"إيلي كمال" يرسم بالكاميرا أجمل اللوحات التشكيلية
معرفتنا بالكاتب والمخرج اللبناني "إيلي كمال" مسرحية من خلال "لغم أرضي" (بطولة زوجته ندى أبو فرحات، وعمار شلق)، وكان عندنا فضول للتعرف على مناخه السينمائي من خلال أول شريط طويل له بعنوان "Beirut terminus" (بيروت المحطة الأخيرة) الحائز على جائزة أفضل عمل غير روائي في مسابقة "آفاق السينما العربية" ضمن فعاليات الدورة 41 من "مهرجان القاهرة السينمائي الدولي" الذي إختتم في 29 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي.
71 دقيقة ممتعة مشهدياً بما يسمح للعين أن تغوص عميقاً ثم تحلق عالياً مع سياق متدفق من اللقطات التي تبث سحراً في النفس رغم الأسف الشديد على نسبة الإهمال في خطوط السكك الحديد والقطارات المتروكة لعوامل الطبيعة تفتك بها، بعدما إستغلت إبّان الحرب على لبنان كمتاريس، وغرف تعذيب، وسجون، وتبدو اليوم شاهدة على القصور الرسمي في إستغلال هذا المرفق الذي أدخل القطار إلى الأراضي اللبنانيةعام 1895 حين كان لبنان جزءاً من السلطنة العثمانية كسائر الدول المجاورة. وتجول الكاميرا على أكتاف ثلاثة مصورين (إيلي، ومعه بول سيف، وإلياس دعبول) واضعة إيانا في رحاب بستان رحب من الألوان والأشكال وإن تكن في جزء كبير منها رمادية بلون الركام وخضراء بعدما زهّرت النباتات بين قضبان السكك المهملة وفي نسيج المقطورات المختلفة والموزعة بين بيروت وطرابلس ورياق بشكل أساسي.
عين الكاميرا تفاجئنا في معظم اللقطات تدخل من فتحات الدماركأنها من قناصي الحرب السالفة، وتصعد إلى أقصى إرتفاع راصدة من فوق المشهد كاملاً حيناً وقريباً جداً حيناً آخر، ثم تتقدم ببطء تدور حول ما تبقّى من العربات القديمة التي يعود تاريخها إلى عهد السلطنة العثمانية، وحين أراد الحلفاء في الحرب العالمية الأولى وقف الإمدادات البرية للعثمانيين كلفوا يومها "لورانس العرب" (توماس إدوارد لورانس) بتدمير سكك الحديد والقطارات وورش الصيانة وبينها واحدة كانت ناشطة في رياق لمنع أي خط من خطوط الإمداد البري من التوقف، وتشير المعلومات إلى أن "لورانس" إعتقل لفترة في هذه المنطقة فبل إطلاقه، لكن خدمات هذه المحطات لم تكن أبداً تقدم خدمات نقل للمواطنين.
الشريط يشكل في جانب رئيسي منه جزءاً من رواية عن الحرب على لبنان بين عامي 1975 و1990 ويطل المخرج "كمال" بين وقت وآخر متحدثاً عن تجربته الشخصية خلال الحرب وميله إلى الأجواء التي كانت سائدة في الشطر الغربي من بيروت وعندما زارها لأول مرة إستأنس بالأجواء ولم يجد فارقاً بين شرق وغرب العاصمة، وشعر أن الهم واحد ، ملاحظاً وهو يتحدث عن الحرب السالفة أنها طويت من دون تحميل أحد مسؤولية مئات ألوف القتلى والجرحى كما لم يُحاكم أحد ودخل العفو العام حيز التنفيذ. الشريط قوي وجميل وعميق، وتم إنتاجه بشكل مشترك بين "جانا وهبة" وسوق دبي السينمائي – برنامج إنجاز، وأنجز موسيقى تصويرية منسجمة مع اللوحات الرائعة المؤلف نديم مشلاوي، وتولت الصوت "كارين باشا".