حزب الله في سوريا: القصة الكاملة

وجهات نظر متعددة تحيط بمشاركة حزب الله في الحرب السورية، هناك من يصفها بـ"الواجب الجهادي"، وهناك من يقول إنها "مشاركة الضرورة" وهناك أيضاً من يسميها "الاحتلال غير الشرعي" لبلد ممزق بين ثورة مشتتة الأهداف والسبل والرؤى، ونظام حكم مستأثر يصعب الدفاع عن ممارساته، وجماعات متطرفة تبحث لنفسها عن موقع تحت الشمس على وقع صليل الصوارم وشعارات مستوردة من تاريخ سحيق.

من عرض سابق للحزب
لماذا دخل حزب الله إلى سوريا؟ وما هي الخيارات التي كانت أمام الحزب خلال السنتين الأولين من الأزمة، وهل كانت الخيارات الأخرى لتكون أقل ضرراً عليه وعلى محيطه، وعلى لبنان، وبطبيعة الحال على سوريا؟


لم تبدأ القصة في نيسان/ أبريل 2013 أو بعدها بشهر عندما أعلن السيد حسن نصر الله الأمين العام للحزب رسمياً المشاركة في معركة القصير، ولا قبلها بشهر أو شهرين عندما قال نصر الله "إن النظام في سوريا لن يسقط". ولا هي بدأت عندما خرج أمين عام حزب الله في أيار/ مايو 2011 يعلن موقف حزبه من الأزمة السورية ويدعو الأطراف جميعاً للجلوس على طاولة حوار. بل قبل ذلك بدأت إرهاصات استدعاء الحزب إلى الأزمة السورية واستعدائه في الوقت عينه، يوم خرجت منذ الأيام الأولى لإنطلاقة الثورة تظاهرات في أكثر من مدينة سورية لم تكن تطالب فقط بإسقاط النظام والحرية، بل أكثر، وطبعاً هذه التظاهرات كلها موثقة على اليوتيوب ولا يمكن لأحد إنكارها، كانت ترفع شعارات معادية لحزب الله وإيران بل وإن بعضها حرق منذ البداية شعارات الحزب وأعلام إيران وصور نصر الله حتى قبل أن ينطق الحزب ببنت شفة وقبل أن يعبّر عن رأيه في ما يحدث.


لا شك أن الرواية أعلاه لا يمكن البناء عليها لتبرير دخول حزب الله إلى سوريا، ولا هي في علم الإستراتيجيات، ومقدمات اتخاذ القرار، حجة يمكن الركون إليها لحسم موقف سيترتب عليه فيما بعد أثمان ودماء، لكنها تعطي إشارة إلى ما كان يتم توجيه الرأي العام باتجاهه منذ اللحظات الأولى، حيث لم يكن هناك من قوات لحزب الله في سوريا ولا كانت إيران قد اتخذت قراراً بالتدخل حتى حينه، لا بل وبحسب مصادر مطلعة لم تكن قيادة "محور المقاومة" قد أنهت تقييمها الأولي للوضع، وهذا ما سيظهر لاحقاً في متن هذا التحقيق.


خلال الأشهر الأولى للأزمة، وربما هذا بات معروفاً لكن عرض السياق ضروري في مثل هذا المقال، قام حزب الله بمساع كبيرة وجدية لاحتواء الأزمة، ووصلت به الأمور إلى الاتصال بجهات في المعارضة السورية لم يسبق له أن تواصل معها، بل إن نصر الله شخصياً تدخل لإطلاق سراح مجموعة من المعارضين السوريين في فترات متفرقة، بعضهم قبل اندلاع الأزمة مباشرة، لكن خلال فترة الثورات في تونس ومصر وليبيا، وبعضهم الآخر بعدها بأسابيع وأشهر.


كان النظام في حالة انعدام وزن في ظل الضغط الكبير الذي كان على الأرض، تظاهرات في أكثر من مكان، فقدان سيطرة على أجهزة الأمن التي ردت بالرصاص الحي ما أدى إلى سقوط العشرات بين قتيل وجريح. فالموضوع بالنسبة للحزب لم يكن محل ترف، القضية حساسة للغاية، ومستقبل المنطقة بأسره معقود على ما سيحدث في الجوار، وشريان حزب الله الحيوي ورئة التنفس الوحيدة له تمر عبر سوريا، لذا فلا محل للأخطاء وما من داع للمغامرات، وليكن السعي الرئيسي لإنهاء الأزمة بدلاً من تفاقمها وتعقدها وتحولها مع الوقت إلى سرطان لا يمكن الشفاء منه. 

مبادرة قطرية تركية

من زيارة أردوغان للدوحة
كان التنسيق بين حزب الله وإيران في أعلى مستوياته، وجرت محاولات عديدة للعمل مع أطراف إقليمية وجهات حليفة لمد الجسور بين النظام وتنظيم "الإخوان المسلمين" الذي كان حينها الجهة المعارضة الوحيدة التي يمكن اعتبارها صاحبة تأثير على الأرض. تضخمت كرة الثلج على الأرض بينما شمعة الأمل بالوصول إلى حل كانت تذوب. حركة "حماس" الفلسطينية حاولت التأثير بما تملكه من علاقات مع "الإخوان المسلمين"، كذلك فعلت حركة "الجهاد الإسلامي" لكن من دون جدوى. سبقت ذلك مبادرة تركية قطرية مع الأيام الأولى للأزمة كانت تقوم على الإعلان عن رزمة إصلاحات خلال الخطاب الأول للرئيس السوري بشار الأسد في مجلس الشعب، لكن المبادرة فشلت في اللحظة الأخيرة. تقول جهات تابعت عن قرب تلك المبادرة إن نائب الرئيس السوري فاروق الشرع كان فاعلاً فيها، حتى إنه قبل 24 ساعة من يوم إلقاء الخطاب كان يستقبل وفوداً دبلوماسية ويخبرها عما سيحدث في اليوم التالي، والذي كان يتضمن إلغاء المادة الثامنة والقوانين المتعلقة بحظر "الإخوان المسلمين" وفتح حوار شامل برعاية إقليمية، إضافة إلى انطلاق الرئيس السوري في جولة على المناطق التي وقعت فيها الأحداث وتعزية أهالي الشهداء.

مقاتل من حزب الله
في اليوم التالي وقبل ساعة من الخطاب أُبلغ الجميع بتأجيله لبعض الوقت، ثم استمر التأجيل حتى الظهر. في هذا الوقت كان الجميع ينتظر ما سيأتي به الأسد، وفي غرفة أخبار قناة "الجزيرة" القطرية كانت عواجل الخطاب المتفق عليه جاهزة للبث، والذي كان قد وصلت نسخة منه إلى القطريين. لكن الأمر لم يكن كذلك. قررت القيادة الأمنية السورية أن أي تنازل ستلحقه تنازلات، تماماً كما حدث في تونس ومصر، لذا فكانت النصيحة للرئيس بعدم الركون لهذه المبادرة والحسم بشكل مباشر كي لا تكون هناك ذريعة لفتح باب جديد وبالتالي خسارة أوراق أساسية وإضعاف الحكم بما يسمح لأصحاب المبادرة بأخذ ما يريدون بالسياسة والدبلوماسية.


تدهورت الأوضاع شيئاً فشيئاً وما هي إلا بضعة أسابيع حتى بدأت أصوات الرصاص المتبادل تسمع على الحدود اللبنانية السورية، والحدود التركية السورية، إيذاناً بتحول تدريجي في مسار الثورة نحو العسكرة. لكن الخشية الحقيقية لدى الحزب كانت من الخلايا النائمة داخل سوريا، تلك التي عملت لسنوات على خط العراق، وكانت سوريا نقطة ترانزيت أساسية لهم، بعبارة أخرى كانت سوريا أرض نصرة وليست أرض جهاد، أما وقد اشتعلت البلاد فجاء الإيعاز للنائمين بأن يصحوا.

 


خلال سنوات الجهاد العراقي، كانت الحدود اللبناية السورية مفتوحة أمام آلاف المقاتلين الإسلاميين للمرور باتجاه العراق لقتال الاحتلال الأميركي. لكن سياسة الحدود المفتوحة أقلقت حزب الله وجعلته يتوجه للسوريين في أكثر من مناسبة لسؤالهم عما إذا كانت المجموعات هذه تتابع داخل الأراضي السورية. لاحقاً تطور الأمر بشكل سلبي بين إيران والعراق وسوريا، لا سيما وأن التحقيقات العراقية خلصت إلى أن معظم العمليات الإنتحارية التي كانت تستهدف المدنيين كان مصدرها الحدود السورية العراقية. لم يأبه السوريون كثيراً لهذه المعطيات، أضف إلى ذلك الفساد المستشري في المؤسستين العسكرية والأمنية بشكل سرطاني، لتظهر هذه المجموعات لاحقاً من قلب سوريا بكامل عتادها وذخيرتها ولتصبح العمود الفقري للحراك المسلح الذي اتخذ من انشقاق الجنود والضباط السوريين تحت إسم "الجيش السوري الحر" مظلة شكلية له.


كان السلاح يدخل من الجهات الأربع، الأردن وتركيا والعراق ولبنان. على الحدود اللبنانية وبعد شهرين فقط من الأزمة السورية في 15 آيار/ مايو 2011 كنا نقف مع مجموعة من الزملاء الصحفيين في منطقة مشتى حسن الحدودية اللبنانية ونشاهد عشرات المقاتلين المسلحين يقطعون النهر الكبير باتجاه تل كلخ، كان هؤلاء يعبرون أمام أعين الأجهزة الأمنية والعسكرية اللبنانية في منطقة مكشوفة، فكيف الحال بالنقاط الوعرة ودروب التهريب والجبال والهضاب والأودية؟ وإن كان الحال كذلك بعد شهرين من الثورة، فماذا بعد عام أو عامين؟ لا شك أن الصورة اتخذت منحى دراماتيكياً.

قرار الدخول إلى سوريا

من المعارك
بعد تسعة أشهر من الأزمة وقف حزب الله أمام مشهد تداعي الحليف وقد بدأ اليقين بأنه على عتبة الأفول وأن زمناً جديداً قد يبدأ في أي لحظة. توجه السيد نصر الله ومجموعة من القياديين إلى إيران وهناك اختتموا جلساتهم بلقاء المرشد السيد علي خامنئي. يروي إسماعيل كوثري، النائب السابق في مجلس الشورى الإسلامي في إيران ونائب رئيس لجنة الشؤون الخارجية والأمن القومي فيه، قصة هذا اللقاء فيقول على موقعه الشخصي ولاحقاً في مقابلة مع وكالة فارس الإيرانية إن نصر الله قال لخامنئي إنه يرى بأن الأمور تتجه نحو النهاية بالنسبة للنظام في دمشق، عندها رد خامنئي قائلاً "إسمعوا ما أقوله جيداً، إذهبوا وضعوا برنامجاً وخططوا له جيداً وليكن على رأس أولوياته بقاء بشار الأسد والحفاظ على سوريا".

في 18 تموز/ يوليو 2012 دوى إنفجار ضخم في دمشق اهتزت له العاصمة ومعه اهتز النظام. جاء الخبر عن سقوط أعضاء خلية الأزمة جميعاً في تفجير طال مبنى الأمن القومي. قتل وزير الدفاع داود راجحة، ونائبه آصف شوكت، وهو زوج شقيقة الأسد، ورئيس مكتب الأمن القومي هشام باختيار، ومعاون نائب رئيس الجمهورية العماد حسن تركماني. فجأة خرجت الأمور عن السيطرة في العاصمة السورية، سحب العديد من الحواجز، قرر العديد من العناصر الإنكفاء، وعدد آخر منهم الإنشقاق، وصلت كتائب المعارضة إلى حي الميدان التاريخي في دمشق وبدأ بعض وسائل الإعلام يتحدث بشكل واضح عن انطلاق معركة بركان دمشق وزلزال سوريا. في هذه اللحظة ظهر في المشهد قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني الذي وصل إلى العاصمة السورية لتبدأ عمليات التنسيق لضرب الزخم المتصاعد لدى مسلحي المعارضة وإعادة المعنويات للجيش السوري ولتنطلق عملية التمهيد للمرحلة التي ستبدأ بعد عام تقريباً، مرحلة حزب الله في سوريا. 


بعد عامين تقريباً من الأزمة كانت الحدود اللبنانية مع سوريا، بإستثناء بعض الجيوب الرسمية كطريق دمشق بيروت، كلها مع المعارضة على اختلاف توجهاتها، حتى بعض أهم خطوط الإمداد التي كانت تستخدمها المقاومة الإسلامية سقطت في يد من حملوا السلاح. وفي هذا الإطار يحكى عن سقوط عدد من شحنات الأسلحة التي كانت متوجهة إلى لبنان بأيدي المسلحين وهو ما يعني لحزب الله مساساً سافراً بخطوط حياته. في هذا الوقت كانت منطقة السيدة زينب حيث يقع مرقد إبنة الإمام علي بن أبي طالب على وشك الإنهيار ومئذنة المقام قد تلقت العديد من القذائف، وعلى الجانب الآخر من محيط العاصمة، في داريا، كان مقام شقيقتها السيدة سكينة قد سقط وإنهار جزء منه. بدأت إرهاصات قرار بالتدخل المحدود تظهر تحت عناوين مختلفة، لكنها كانت دائما تصطدم بالخشية من ردة الفعل، هنا لا بد من الإشارة إلى أن شكل حضور حزب الله اليوم في سوريا لم يكن أبداً في البال لحظة اتخاذ القرار. جاء القرار الأول، حماية الأماكن المقدسة واستعادة المناطق ذات الأهمية الإستراتيجية وتنظيفها وتعزيزها لاستعادة وظائفها السابقة، والقصد هنا خطوط إمداد المقاومة. تدريجياً بدأت المشاركة، وتدريجياً بدأت العمليات، وبدأ التحضير للمعركة الكبيرة في القصير، ومن بعدها في الغوطتين وفي القلمون.


في هذا الوقت كانت محاولات الحل السياسي واجتراح التسويات جارية على قدم وساق، روسيا وإيران قادتا هذا المسعى وقدمتا معاً أو كل على حدا مبادرات عديدة، كلها باءت بالفشل. من جنيف بأرقامه المتعددة، إلى موسكو، إلى محاولات جمع للمعارضة والنظام في طهران. كما أن معارضة الداخل لم تكن قادرة على التصدي لدورها وتحولت لاحقاً إلى حالة فولوكلورية لا يمكن التعويل عليها، بينما معارضة الخارج المدعومة من بعض دول الخليج والغرب مزقتها الخلافات ولاحقاً إضمحل دورها لصالح المجموعات المسلحة على الأرض. بعد ذلك تحولت هذه المجموعات أيضاً إلى مجرد مظلة قبل أن تسقط بالضربة القاضية وتصبح كل من "جبهة النصرة" و"جيش الإسلام" و"حركة أحرار الشام" و"تنظيم داعش" كل في مواجهة الآخر، الحالات المسلحة الأقوى على الأرض.


يتساءل كثر لماذا قرر الحزب مساندة نظام الرئيس السوري بشار الأسد، ولماذا لم يقف على الحياد، بل إن بعضهم يذهب باتجاه منحى أكثر راديكالية ويتساءل لماذا لم يقف الحزب إلى جانب الثوار؟


يقول معارض سوري معروف باعتداله "إن الحد الأدنى الذي كانت تضعه الدول الحليفة للأسد كان وجود الأسد الذي كان رحيله الحد الأدنى بالنسبة للمعارضة ومن التحق بركبها". يضيف "تصادمت الخطوط الدنيا فلم يكن بالإمكان الوصول لتسويات مع غياب هامش التضحيات، فلا أحد بين الثوار يجرؤ أن يقبل ببقاء الأسد لأن ذلك سيحوله لخائن وشبيح، وأفهم أن الطرف الآخر يرى في رحيل شخص الأسد هزيمة حتى وإن بقي النظام". يلوم المعارض حزب الله على عدم بذله جهوداً أكبر لإقناع النظام بتغيير سلوكه بشكل جدي، يقول "إنتظر كثر من حزب الله أن يضغط على الأسد، أن يدفعه للقيام بخطوات حقيقية يمكن البناء عليها، في الحد الأدنى أن يقول له إن الإنتخابات الرئاسية مفصلية وإنه لحل المشكلة لا بد من أن تكون حقيقية لا مسرحية فاشلة كتلك التي حصلت، لكن حزب الله لم يقم بكل ذلك".


آخر وهو صحفي معارض أيضاً للنظام تساءل "هل حقاً يستطيع محور إيران سوريا حزب الله تقبل حدوث إصلاحات جدية في سوريا، قد تؤدي (ربما أو على الأرجح) إلى الإطاحة بحكم الأسد والتركيبة الحاكمة؟ وأن تأتي بتركيبة أخرى (بشكل سلمي وديمقراطي وعبر صناديق الاقتراع) ذات سياسات مختلفة قد تهدد مصالح المحور؟ فحق الأكثرية اتخاذ القرار الذي تريده وفق الآليات الدستورية". يضيف الزميل الذي فضل عدم ذكر إسمه "برأيي لا يمكن للحزب وإيران تقبل ذلك... أما تحرك الحزب فقد كان للحفاظ على التركيبة القائمة بأقل الخسائر من خلال القضاء على أماكن الفساد التي تؤدي لمثل هذه الاحتجاجات والمعارضات. صحيح أن أسلوب الحزب كان أفضل من أسلوب النظام (الحل الأمني) لكن الهدف واحد، الإصلاح الجزئي وبقاء المنظومة القائمة. وأي تهديد لهما يعني المواجهة. والباقي كان ذرائع لتبرير التدخل. إما أنا أو المواجهة". 

ماذا لو دعم حزب الله المعارضة السورية

مقاتلون معارضون
إذا ما سلمنا جدلاً بأن كل المقدمات السابقة لم تكن لتكون، وأن الحزب يوم 15 آذار/ مارس 2011 قرر بشكل علني أن على النظام السوري أن يرحل وأنه سيضحي بالعلاقة الإستراتيجية التي تبلغ من العمر أكثر من عقدين ونيف، وأنه سيتغاضى عن أن هذا النظام كان حليفاً لصيقاً وممراً للسلاح وداعماً دبلوماسياً وسياسياً، وأن مستودعات الصواريخ لدى النظام كانت تحت تصرفه خلال حرب تموز وأن القادم إلى الحكم في سوريا بالنسبة إليه مجهول، بينما الموجود تطورت العلاقة معه من علاقة مصلحة إلى حليف وصولاً إلى شريك وأن وأن.. كيف كان ليكون حاضر حزب الله اليوم؟


هناك عدة سيناريوهات واقعية محتملة في حال اتخذ الحزب هكذا خيار، ثلاثتها تقوم على أن النظام سيحارب حتى آخر لحظة.


ـ في السيناريو الأول، انقسام آخر داخل لبنان بين مؤيدي سوريا وحزب الله الذي يقف في صف الثوار، سيتطور الأمر إلى مواجهات وصدامات في أكثر من نقطة مع تطور الأزمة السورية وفي ظل التناقضات التي بين حزب الله وبين الدول التي تدعم الثوار داخل لبنان سيتطور الأمر إلى انقسامات حادة وتشظي الحالة السياسية اللبنانية إلى محاور عدة بدلاً من محورين وعندها ستكون إمكانية وقوع حرب أهلية أكبر بكثير من إمكانية وقوعها اليوم لا سيما وأن السلاح الفردي بمتناول الجميع. المشكلة الأكبر هنا أن حزب الله الشيعي سيبقى عدواً للجماعات الإسلامية ذات النزعة التكفيرية في سوريا التي لن تغير في نظرتها للشيعة كفرقة ضالة. وهنا لا بد لنا من أخذ تجربة الإقتتال الداخلي بين الثوار ووضع "الإخوان المسلمين" في سوريا ونظرة بعض الحركات المسلحة الإسلامية لهم.


ـ في السيناريو الثاني، يسقط النظام بعد عام من القتال الشرس، المعارضة السورية تبدأ بجمع أضداداتها لتأسيس دولة جديدة. المعارضة مؤلفة من عدة خطوط، إسلامي، عروبي، يساري، ليبرالي، بعضهم مستقل وبعضهم الآخر مرتبط بدول ومحاور خارجية. المنطق يقول إن من يملكون الدعم الخارجي هم الأقدر على فرض المعادلات والأكثر قدرة على التأثير كونهم يملكون سلاح المال والإعلام، أفضل دليل على ذلك ما حدث في الدول العربية أخرى بعد الثورات، مصر وتونس مثالان صارخان على ذلك. مجدداً حزب الله سيطفو إلى الواجهة، هذه المرة لا كحركة ذات قدرة إقليمية، بل كورقة تفاوض وكإبن يتيم، طرف يريد رد الجميل لحزب الله، وأطراف مسلحة بإجماع دولي تصر على إنهاء حالته أو على الأقل محاصرتها ومنع الماء والهواء عنها، الأمر سيجد له إنعكاساً في الداخل اللبناني. ما هو محسوم هنا أن الحزب لن يكون قادراً على خوض أية مواجهة قادمة مع إسرائيل في ظل الحصار المفروض عليه والإنقسام السوري حول قضيته.


ـ في السيناريو الثالث، النظام ينتصر بعد معركة طويلة، المعارضة السورية تتحول إلى شتات هنا وهناك، لبنان منقسم حول الموقف من سوريا، والمحاور السياسية الداخلية مشتتة بحيث يقف حزب الله في جهة، وحلفاء سوريا الآخرون في جهة، وفريق الرابع عشر من آذار في جهة. لبنان بكامله سيكون في حالة حصار في ظل الأجواء السلبية المسيطرة على العلاقة الثنائية بين البلدين، وتحديداً بين النخب الحاكمة في البلدين، المقاومة محاصرة بشكل كامل بفعل العداء مع النظام السوري، وما كان يعرف بمحور المقاومة في حالة تشتت كامل وانهيار، إسرائيل تبتسم مجدداً.

اخترنا لك