انطلاق "الميادين": ولادة زمن التحرير

في زمن بات الإعلام فيه يؤدي دوراً لا يقل أهميّة عنه في ميدان القتال، يحل عيد "الميادين"، مع عيد المقاومة والتحرير ليكمّل أحدهما الآخر.

  • انطلاق
    لم تكن "الميادين" إلا مقاوِمةً مقاتِلةً بكلّ عامليها

أيام قليلة في عمر الزمن تفصل موعدين تاريخيّيَن مُتوأمَين هما 11 حزيران/يونيو تاريخ انطلاق "الميادين"، و25 أيار/مايو يوم المقاومة والتحرير. ومتى تكامل الدوران واندمجا، زالت فروق أيام معدودة من الزمن.

يحلّ الموعدان في ظروف محليّة وإقليميّة ودوليّة شديدة الحساسيّة والتعقيد، انخرط الطرفان فيها جنباً إلى جنب، يكمّل أحدهما الآخر، وخصوصاً في زمن بات الإعلام فيه يؤدي دوراً لا يقل أهميّة عنه في ميدان القتال، وبصورة أخصّ عندما ينخرط ميدانيّاً بالكاميرا والصورة والصوت إلى جانب البندقية والمدفع.

هذا ما لمسناه في فلسطين، في الدفاع عن الشعب المقهور، والأرض المغتصبة، والمقدّسات المدنّسة في عدوان الاستيطان، وهذا ما عشناه في لبنان في التصدّي لقوى الهيمنة الإمبريالية المتلبّسة لقب الإرهاب في جبال لبنان الشرقية، وفي الداخل، وهو عينه الدور الذي خاضته "الميادين" مع المقاومة إلى جانب الجيش العربي السوري في التّصدي للحرب العالميّة التي هدفت إلى تدمير سوريا، تماماً كما قاد بوش الابن الحرب التدميريّة على العراق، وكما حصل في اليمن، والعراق، وأميركا اللاتينية، وفي كل ساحات الصراع العالمي ضد الإمبرياليّة، وآخرها أوكرانيا.

لم تكن "الميادين" إلا مقاوِمةً مقاتِلةً بكلّ عامليها، بتفانٍ وإخلاص، في الاستوديو، وبالكاميرا في الميدان. القضايا التي حملتها "الميادين" كانت قضية كلّ واحد من مسؤوليها، والعاملين فيها، التزاماً عَقَديّاً، وفكريّاً، وثقافيّاً، ومهنيّاً، فقاتلت بقوةٍ وتفانٍ كما قاتل المقاومون في كلّ الساحات، وأثبتت حضوراً وفعاليّة على مستوى الأحداث التي خاضتها المقاومة، مكمِّلة مهماتها، ومتكاملةً مع الأهداف التي خيضت الحروب والمعارك على أساسها ولا تزال.    

آخر المعارك التي تواجهها "الميادين" والمقاومة هي معركة النفط على الساحل الشرقي للمتوسط. وإذا كان القانون الدوليّ الموضوع، والمثبّت وفق معايير الحربين العالميتين الأولى والثانية، يفرض التعاطي رسمياً مع الملف من وجهة نظره الدولية، يدخلنا في جدل على الخطين 23 و29 بين لبنان و"إسرائيل"، فإن معايير المقاومين تتجاوز هذه الحدود وترفضها من منطلق قوة غير مسبوقة، وهذا ما كشفه سيد المقاومة حسن نصر الله بقوله إن هذا النفط "هو حق فلسطيني، وليس حقّاً لدولة الاغتصاب".

في عيد "الميادين"، المتكامل مع عيد المقاومة والتحرير، نشعر بقوة وأمان، على خلاف ما كنا نشعر به من ذلّ وهوان. هذا الشعور بالقوة فرضته نتائج الانتصارات في المعارك التي خيضت، ولا تزال تُخاض على كل جبهة، وهذا ما عبّر عنه السيد نصر الله في خطابه الأخير، مواجهاً محاولة "إسرائيل" الاعتداء على غازنا ونفطنا.

كلام السيّد نصر الله، من شاشة "الميادين"، في تهديده بوقف عمليّات الاستخراج أشعرنا بالطمأنينة والارتياح إلى مصيرنا وثرواتنا. شعرنا بقوة لا خوف فيها من حرب. أيقظت فينا ذاكرة الهزائم المشؤومة التي ودّعناها مع السيّد. أين منها هزيمة حزيران عام 67، وضرب مطار بيروت الدولي عام 68، بعد أن انتصر رئيس الحكومة اللبنانية، عبد الله اليافي، في خطاب له لفلسطين، حين لم يجرؤ أحد على الردّ! كم كان شعوراً مفعماً بالحزن والهزيمة، لكنه اليوم بات مجرد ذكرى.

لقد عانى لبنان، والعالم العربي، وخصوصاً المشرقي منه، ويلات الحروب واستنزافها والصراعات الداخليّة فيه، فلم تسمح الظروف له بالنهوض والنّماء خلافاً لمختلف دول العالم التي خاضت الحروب العالمية ودُمرت فيها، ثمّ استطاعت أن تعيد بناء نفسها وتتقدّم وتتطوّر، فيما العالم العربي ما انفك يتخبط في صراعات منشأها الأساس الكيان الغاصب في فلسطين، لكن قوّة المقاومة وثباتها فرضا معادلة الرعب وفقاً للمسارات، ما يشعرنا بأن إمكان فرض حالة من السّلام وفق شروط المنطقة ومصالح شعوبها بات أمراً قريباً، إن لم يكن قد بدأ يتحقق بالتدرّج.

في عيدي "الميادين" و"المقاومة"، وداع لزمن الهزائم، ولكل منهما دوره المكمّل للآخر، ونحن على موعد بنصرٍ جديدٍ في معركة استخراج النفط، والنهوض بالشرق من أزماته، مهما كلّف ذلك من أثمان.