صناعة الحليف
ما مشروع كلّ دولة في المنطقة؟ ما مشروع إيران وتركيا والسعودية؟ إنّ تحالفاتنا كفلسطينيين تنبع من فهمنا لمشروع كلّ دولة على حدة.
العالم الآن لا يسير فرادى، إنما ضمن تكتلات واضحة، وكل من يسير وحده يتأكل تدريجياً، وتاريخ الدول التي تحررت من استعمارها يقول بوضوح إنها لم تكن لتتخلص من الاحتلال لولا مساعدة حلفائها.
السياسة عِلم. لم تكن يوماً أوهاماً أو تذاكياً أو لفاً ودوراناً. وللسياسة أصول ومبادئ لا تعتمد على الكذب، إنما على فهم مصالح الدول، فلكل دولة مصالحها ومشروعها الخاص التي تسعى لتحقيقه والوصول إليه، والدول التي تسعى لنيل دور إقليمي تعمل على زيادة نفوذها في مناطق الإقليم، ما يعني أن يكون لها تأثير في تلك المناطق اقتصادياً وسياسياً وثقافياً أو عسكرياً.
من الدول التي تملك نفوذاً في فلسطين هي السعودية وتركيا ومصر وقطر والإمارات، إضافةً إلى "إسرائيل" طبعاً، بصفتها كيان احتلال، وهي تنوب عن الولايات الأميركية في المنطقة. ومن واقع فهم مصالح تلك الدول يمكن رسم محددات العلاقات الخارجية معها، وما يعنينا نحن الفلسطينيين هو علاقة تلك الدول وسياستها تجاه القضية الفلسطينية، ففي عرف السياسة لا يجوز أن تنتقد السياسة الخارجية للدول أو تتدخل فيها إلا إذا أردت أن تكون دولة "إقليمية"، كالسعودية وتركيا.
أما باقي الدول، مثل روسيا وأميركا، فهي دول عظمى ذات نفوذ دولي، أي أنها تتدخل في كل صغيرة وكبيرة في دول العالم، والدول عادةً ما تكتسب نفوذها بالقوة والمال والسلاح، وليس بالأمنيات والرغبات، وهي لا تصحو من النوم وتقول: الآن، قررت أن أصبح دولة ذات نفوذ إقليمي، ثم تجد نفسها كذلك. لا يحدث النفوذ الإقليمي بهذه الطريقة.
قد يسأل أحدهم باستنكار: كيف يمكن ألا أتدخل في سياسة دولة عندما تطبع مع "إسرائيل"؟! أولاً "إسرائيل" هي كيان احتلال. ثانياً، إن التطبيع مع "إسرائيل" هو عار تاريخيّ يقع على الدولة المطبِّعة، ويستوجب التدخل والضغط من الكل الفلسطيني.
إذاً، أين نحن من السياسة الخارجية لتلك الدول؟ هل نعيها ونضع الخطط والبرامج السياسية التي تضمن علاقة جيدة معها لدعم حركة التحرر الفلسطيني أو نبقى نهاجم يميناً ويساراً بعشوائية ونخسر الدول الواحدة تلو الأخرى؟
السعودية التي تمتلك نفوذاً مالياً ودينياً قوياً يؤهلها لأداء دورٍ إقليميٍ في العديد من الدول الإسلامية والعربية، وخصوصاً الفقيرة، تعمل على بسط نفوذها في البلدان التي يزداد فيها التواجد الإيراني تحديداً، لأنها تعتبر أو أُريد لها أن تعتبر إيران خطراً وجودياً عليها، فإيران أصبحت دولة إقليمية، وتواجدها يزداد يوماً بعد يوم، فالصراع لم يكن دينياً يوماً من الأيام، بل كان سياسياً بحتاً.
السعودية التي تعاونت مع إيران في زمن الشاه كانت إيران نفسها بالمكونات الشيعية والسنية ذاتها، لكن عندما اختلفت سياستها الخارجية بدأ الصراع بين الدولتين.
وهنا يبرز السؤال المهم: ما مشروع كلّ دولة في المنطقة؟ ما مشروع إيران وتركيا والسعودية؟ إنّ تحالفاتنا كفلسطينيين تنبع من فهمنا لمشروع كلّ دولة على حدة، فالدولة التي ترتبط بعلاقة عدائية مع الكيان الصهيوني هي الأقرب إلى الفلسطينيين، كإيران وسوريا والعراق واليمن وحزب الله، إضافةً إلى كلّ الدول، سواء كانت إسلامية أو غربية، التي لا تقيم علاقات مع الكيان، فالمطلوب تمتين التحالفات معها وعدم المجازفة بفقدان أي منها.
أما الدول التي تربطها علاقات جيدة مع الاحتلال، فالمطلوب التعامل معها بقدر ما يخدم مسارنا التحرري، من دون مجاملتها على حساب الحليف الأصيل.