سياسة "قتل إرهابي".. ماذا تعني؟
الاغتيالات التي نفّذتها القوات الخاصة الأميركية كانت تتزامن في كلّ مرة مع حاجة الحزب الحاكم في البيت الأبيض إلى دعم.
حدّدت شبكة "CNN" الأميركية ما يبدو أنه المنزل الذي أصيب بضربة صاروخية بواسطة طائرة مسيرة من طراز "هيلفاير"، أدت إلى مقتل زعيم القاعدة أيمن الظواهري في كابول في أفغانستان.
وكان الرئيس الأميركي جو بايدن قد أكد في خطابه من البيت الأبيض عن الغارة مساء الاثنين 1-8-2022 أن الظواهري كان يحتمي وسط كابول للالتقاء بأسرته، وأنه أصدر أمره بـ"قتل الإرهابي" بعد أن فهم من كثب المنطقة التي كان يختبئ فيها.
ووصف مسؤول كبير في الإدارة الأميركية العملية بأنَّها "غارة جوية مصمّمة بدقة باستخدام صاروخين من طراز هيلفاير". بصرف النظر عن طريقة القتل المعتمدة، فإنَّ الأبرز في الموضوع هو التوقيت الذي تغتال فيه أميركا "الإرهابي"، وتصنيفه ضمن المنظمة الإرهابية التي ينتمي إليها، وكيفية طريقة الإعلان عن ذلك، والفئة المستهدفة بهذا الإعلان؟
الاغتيالات التي نفّذتها القوات الخاصة الأميركية كانت تتزامن في كلّ مرة مع حاجة الحزب الحاكم في البيت الأبيض إلى دعم. وبقراءة من زاوية مختلفة، يأتي الاغتيال في وقت تكون أميركا أمام استحقاق انتخابي يشعر خلاله الحزب الحاكم بأن شعبيته بدأت تتراجع.
إن الأميركي في ثقافته الميثولوجية يعيش هاجس الخطر الداهم، وينتظر على أمل أن يأتي المنقذ ويخلصه من العدو الذي يهدد بلاده. لهذا، يعتبر "قتل إرهابي" جزءاً من السياسة التكتيكية التي تعتمدها الإدارات المتعاقبة على السلطة لقتل ذلك العدو المريع، لاستغلال ذلك كدعاية لها أمام كل استحقاق.
التكتيك الاستراتيجي عند الولايات المتحدة تحت مسمى "قتل إرهابي" يلجأ إليه الحزب الحاكم عند كلّ مفصل رئيسي في تحديد المرحلة المقبلة. إنَّ نجاح وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية "سي آي إي" في القضاء على الظواهري يعدّ هدية ستمكّن بايدن من تصحيح الكثير مما لحق بسمعته إثر الانسحاب الأميركي الذي وصف بـ"المذل" من أفغانستان في آب/أغسطس العام الماضي، والسقوط المدوي للحكومة الأفغانية التي كانت واشنطن تساندها على مدى 20 عاماً، وغيرها من المواضيع التي فشلت فيها إدارته، ولا سيما التأثير في الحليفة التاريخية لأميركا، وهي المملكة العربية السعودية، لزيادة إنتاجها من الطاقة، لعلّ ذلك يخفض الأسعار التي تأثرت بعد حرب أوكرانيا، وسببت ارتفاعاً في التضخم في الولايات المتحدة.
يرى المتابع أنّ التخلص من الظواهري على بعد 3 أشهر فقط من الانتخابات النصفية في الولايات المتحدة هو تطور يصبّ في مصلحة تحسين مزاج الناخب وشعبية الحزب الديمقراطي، كي لا يخسر مجلسي الكونغرس في تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، فيصبح الرئيس في النصف الثاني من ولايته مكبلاً بقراراته.
تدور الشكوك حول تسليم حركة "طالبان" رأس الظواهري في مقابل رفع العقوبات المفروضة عليها، ولا سيما أن العملية تزامنت مع وصول 40 مليون دولار إلى كابول على شكل مساعدات. وأشارت صحيفة "The Frontier Post" إلى وصول مجموعة دورية من الأموال النقدية إلى كابول في إطار المساعدات الإنسانية.
ربما لجأت الإدارة الأميركية إلى تكتيكها الاستراتيجي المتبع دائماً، إذ إن أي حزب سياسي أميركي يلاحظ تدني شعبيته يلجأ إلى "قتل إرهابي". جورج بوش الابن استخدم ورقة قتل أبو مصعب الزرقاوي، وباراك أوباما استخدم ورقة قتل أسامة بن لادن. أما دونالد ترامب، فقد استخدم ورقة قتل أبو بكر البغدادي، وبايدن اليوم يستخدم ورقة الظواهري لتحسين وضع حزبه في الانتخابات.
يثير اغتيال الظواهري تساؤلات عن التوقيت، وما إذا كان فعلاً جزءاً من سلسلة حرب واشنطن على الإرهاب أو كان لأهداف انتخابية، وخصوصاً أن "القاعدة" لم تشنّ هجوماً قوياً ضد واشنطن منذ فترة طويلة.
لهذا، وفقاً للمحللين الأميركيين، فإنَّ الاغتيال هو إحدى جولات معركة واشنطن ضد الإرهاب، إذ إنهم شككوا في أن يكون توقيت الاغتيال مرتبطاً بالسياسة الداخلية الأميركية أو أن يكون هدفه جذب نظر الناخب الأميركي.
يرى أستاذ العلاقات الدولية في جامعة جون هوبكنز، دانيال سيروار، أن "الأميركيين، في ما يخص الحرب على الإرهاب، يتصرفون كلّما أمكنهم ذلك، وبالتالي إن فرصة الوصول إلى الهدف هي التي تحدد توقيت الاغتيال".
قد يكون الأمر مرتبطاً بالفرصة، ولكن المؤكد أن هناك سلسلة من الأحداث التي رافقت هذه الفرصة، والتي سمحت لإدارة بايدن باقتناصها للتأثير في الصوت الناخب، في وقت بات الحديث في الولايات المتحدة عن تأسيس حزب جديد يطيح الحزبين التقليدين اللذين حكما الولايات المتحدة منذ تأسيسها.
أخيراً، إن الشعبية والوقت والدعاية الانتخابية هي 3 مكاسب أحرزها بايدن والديمقراطيون بعد التخلص من الظواهري، وهو ما رفع أسهم "حزب الرئيس" في انتخابات التجديد النصفي. قبل نحو 4 أشهر من الانتخابات، تمكن بايدن من قلب حظوظ حزبه المتراجعة وشعبيته المتدنية، وأعادت سياسة التكتيك التقليدية القرار إلى البيت الأبيض، ولا سيما أن الاستحقاقات كبيرة، وخصوصاً فيما يتعلق بروسيا والصين.