أسبوع حاسم بعد انتهاء مناقشات عمّان
المجلس السياسي الأعلى وبعد اجتماعه يخلص إلى أنه في حال لم تفِ دول العدوان بالتزاماتها بالهدنة الأممية المعلنة، فإنَّ القوات المسلحة اليمنية والأمن، جاهزة للقيام بواجبها.
يعتزم المجلس السياسي الأعلى إطلاق مبادرة من طرف واحد بخصوص الطرقات، وهو ما ألمح إليه الرئيس مهدي المشاط في خطاب أمام عرض عسكري في ميدان السبعين في العاصمة صنعاء، قائلاً: "في حال لم تلمس لجنتنا العسكرية المفاوضة في الأردن بوادر جديدة بخصوص الطرق المغلقة لتخفيف معاناة الشعب اليمني، ستُعلن مبادرة من جانبنا"، من دون أن يفصح عن مضمون المبادرة.
يأتي موقف صنعاء مع اقتراب الهدنة من نهاياتها، وبعد أن أنهى المبعوث الأممي هانس غروند برغ الجولة الأولى من مناقشات عَمّان، ومن دون نتائج أو تقدم يُذكر لناحية فتح الطرقات في محافظة تعز وغيرها من المحافظات، بسبب تعنّت قوى العدوان ورفضها كلّ المقاربات.
ورغم إعلان المبعوث الأممي إنهاء الجولة الأولى من المناقشات، فقد أبقى الباب مفتوحاً أمام جولات قادمة قد تسهم في حلحلة هذا الملف، في حال تهيأت الظروف لانعقادها، رغم أن قوى العدوان لا تزال تضع العصي في الدواليب، كما يقول اللبنانيون، وتصرّ على عسكرة هذا الملف الإنساني، وتشترط انسحاب القوات المسلّحة التابعة للجيش واللجان الشعبية من طرف واحد، من دون تقديم أيّ خطوة في المقابل تسهم في تخفيف حدة الأزمة الإنسانية في محافظات مأرب والضالع والبيضاء وصنعاء والحديدة وإب وغيرها.
فعلياً، عمدت قوى العدوان منذ البداية إلى تطبيق استراتيجية تقطيع الأوصال بين كل المحافظات اليمنية، صانعة أكبر أزمة إنسانية، ومعرقلة حركة النقل والتجارة بين المحافظات الجنوبية والشمالية والشرقية والغربية، إذ يؤكد وزير النقل في حكومة الإنقاذ الوطني في صنعاء، عبد الوهاب الدرة، أن قوى العدوان تقطع الكثير من الطرقات، مثل طريق عدن – الضالع – قعطبة، وعدن – كرش – الراهدة -تعز، وطريق مأرب -الفلج – صنعاء، وبيحان – البيضاء، والطرقات إلى حضرموت والعبر.
وبالنظر إلى هذا الواقع، فإن الرحلة التي كانت تستغرق نصف ساعة إلى ساعة باتت تستغرق عشرات الساعات بسبب قطع الطرقات، وذلك ينعكس على سلامة النقل وتكاليفه، وبالتالي أسعار السلع والخدمات، ويخلق الكثير من المخاطر أمام المسافرين.
أمام هذا الواقع السيئ، قدّمت لجنة فتح الطرقات ومراقبة الخروقات، الممثلة لصنعاء، بقيادة اللواء الركن عبد الله الرزامي، مقاربة إنسانية عادلة لحل هذا الملف، وفق ما جاء في الهدنة روحاً ونصاً، إذ قدمت تصوراً بفتح طريقين في تعز، في مقابل فتح طريقين في مأرب والضالع، بهدف تخفيف معاناة المدنيين في تلك المحافظات وغيرها من المحافظات، مثلها مثل تعز.
وحين رفضت لجنة قوى العدوان هذه الصيغة، وهددت بالانسحاب من طاولة المناقشات، ورفضت فتح الطرقات في المحافظات الأخرى، قدمت لجنة صنعاء صيغة أخرى قائمة على ركيزتين، وفقاً لإفادة نائب وزير الخارجية في حكومة الإنقاذ حسين العزي:
- أن تكون الأولوية لتعز، والمحافظات الأخرى لاحقاً، مع تقديم التزامات وضمانات بعدم استغلال الطريق في تعز لأعمال عسكرية وعدائية، مع إنهاء الاقتتال وإعادة انتشار الطرفين.
- اعتماد صيغة التدرج، بأن تبدأ قوات صنعاء بفتح بعض الطرقات من جهتها، وأن تفتح ميلشيات قوى العدوان بعض الطرقات من جهتها، وأن تخضع هذه الصيغة للتقييم. ومع ذلك، رفضوا هذه المقاربة.
ومع أنَّ هاتين الصيغتين تحملان تنازلاً مجحفاً من لجنة صنعاء، فقد قوبلت بالرفض القاطع من لجنة قوى العدوان، وأصروا على مقاربتهم على قاعدة "قلايتي ولا الديك"، كما في المثل الشعبي، وفي مخالفة صريحة لنص اتفاق الهدنة "في تعز وغيرها من المحافظات"، وهي من أسباب انتهاء الجولة الأولى من دون نتائج ومن دون تقدم.
الغريب في الأمر أنَّ المبعوث الأممي ومكتبه لم يشيرا، لا من قريب ولا من بعيد، إلى الطرف المعرقل والمعطل والمخالف لنص الهدنة، إنما اكتفى بإعلان إنهاء الجولة، وأورد ما قدَّمته صنعاء بصيغة المبني للمجهول: "وُضع اقتراح لإعادة فتح الطرق بشكل تدريجي تضمن آلية للتنفيذ وضمانات لسلامة المسافرين المدنيين"، لكنه في الوقت نفسه شدَّد على "أهمية رفع القيود عن حرية حركة الناس والبضائع"، معتبراً أن تلك الأهمية "لا تقتصر على الأثر الإيجابي المتمثل برفع وطأة المعاناة عن اليمنيين وإنعاش اقتصادهم، بل ستساعد في تعزيز الثقة بالعملية السياسية أيضاً".
في المحصلة، وبما أننا أمام أيام حاسمة، فإن صنعاء لا تزال تقدم مبادرات أحادية تخدم السلام. في المقابل، نجد أن سلوك قوى العدوان مخالف لنصوص الهدنة، سواء فيما يتعلق بفتح الطرق والمنافذ البرية والموانئ البحرية، أو الرحلات التجارية إلى الأردن ومصر، وقبلها ملف الأسرى المتعثر، ما يعني أن قوى العدوان لا تكتفي فقط بقطع الطرقات أمام المواطنين، بل تقطع الطريق أمام أي مبادرة من مبادرات السلام أيضاً، وهذا ما شأنه أن يعرض للهدنة للخطر.
وقد يكون ذلك ما دفع الرئيس مهدي المشاط إلى أن يعقد اجتماعاً طارئاً السبت مع نائب رئيس الوزراء لشؤون الدفاع والأمن الفريق جلال الرويشان، ووزير الدفاع اللواء الركن محمد ناصر العاطفي، ورئيس هيئة الأركان محمد الغماري، لتقييم الهدنة وتقدير الموقف وتقديم معادلة واضحة وصريحة: "في حال لم تفِ دول العدوان بالتزاماتها بالهدنة الأممية المعلنة، فإنَّ القوات المسلحة والأمن، وبالاستعانة بالله، جاهزة للقيام بواجبها".
وبهذه المعادلة، نبقى أمام خيارات مفتوحة على مفاجآت لا يمكن التكهن بها، ما لم تنفذ قوى العدوان بنود الهدنة، بما يؤدي إلى "المزيد من المعالجات الإنسانية والاقتصادية لتخفيف معاناة الشعب اليمني". وقد لا يسعفها الوقت، ولا تخدمها الظروف المحلية والإقليمية والدولية، وستتضح الأمور أكثر بعد الثاني من حزيران/يونيو، ويتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود.