انسحاب ترامب من الاتفاق النووي لن يساعد إسرائيل بالضرورة

السؤال الأساسي ليس ما إذا كانت إيران قد كذبت وما إذا نتنياهو نجح في كشف الكذب، بل ماذا ستحقق إسرائيل إذا نجحت في إقناع ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووي. انسحاب أميركي لا يستلزم تلقائياً فرض عقوبات جديدة على إيران أو إعادة العقوبات التي رُفعت كجزء من الاتفاق النووي. الولايات المتحدة يمكنها الآن فرض عقوبات جديدة على إيران، وكذلك البقاء في الاتفاق النووي طالما أن العقوبات الجديدة لا تتذرّع بخرقٍ إيراني للاتفاق.

إيران نجحت في تطوير برنامجٍ نووي في ظل نظام عقوبات قاسٍ ليس متوقعاً أن تعاني من أضرار بالغة من عقوبات أميركية

الولايات المتحدة لا يمكنها إلزام دول أوروبية وروسيا والصين بالانسحاب معها من الاتفاق أو الانضمام إلى عقوبات ستريد فرضها على إيران. ونتيجة هذا، إيران يمكنها مواصلة التمتع بعلاقات تجارية ومساعدة صناعتها النووية لأغراضٍ سلمية دون شراكة أميركية. الولايات المتحدة يمكنها أن تضمّن في عقوبات جديدة، إذا فُرضت، شركات دولية، لكن حينها ستكون على مسار تصادم مع الشركات الأميركية التي تقوم بأعمال مع أوروبا والصين وروسيا.

إيران، التي نجحت في تطوير برنامجٍ نووي في ظل نظام عقوبات قاسٍ، ليس متوقعاً أن تعاني من أضرار بالغة من عقوبات أميركية إذا استمرت أوروبا وروسيا أو الصين ودول شرق آسيا، مثل كوريا الجنوبية والهند، بإقامة علاقات طبيعية.

عملياً، إيران لازالت واقعة تحت عقوبات أميركية وتجد صعوبة في عقد صفقات بالدولار حتى مع دول أوروبية. ولذلك انتقلت إلى صفقات باليورو والعملات المحلية.

إذا قررت إيران الاستمرار في الاتفاق النووي رغم انسحاب الولايات المتحدة، نظام التفتيش الوثيق على مواقع النووي الإيرانية سيستمر لـ12عاماً أخرى، وهو وضعٌ قائم اليوم.

بحسب تقارير الوكالة الدولية للطاقة النووية، وأيضاً بحسب قول رئيس الأركان الإسرائيلي غادي آيزنكوت، إيران تلتزم بشروط الاتفاق بحرص دون أي خرق. طالما استمر هذا الوضع، الولايات المتحدة لن يكون لها أي رافعة حقيقية للدفع نحو تصحيح الاتفاق النووي. لكن انسحابها سيصعّب عليها كثيراً تجنيد تحالف دولي سيحاول التوصل إلى اتفاق منفصل مع إيران في موضوع الصواريخ الباليستية، وهو موضوع يُقلق إسرائيل بوجهٍ خاص.

النتيجة ستكون مختلفة تماماً إذا قررت دول أوروبا الانضمام إلى الخطوة الأميركية، التي ما زالت غير محسومة ما دام ترامب لم يقل كلمته بعد. حالياً، لا يبدو أن أوروبا، فكم بالأحرى روسيا والصين، تنوي تبنّي ما يريده ترامب. لكن إذا كانت هذه هي النتيجة فماذا بعدها؟.

هل ستعود إيران إلى تخصيب اليورانيوم بمستوى عالٍ مثلما هدد بعض كبار مسؤوليها؟ هل التحالف الدولي سيكون مستعداً لمهاجمة إيران بسبب ذلك؟ هل تستطيع إسرائيل لوحدها وهل هي جاهزة لتحمّل هذا العبء، وبذلك تحويل "الموضوع الإيراني" إلى مسألة ثنائية ينفض العالم يده منها؟ هل التزمت الولايات المتحدة بالمشاركة ومساعدة إسرائيل في خطواتٍ عسكرية ضد إيران في أي ظرف؟.

هذه الأسئلة لا يتطرق إليها نتنياهو في إطلالاته العلنية. لقد وافق المجتمع الدولي على التخلي عن أكاذيب الماضي من إيران عندما وقّع على الاتفاق النووي، الذي يتضمن بنود تفتيش غير مسبوقة بهدف تعطيل أكاذيب في المستقبل.

هذا الهدوء النسبي الذي وفّره الاتفاق، المجتمع الدولي، باستثناء الولايات المتحدة وإسرائيل، غير مستعد للتخلي عنه.