صفرٌ في التعليم، وصفرٌ في الأمن

لو كان لي ابن في سن التجنيد كنت سأقول له أن يؤجل الالتحاق قليلاً، وذلك لأن الفترة القريبة حاسمة وخطيرة. فالخوف من الانتخابات، والخوف من الخسارة فيها، والخوف مما سيفعله من يخسر فيها، كل ذلك يجعل من الجيش أيضاً مكاناً غير آمن للتواجد فيه.

  • صفرٌ في التعليم، وصفرٌ في الأمن
    صفرٌ في التعليم، وصفرٌ في الأمن

 

لو كان عندي ابن في سن التجنيد كنت سأحاول إقناعه بأن يؤجل الالتحاق بالخدمة. وكنت سأقول له بأنه ليس هذا هو الوقت المناسب، وأن يحصل على تأجيل، أو أن يتطوع بالخدمة الوطنية - المدنية، لكن ألا يلتحق بالخدمة العسكرية الآن في الوقت الذي يتجول فيه رئيس الحكومة المنتهية ولايته في الطرقات وهو يحمل صفيحة بنزين (بيدون) وعلبة كبريت. وهو لا يعدم الخيارات لإضرام الحرائق: طهران ودمشق، والفوضى في الشوارع. وكل حريق سيشكل عندها "خطراً وجودياً"، كل حريق "لكن ليس في الوقت الحالي". فكل حريق سوف يبعده شهراً أو شهرين (وعاماً أو عامين) عن المحكمة، وربما عن السجن.       

في تلك الأيام لن يكون هناك ملك في إسرائيل، وكل واحد سيفعل ما يحلو له. ستكون أياماً خطيرة. ولو كان لدي أبناء في الجيش، كنت سأصلي بأن يتوقف الضرر حتى آذار / مارس 2020 على الأربعين مليون شيكل التي سيحصل عليها المستوطنون. فمن ناحيتي أنا أوافق على أن يحصلوا على 400 مليون شيكل شريطة أن يقوم نتنياهو، لو كان بوسعه التصرف بمسؤولية، بأخذ وزير الأمن (نفتالي بينيت) جانباً ويطلب منه أن يهدأ، ويقول له: إنسَ قصف طهران، فهذا ليس الوقت المناسب، حتى وإن كان ذلك سيؤدي إلى زيادة المناعة ويقود إلى الوحدة. 

يجب ألا نتركه وحيداً (بينيت) للحظة واحدة. لم يمر عليه شهر واحد في المنصب إلا وأفلت منه قوله إنه "حسب تقديره" حان الوقت لمهاجمة الإيرانيين في سورية. و"حسب تقديره" هذه تثير فيَّ القلق أكثر من "الهجوم" نفسه. فالتجربة تثبت أنه عندما يبدأ بينيت بتقدير الأشياء فإنه لا بد وأن شيئاً ما سيسقط على رؤوسنا. فكل تقديراته حتى الآن سقطت على رؤوسنا. ومن ذلك، على سبيل المثال، تقديراته كوزير للتعليم التي بقينا في نهايتها مع معلمين محبَطين وأولاد جاهلين.  

وفي الوقت الذي ما زال فيه رئيس الحكومة يفقد السيطرة ويبث غضبه في كل الاتجاهات فإن وزير الأمن يجلس أمام الميكروفون ويتسلى بالحروب. فهو يقوم، على الشاشة، بتطويق دمشق من اليمين، ويهاجم طهران من اليسار. وهو يحرك ألوية وهمية ويحتل أهدافاً في الأحلام. ربما هي ذكريات الطفولة حيث كان يقود دبابات من القصدير وجنوداً من البلاستيك على السجادة لتعود إليه من جديد. وعندها يقول للمراسلين العسكريين إن "الأوساط المقربة من وزير الأمن ترى أن هذا هو الوقت المناسب لتوجيه ضربة قاسية في سورية". 

  لو كان لي ابن في سن التجنيد، كنت سأخاف من أن يكون تحت إمرة الشخص الذي يريد أن يهاجم دمشق لمجرد أن يُبقي أثراً، أو أن يفعل شيئاً كبيراً، عظيماً، أن يحتل شيئاً ما، وأن يقصف، ويقتل شخصاً ما، شريطة أن يؤدي مثل هذا العمل إلى شطب نفتالي (بينيت) الخاسر من الذاكرة العامة. نفتالي الذي تُفلت الكلمات من فمه قبل أن يفهم ماذا يقول. بينيت الذي فشل في التعليم، والذي غادر حزبه وتركه مثقلاً بالديون بالملايين.  

لقد كان لنا دائماً أشخاص كثيرون مثل بينيت. وسيكون هناك دائماً من يجيد عقد الصفقات الجيدة في الانتخابات التمهيدية (داخل الأحزاب)، أو أنه برع في التزلف، أو أن لديه مقعدين مضمونين، وهو سيجد نفسه في مكان لا توجد لديه أدنى فكره حول ما الذي يفعلونه فيه. فليس كل وزير للتعليم هو يوسي ساريد، وليس كل وزير خارجية هو أبا إيبان. وعندما يكون الوزراء مثل بينيت وريغف وكاتس وبيريتس، فإنه يجب الصلاة والتضرع بألاّ يتسببوا بالضرر، وأن يرتاحوا، وأن يذهبوا للتنزه خارج البلاد مثل (الوزيرة) غيلا غمليئيل، وأن يشغلوا أنفسهم بأعمال الخير لأصدقائهم مثل (الوزير) ليتسمان.    

وبدءاً من الأسبوع القادم لن يرتاحوا. فمن الأسبوع القادم لن يكون هناك ملك في إسرائيل، وسيكون بوسع كل وزير أن يفعل ما يراه مناسباً. وسيكون بالإمكان تعيين مدعٍ عام جديد وتنصيب قائد للشرطة، وستتم إقالة خبراء وتعيين مقربين عوضاً عنهم (انتظروا دافيد امسلام الذي توجد لديه بعض الإصلاحات في جيبه). وعندما يعلن الملك الحرب على مملكته، وعلى مؤسساتها ورعاياها، فإن الفوضى ستضرب أطنابها. لم يعد هناك من يراقب نتنياهو المنفلت، ووزير الحرب التابع له، باستثناء الجيش وقادته. 

الجيش وحده فقط هو الذي يستطيع أن يوقف بينيت. فليقوموا بتدليله في المراسم، وليستنزفوا قواه بجلسات الإحاطة – المهم هو أن يجلس في الوزارة، وأن يرسل التقديرات من هناك، وأن يتركهم يقومون بالعمل. فالجيش لا يزال هو العقبة الأخيرة أمام رئيس حكومة يائس ووزير أمن يعتقد أن الحياة هي لعبة بلايستيشن.   

ولكن هناك خطر أيضاً في الاعتماد على الجيش. فربما يكون الجيش الجهة الحكومية الأخيرة التي يثق الجمهور بها. إلا أنه يتغير هو الآخر. إذ يتغلغل فيه إرث العميد عوفر فينتر الذي أرسل جنوده ليقاتلوا باسم إله إسرائيل. في تركيا لم يفلح الجيش في وقف رُسُل الله، والفرصة ضئيلة في أن ينجح هنا. 

لو كان لي ابن في سن التجنيد كنت سأقول له أن يؤجل الالتحاق قليلاً، وذلك لأن الفترة القريبة حاسمة وخطيرة. فالخوف من الانتخابات، والخوف من الخسارة فيها، والخوف مما سيفعله من يخسر فيها، كل ذلك يجعل من الجيش أيضاً مكاناً غير آمن للتواجد فيه.

ترجمة: مرعي حطيني