لبنان يطلب مساعدة الصّين.. هل بدأ يتّجه نحوها؟
يبدو أنَّ هناك رغبة جدية لدى البعض في التوجّه نحو الصين، وإن كان التوجه حالياً سوف يقتصر على المساعدات أو الاستثمارات التي لا تثير غضب الإدارة الأميركية.
-
إنَّ اختيار الصين لتزويد لبنان بالطاقة الشمسية هو اختيار موفق
يعاني لبنان منذ سنوات طويلة أزمة كهرباء ازدادت حدتها خلال السنتين الماضيتين، مع تردي الأوضاع الاقتصادية والنقص الحاد في المحروقات التي ارتفعت أسعارها بشكل جنوني.
ولم يكن قطاع الاتصالات بعيداً من أزمة الكهرباء، إذ خرجت مرات عدة شبكة الاتصالات من الخدمة في عدد من المناطق اللبنانية، وسط مناشدات المدير العام لهيئة "أوجيرو" عماد كريدية بضرورة توفير الكهرباء، تجنباً لانقطاع الاتصالات والإنترنت.
وبهدف تحسين خدمات الإنترنت وخطّ الهاتف الثابت، وتفادياً للانقطاع المتواصل للاتصالات والإنترنت والضرر المحتمل جراء هذا الانقطاع، طلب لبنان مساعدة الصين لتزويد محطات ومراكز الاتصالات الأرضية والخلوية بالطاقة الشمسية، فاستجابت بكين للطلب اللبناني.
ويجري العمل حالياً على اختيار الشركة التي ستتولى المشروع. وكانت المساعدة الصينية التي تقدر قيمتها بنحو 6 مليون دولار محور الاجتماع الذي عقده رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي مع وزير الاتصالات جوني القرم بمشاركة سفير الصين في لبنان تشيان مينجيان.
إنَّ اختيار الصين لتزويد لبنان بالطاقة الشمسية هو اختيار موفق؛ فالصين هي مملكة الطاقة الشمسية، إذ تحتل حالياً المرتبة الأولى عالمياً في توليد الطاقة الكهربائية من الطاقة الشمسية، كما أنَّها تهيمن على تصنيع الألواح، وتورد شركاتها حالياً نحو ثلاثة أرباع تلك الألواح.
وتمتاز مصانع الألواح الشمسية الصينية بالكفاءة العالية والتكاليف البسيطة. وفي الآونة الأخيرة، بات طموح الصين العمل على استجرار الطاقة الشمسية من الفضاء، وسيكون أول إطلاق لأول قمر اصطناعي صيني إلى الفضاء لهذه الغاية في عام 2028. كما أنَّ الصين تمتلك تكنولوجيا رائدة عالمياً وشبكة نقل متقدمة في مجال طاقة الرياح وتوليد الطاقة الكهروضوئية.
تتعاون الصين والدول العربية في مجال الطاقة الشمسية، فقد وقعت الصين ومصر في العام 2015 عقداً لإنشاء المختبر الوطني المشترك للطاقة المتجددة، والذي عزز بشكل كبير التعاون المعمق في مجال الطاقة الشمسية بين الجانبين.
وفي عام 2018، شاركت مجموعة "شينت" وشركة "تيبيا" من مقاطعة تشجيانغ في بناء مشروعين في محطة بنبان للطاقة الشمسية في أسوان جنوب مصر، بسعة 165.5 ميغاوات و186 ميغاوات.
وفي عام 2020، وقعت مع مصر اتفاقية لإنشاء مجمع لإنتاج الخلايا الشمسية. كما وقعت شركة "LONGI" الصينية المصنِّعة للألواح الشمسية اتفاقية مع شركة مجموعة السيف السعودية لإنشاء بنية تحتية واسعة النطاق لتصنيع ألواح الطاقة الشمسية في السعودية.
طلب لبنان مساعدة الصين عدة مرات. إزاء الأوضاع الاقتصادية الخانقة التي يمرّ بها، طلب في العام 2021 مساعدة الدول الصديقة، ومن ضمنها الصين. ولأجل ذلك، اجتمع السفير الصيني السابق لدى لبنان وانغ كيجيان مع المسؤولين اللبنانيين للتباحث في الاستثمارات الصينية في لبنان، ولا سيما مشاريع البنى التحتية والكهرباء ومعالجة النفايات والطاقة المتجددة.
وأعلنت الصين عدة مرات استعدادها لمساعدة لبنان، فقد جاء في البيان الصادر عن السفارة الصينية في لبنان عقب اجتماع السفير الصيني مع وزير الطاقة والمياه اللبناني وليد فياض، استعداد الجانب الصيني لتشجيع الشركات الصينية على المشاركة في مشاريع الطاقة في لبنان.
ولكن الاستثمارات الصينية في لبنان صعبة، ويعتريها العديد من الصعوبات، أبرزها أن لبنان منطقة نفوذ خاضعة للإدارة الأميركية، وهناك تخوف من أن التوجه نحو الصين سيعرض المسؤولين اللبنانيين لعقوبات أميركية أو يضرّ مصالحهم الشخصية.
كما أنّ الإعلام الغربي لا يكفّ عن إظهار أن الصين تثقل كاهل الدول الفقيرة بالديون. وعندما تعجز الأخيرة عن تسديد ديونها، تستولي الصين على مرافقها العامة وفقاً لما سمي "دبلوماسية فخ الديون".
وفي هذا الإطار، عندما ينتشر خبر استعداد الصين للاستثمار في مشروع معين في لبنان، حتى يبدأ البعض، ممن يميل إلى الغرب، الادعاء أن الصين سوف تغرق لبنان في الديون، وأنَّها غير جدية في عروضها، بهدف بثّ الرعب في قلوب اللبنانيين والمسؤولين وثنيهم عن قبول الاستثمارات الصينية.
وما زال قسم من المسؤولين اللبنانيين يعوّلون على الولايات المتحدة الأميركية لمساعدة لبنان على الخروج من أزماته. وفي ظل الانقطاع الحاد في الكهرباء، وتأثير ذلك سلباً في عدد من القطاعات، وعلى الرغم من أن مساعدة وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى، بربارة ليف، أشارت إلى أن "قطاع الطاقة في لبنان أصبح على شفير الانهيار"، فإنَّ الإدارة الأميركية تعرقل عملية استجرار الكهرباء من الأدرن عبر سوريا والغاز من مصر عبر الأردن وسوريا، وما فتئت تضع شروطاً تعجيزية على لبنان للموافقة على استجرار الغاز والكهرباء لإجباره على الاستجابة لمطالبها، كما أنّ البنك الدولي يعرقل المشاريع، عبر رفض تمويلها بوضعه ذرائع غير واضحة ومفهومة.
ويبدو أنَّ هناك رغبة جدية لدى البعض في التوجّه نحو الصين، وإن كان التوجه حالياً سوف يقتصر على المساعدات أو الاستثمارات التي لا تثير غضب الإدارة الأميركية، لكن الدولة اللبنانية مطالبة بكسر حاجز الخوف من التوجه نحو الشرق عامة، والصين خاصة، تفادياً للمزيد من الانهيارات، في ظل الضغوطات الأميركية على لبنان.