"جلال خوري" ركن هوى من المسرح اللبناني
عن 83 عاماً غيّب الموت المسرحي اللبناني الكبير "جلال خوري" بعد حياة معطاءة فنياً على مدى 55 عاماً، شارك خلالها في الحركة المسرحية الجديدة التي إنطلقت مطلع الستينات مع كبار( منهم:روجيه عساف، منير أبودبس، ريمون جبارة، نضال الأشقر) من فناني تلك الحقبة، وكان ممن ترجم الكثير من النصوص الأجنبية وقدّمها على الخشبات اللبنانية المختلفة، وعرف بأنه ودود، ذو طبع سمح، وصوت خفيض رغم طوله الفارع، وعرفه تلاميذه ما بين جامعتين:اللبنانية، والقديس يوسف، بالمشارك لهم في نشاطاتهم، وحتى في رحلات الترفيه التي ينظمونها من وقت لآخر.
المخرج الراحل كان باحثاً إلى جانب عمله الميداني. إرتبط بالثقافتين الإنكليزية والفرنسية بشكل وطيد وعميق، وكانت الغاية فقط ضخ الثقافة العربية بهذين الرافدين الثريين، وليس اللجوء إليهما بديلاً للغة الضاد والمشتغلين بها، مما عزّز ميدانياً التزاوج الحضاري، وأثمر أعمالاً لها وزنها ما زال صداها الإيجابي يتردد منذ عشرات السنين وحتى الآن، في محاولة لرأب الصدع الثقافي الموروث من شريحة معطاءة، لأي إحتكاك أم مصاهرة مع الثقافات المتقدمة في العالم، ولم تكن معركة "جلال" صعبة في ذلك الوقت، لأنها تزامنت مع ظروف سياسية في المنطقة حتمت إبراز لبنان لوجهه الحضاري ثقافياً لكي يحتل مكانته المرموقة على خريطة المنطقة.
الأستاذ الجامعي، الباحث المغرّد لوحده في سرب خاص، المخرج الموسوعي الذي كان الأجرأ بعد طي الحرب على لبنان لصفحتها الدموية، عندما قدّم المسرحية الرائعة "بنسيون الست نعيمة" عن نص لـ "أسامة العارف" وبطولة موفقة جداً للزميل "عبيدو باشا" في دور منظّر وطني ضد الإنعزالية والصهيونية، يصطدم بواقع غير مسبوق حين تجتاح القوات الإسرائيلية بيروت، ويدخل جندي إسرائيلي شاب يسأل عن إسم يعمل في البانسيون الذي يديره "عبيدو"، وعندما يلتقيان يتبين أن المنظّر الوطني خاض علاقة مع شابة بولندية وأنجبت صبياً ها هو اليوم جندي في "جيش الدفاع الإسرائيلي". إلى ذلك في سجل "جلال" أعمال بارزة أخرى، كالتي أخرجها أولاً عام 62 بعنوان "الرفيق سجعان"، ثم تميزت له أعمال أخرى( شكسبير إن حكى، خدني بحلمك مستر فرويد، وفخامة الرئيس) وكان خاض تلاسناً مع مدير مسرح "مونو" "بول مطر"، بشأن كيفية دفع بدل إستئجاره لصالة المسرح، وتردد أن مخرجنا تعرض لبعض اللكمات من مطر.
"جلال خوري" يغيب، هذا يعني أن خسارة كبيرة تعرّض لها المسرح اللبناني، لمخرج لم يكن يغيب عن العرض الأول لأي مسرحية يُدعى إليها، وكان يحضر ومعه كاميرا فوتوغرافية محترفة، يرصد بها أهم المشاهد ويحتفظ بها في أرشيفه، وهو بالمناسبة صاحب عين بالغة الحساسية في إلتقاط ما يريد تصويره. يرحل "جلال" والصحة لم تكن متوعكة، بل هو القضاء والقدر وحسب.