المقرّ الرئاسي في بعبدا.. تاريخ في قصر
على تلّة خضراء مُشرفة على بيروت، يقع القصر الجمهوري مقرّ الرئاسة اللبنانية. بعدما أقام الرئيسان بشارة الخوري وكميل شمعون منذ الاستقلال سنة 1943 في قصر مُستأجَر من أنسباء الرئيس الخوري في محلّة القنطاري في بيروت، اشترت الدولة قطعة أرض صغيرة في بعبدا، ووضع الرئيس شمعون حجر الأساس للقصر الرئاسي الجديد سنة 1956. وقد عهد بالتصميم والتنفيذ إلى شركة سويسرية اعتمدت تصميماً هندسياً بسيطاً وحديثاً في آن معاً.
-
-
المصدر: الميادين نت
- 31 تشرين اول 2016
شركة سويسرية اعتمدت تصميماً هندسياً بسيطاً وحديثاً للقصر
لم يتقدّم العمل كثيراً بعد سنة
1958، وخصوصاً أن الرئيس فؤاد شهاب اختار تسيير شؤون الدولة من "فيلا"
في زوق مكايل في ساحل كسروان، ومن منزله المتواضع في مدينة جونية.
عندما تسلّم الرئيس شارل حلو
مقاليد الحكم سنة 1964، أقام في قصر مُستأجر في سن الفيل شتاء وفي قصر بيت الدين
صيفاً، واستؤنف العمل لإنجاز القصر الرئاسي الجديد في بعبدا. أشرفت وزارة الأشغال
على التنفيذ وساهم مدير الآثار آنذاك الأمير موريس شهاب واللبنانية الأولى نينا
حلو، في اقتراح تعديلات على التصميم العام للمشروع تُضفي طابعاً لبنانياً على
البناء، ليتماثل في المندلون الشرقي والقناطر والحجر الأصفر مع قصر بيت الدين
التاريخي الذي أصبح منذ العام 1946 المقرّ الصيفي للرئاسة اللبنانية.
الرئيس الذي استحدث ملجأ تحت القصر
ملالة للجيش اللبناني أمام قصر بعبدا الذي تعرض للقصف بالطيران عام 1990 (السفير)
انتقلت دوائر الرئاسة إلى قصر
بعبدا في بداية 1969، ودشّن الرئيس حلو العمل الرسمي في كانون الثاني 1969 بمناسبة
حفل الاستقبال التقليدي الذي يُقدّم خلاله رؤساء البعثات الدبلوماسية التهاني
لفخامة الرئيس بمناسبة العام الجديد. وفي 23 أيلول 1970 جرت مراسم التسليم
والتسلّم للمرة الأولى في القصر الجديد بين الرئيس شارل الحلو والرئيس المُنتخب
سليمان فرنجية.
لم يسلم قصر بعبدا من الحرب التي تعرّض لها الوطن في الثالث عشر من نيسان
1975. فقد اضطّر الرئيس فرنجية إلى إخلاء القصر في السادس عشر من آذار 1976، بعد
قصف مركّز عليه، أصابت قذائفه مكتب الرئيس ومنزله، ودمرّت اجزاء أساسية من قاعات
الاستقبال والمكاتب. تسلّم الرئيس الياس سركيس الحكم في 23 أيلول 1976، مكث أسابيع
عدّة في منزله حتى اكتمل ترميم ما تهدّم من قصر الجمهورية المُستهدفة. وقد اضطر
الرئيس سركيس خلال سنوات عهده، إلى استحداث ملجأ مؤقّت تحت القصر تفادياً للقصف
المُتجّدد الذي ألحق أضراراً فادحة به، جعلت رئيس الجمهورية محدود الحركة
والإمكانيات.
المرة الأولى التي خلا فيها القصر من رئيس
كرسي الرئاسة التي بقيت 900 يوم فارغة من دون رئيسها
بعد اغتيال الرئيس المُنتخب بشير
الجميّل بتاريخ 14 أيلول 1982، تم انتخاب شقيقه الرئيس أمين الجميل الذي أطلق بعد
تسلّمه السلطة في 23 ايلول 1982، ورشة ترميم وتحديث وتطوير للقصر في البناء
والحدائق والأثاث. لكن الحرب العائدة سنة 1983 في بيروت والجبل، جعلت القصر
الجمهوري مرة أخرى هدفاً للقصف، على خلفية ضغوط إقليمية ودولية مختلفة. وللمرة
الأولى بعد تشييده خلا القصر من رئيس للجمهورية في نهاية ولاية الرئيس الجميّل في
23 ايلول 1988. فالأزمة السياسية المُعقّدة، عرقلت انتخاب رئيس جديد لتنتقل السلطة
التنفيذية في الساعة الأخيرة من الولاية، بمرسوم من رئيس الجمهورية، إلى حكومة
عسكرية برئاسة قائد الجيش العماد ميشال عون، مهمتها تسيير عجلة الدولة وتأمين ظروف
انتخاب رئيس جديد للجمهورية.
عملية عسكرية تُخرِج عون من القصر
يوم أجبر العماد ميشال عون في 13 تشرين الأول 1990على الخروج من قصر بعبدا إلى السفارة الفرنسية
اعتباراً من 14 آذار 1989 قُصِف
قصر الرئاسة الذي دمّر بشكل كبير في حربي 1989 و 1990 بين القوات السورية والجيش
اللبناني بقيادة العماد عون.
لم يصل الرئيس رينيه معوض
المُنتخَب في 5 تشرين الثاني نوفمبر 1989 بعد أيام من إقرار وثيقة الوفاق الوطني
في الطائف إلى قصر بعبدا. فقد اغتيل يوم عيد الاستقلال 22 تشرين الثاني 1989 في
بيروت، ليخلفه الرئيس الياس الهراوي في 25 تشرين الثاني نوفمبر ويُقيم أولاً
في ثكنة عسكرية في أبلح في البقاع، ثم في مقرّ رئاسي مؤقّت في محلّة الرملة
البيضاء في بيروت.
ورغم العملية العسكرية السورية –
اللبنانية التي أخرجت العماد عون من القصر الرئاسي في 13 تشرين الأول أكتوبر 1990،
استمرّ الرئيس الهراوي وبسبب دمار القصر، مُقيماً في المقرّ المؤقّت في بيروت ثلاث
سنوات، عمل خلالها على إعادة بناء قصر بعبدا وإضافة بعض الأقسام عليه، وإعادة
تأثيثه وإعطاء مدخله الرئيسي مسحة جديدة. وقد انتقل الرئيس الهراوي إلى القصر
المُرمّم في تموز 1993 وبقي فيه حتى تشرين الثاني نوفمبر 1998 عندما سلّم الأحكام
والأختام إلى الرئيس العماد إميل لحود.
في الرابع والعشرين من تشرين
الثاني 2007 شغر كرسي الرئاسة مرة أخرى حيث غادر الرئيس لحود قصر بعبدا في الساعة
الأخيرة من نهاية ولايته من دون أن يتمكّن من تسليم مقاليد الحكم الى رئيس جديد،
بسبب الأزمة السياسية العاصفة التي أعقبت اغتيال الرئيس رفيق الحريري وانسحاب
القوات السورية من لبنان سنة 2005، والتي لم تسمح بإجراء انتخابات رئاسية. عادت
وأُضيئت مصابيح القصر وارتفع العلّم وانتصبت السيوف احتفاءً بالرئيس الجديد العماد
ميشال سليمان في 25 أيار 2008 بعد وضع حدّ للأزمة الوطنية في اتفاق الدوحة في قطر.