الحرب المستحيلة
ما يتجنّب السياسيون الخوض فيه تفضحه الصحافة العبرية التي تؤكد بشكل يومي أن كيان الاحتلال "فقد الشمال"... على مساحة تصل إلى 100 كلم طولاً من الناقورة إلى الجولان، وبعمق 35 كلم.
متى تخرج "إسرائيل" من هذا الجحيم؟ هذا هو السؤال الحقيقي المطروح في الكيان، على الرغم من أن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو لا يطرحه، ولا حتى جنرالاته؛ فبعد "تسعة أشهر من الجحيم (والتعبير لصحيفة معاريف)، تبدو إسرائيل عالقة عميقاً في المستنقع".
ما لا يقرّ به "طرزانات" الكيان يفضحه الإعلام الإسرائيلي. والصراخ العصبي بقرب شنّ الحرب في الشمال، يقابله جنرالات أقل تهوّراً بتأكيد أن "إسرائيل" غير مستعدة عسكرياً بعد لمواجهةٍ مباشرة مع حزب الله.
وما يتجنّب السياسيون الخوض فيه تفضحه الصحافة العبرية التي تؤكد بشكل يومي أن كيان الاحتلال "فقد الشمال"... على مساحة تصل إلى 100 كلم طولاً من الناقورة إلى الجولان، وبعمق 35 كلم.
في غضون ذلك، نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" على لسان "عدد من "كبار الجنرالات" في الجيش الإسرائيلي، بأنه بات ينبغي العمل على التوصل إلى اتفاق لوقف الحرب، حتى لو حكمت حماس في اليوم التالي"، وهذا لا تقوله واشنطن جزافاً.
تمويه الإخفاقات
من جهة بعيدة، فإن البروفسور في العلوم السياسية في جامعتي تل أبيب وكاليفورنيا زئيف معوز يقول لصحيفة "يديعوت أحرونوت" إن الجيش وكبار الساسة باتوا يتندرون بأن "القدرة القتالية والسياسة الخلاقة تحوّلا لدى جيش الدفاع إلى نوع من الفن في تمويه الإخفاقات". وبالتالي، فلا انتصار كاملاً وشاملاً في اليد، كذلك الذي يروّج له رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو منذ بداية الحرب"، وهذه ضربة أميركية تحت الحزام لحليفتها.
لذا، فالعنوان المناسب هو الضياع التام بين "مطرقة" الصواريخ والمسيرات التي تنهال من لبنان وسندان المستوطنين المذعورين، في حين لا يوم يمر في غزة إلا ويدفن معه عشرات الضباط والجنود تحت ضربات المقاومين. هذا كل ما يمكن تحقيقه بجيش يفرّ ضباطه وجنوده من الخدمة أو ينتحرون...
لعل زعيم المعارضة في الكنيست الإسرائيلي يائير لبيد يصبح الأكثر انسجاماً مع الواقع بدعوته إلى وقف الحرب وإعادة الأسرى، في ظل قناعة يعلنها "بعدم جاهزية الجيش لخوض الحروب الطويلة، وهو المعتمد على قوات الاحتياط التي لا تصلح لهذا النمط من الحروب".
بعد ذلك يأتي دور "إدارة الحرب"، وهي تتخبّط في"عجز لا ينتهي" بحسب صحيفة "معاريف" التي تتخوّف من أن يؤدي استمرار القتال بلا أفق واضح إلى "تفتّت إسرائيل"، ولا سيما أن معظم المستوطنين الذين تمّ إجلاؤهم من مستوطنات غلاف غزة ومن الشمال يؤكدون عدم نيّتهم الرجوع إلى المستوطنات التي فرّوا منها تحت نار المقاومة.
وفي نظرة إجمالية متّزنة، يبدو "الجيش" الإسرائيلي ذاته عُرضة للتحطّم. وفي هذا الصدد، يقول الخبير في شؤون الأمن القومي الإسرائيلي كوبي ماروم في حديث إلى القناة "12" الإسرائيلية: "كل من يلبس البزّة العسكرية صار يشعر بأنّه مذنب بسبب الفشل في المهمة الأساسية، وهي حماية الإسرائيليين... فلا يريد أحد الانتماء إلى مؤسّسة تحولت إلى كيس ملاكمة خلال حربٍ صعبة جداً".
ويتابع في معرض آخر قائلاً: "بدأتُ أرى مشكلة عدم ثقة، ليس من الجمهور بالجيش فقط، بل أيضاً داخل الجيش ذاته، إضافة إلى أن "الأرقام المتداولة بشأن الحاجات البشرية إلى الجيش وعديده أصبحت مُقلقة بصورة غير عادية". وفوق ذلك، يراكم الجنرال احتياط تامير هايمن ليقول: "إن الردع، كما تعلمنا من دروس الماضي، ما انفكّ يتآكل بالتدريج منذ 7 أكتوبر وعلى امتداد سنة 2023 وحتى اليوم".
لكل ذلك، من المفضل، بحسب الكاتب الإسرائيلي عميت يغور، الوصول الآن إلى اتفاقية حدودية مشابهة للقرار رقم 1701 الذي أنهى حرب لبنان الثانية، ويضيف بعبارات حادة: "... يتوجب علينا تزويد الجيش بما يكفي من ذخائر وأسلحة بصورة تتيح له مواجهة التهديد من جانب إيران وحزب الله بنجاح وخلال وقت قصير"، وهذا كلام في الهدف تماماً، ولا سيما أنه لم يبقَ مكان سالم في الكيان من صواريخ المقاومة ومُسيّراتها الدقيقة، فضلاً عن أن لديها بنك أهداف كاملاً وحقيقياً ومفصّلاً، كما أنها تملك القدرة على الوصول إلى كل الأهداف، ما من شأنه أن يزعزع أسس الكيان برمته".
الثمن سيكون أعظم
في مجال التعبير عن رفض الحرب من داخل الكيان، يقول المنظر العسكري عيران أورطال، وهو جنرال سابق في الجيش الإسرائيلي: "إذا كنت لا تعتقد أن من الصواب خوض حرب ضد حزب الله في الثامن من أكتوبر، فإن الأمر يصبح أقل منطقية اليوم".
ويتابع أورطال: ".. فنحن لم نملأ أنفسنا بقدرات جديدة، بل يتم إفراغ مخزوناتنا، في حين ان مخزوناتهم مليئة وتتجدد... لذا فإن ثمن أي حرب جديدة نشنّها سيكون أعظم بكثير من الإنجاز الذي ننوي تحقيقه. وهذا لا يترك لإسرائيل خيارات كبيرة".
ولتوضيح الصورة أكثر، ينشر الكاتبان شاي اغمون ونافو شبيغل في مقالة مشتركة في "هآرتس" قالا فيه: "إسرائيل والجيش منهكان، وفي حاجة إلى التقاط الأنفاس. الجيش الذي خطط طوال سنوات لحروب قصيرة وخاطفة وجد نفسه في مواجهة حرب طويلة أدت إلى تآكل منظومته القتالية. وفي أوضاع كهذه يتعيَّن علينا الحد من الخسائر والسعي لنهاية سريعة للقتال... وهذه رسالة من الصعب إرسالها إلى الجمهور الإسرائيلي الذي لا يزال تحت صدمة 7 تشرين الأول/أكتوبر".
كلّ هذا يعود بنا إلى أواخر القرن السادس قبل الميلاد؛ فبينما كان اليهود يعودون من بابل إلى صهيون ويعيدون بناء الهيكل الثاني، جلس الاستراتيجي الصيني سون تزو قرب مصب نهر اليانغتسي وكتب إحدى مقولاته الشهيرة: "ينتصر من يعلم متى يقاتل ومتى لا يقاتل".