ومطار الملك خالد في السعودية، وكذلك آبار خريص وبقيق، فإنّ الضربات الحالية التي نفّذها حرس الثورة الإيرانية والإعلان المباشر عنها تحمل دلالة مهمة على طبيعة إدارة تموضعها المباشر تجاه القوى الإقليمية ومبدأ التأثير في مساحات النفوذ والتحرك، وأيضاً في ظلّ التفاهمات التي تقودها إيران مع المملكة العربية السعودية، رغم أن الأخيرة علقت الجلسة المزمع عقدها يوم الأربعاء المقبل.

 وتوجّه هذه الضربات رسالة نفوذ بأنَّ إيران تستطيع التحرك في الميدان في أي وقت، وتحمل رسالة بعد زيارة هرتسوغ لتركيا، إذ أرادت إيران أنّ تقول إنّ أي تعاون مع "إسرائيل" ستواجهه في إطار الأمن القومي للدول التي طوّرت علاقاتها مع "إسرائيل". 

وتحاول إيران في إطار رؤيتها لصورتها في المنطقة تقديم رسالة معنوية للشعوب، لإظهار طبيعة عدائها للاحتلال الإسرائيلي، وهو ما يحقق أمراً سلبياً تجاه تركيا.

الخلاصة

بعد توقف مفاوضات فيينا، وفي ظلِّ الأزمة الأوكرانية والانشغال الدولي بالعملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، تريد إيران الضغط على القوى الغربية، ولا سيّما الولايات المتحدة الأميركية، في ظل حالة الفوضى الإقليمية، من أجل تحقيق اتفاق يرضيها في المفاوضات، الأمر الذي سيجعل الأمور تتجه نحو التصعيد في غالب الأحيان، لا سيما في مساحات الحضور الإسرائيلي.

وتشي الأمور بأنَّ "إسرائيل" يمكن أن تنفّذ هجمات على إيران، في ظلِّ توقعات بأنها لن تقف مكتوفة اليدين، وأيضاً في ظل التقارب الإقليمي بين القوى المتنافسة، ولا سيما تركيا مع "إسرائيل" ومصر والإمارات والسعودية، ما يؤثر بشكل مباشر في الأمن القومي الإيراني، وخصوصاً في ظل العقوبات المفروضة عليها، وانفتاح قوى أخرى في محيطها عليها لتطوير بنيتها الاقتصادية.