سالم السنكري يروي تجربة أسره في سجون الإحتلال

شارك سالم السنكري أحد كوادر قوات البحرية في حركة فتح في تدريب الشهيدة دلال المغربي وفي عملية السفينة "كارين اَي" عام 2002.

سالم السنكري أسير لمرتين في سجون الإحتلال

انتسب سالم السنكري إلى حركة فتح عام 1974، وعمل في صفوفها كمُتطوّعٍ في معسكرات مخيميّ البارد والبداوي. ومعسكرات سوريا ولبنان واليمن وشارك في العديد من العمليات ضد الكيان الصهيوني.

التحق السنكري في العديد من الدورات العسكرية المهمّة منها دورة "ضفادع بشرية" في الميناء البيضاء في اللاذقية عام 1977 و1978. ودورة مظلّيين لثلاثة أشهر في اليمن. ودورة قيادة غوّاصات في يوغسلافيا لمدة 7 أشهر.

ويروي السنكري أنه في فترة ما قبل إتفاق أوسلو وبعده تمّ دَمْج البعض من كوادر حركة فتح في الجيش اليمني كخُبراء يُستفاد من تجربتهم. كما يكشف أنه شارك في فترةٍ من الفترات كمُدرّبٍ في الجيش اليمني.

وفي وقتٍ لفت فيه إلى أن حركة فتح  كان في حوزتها طيران حربي وطائرات هليكوبتر في اليمن وليبيا وفي نيكارغوا، قال إنه في اليمن كنا نستعمل هذه الطائرات بالتنسيق مع الجيش اليمني.

يختصر الأسير المُحرَّر السنكري تجربته النضالية بمحطّات أساسية:

-الأولى هي يوم ذهاب السادات إلى تل أبيب وخطابه في القدس، حيث كان  الاستعداد لتنفيذ عملية عسكرية في  فلسطين في نفس اليوم ذاته.

ويقول "للأسف لم تتمّ العملية وفي نفس اليوم  شنّت إسرائيل عدّة غارات على معسكرات فتح من جهة الصرفند جنوب لبنان وتمّ الاشتباك معهم".

- المحطّة الثانية في مشوار الأسير المُحرَّر سالم السنكري هي تدريب دلال المغربي ورفاقها. يقول: "شاركت في تدريب مجموعة عملية  الشهيد كمال عدوان الذين كان عددهم 13 شخصاً والتي قادتها الشهيدة دلال المغربي.  وقد نفّذت عملية في 11 آذار/ مارس 1978. حيث أبحرت السفينة من مدينة صور في جنوب لبنان إلى قبرص.

ويُضيف في منتصف الطريق، خذل ربّان السفينة المجموعة ولم يوصلها إلى النقطة المطلوب الوصول إليها ، بل أنزلها في نقطة أخرى.

ويشرح السنكري هنا "بأن نزولهم قبل النقطة المُتّفق عليها يعني نفاذهم من البنزين لتعبئة الزوارق التي هي أساس مهمّتهم للوصول إلى شواطئ تل أبيب، مضيفاً مجموعة دلال المغربي بالكاد وصلت إلى شواطئ تل أبيب عبر استعمال الجدّافات  اليدوية. وتمّ تنفيذ العملية وتمّ خطف باصين من المستوطنين بعد مطاردتهما، وجرى تبادل إطلاق النار مع الجيش الصهيوني، وتمّ قتل عدد كبير من الصهاينة قبيل استشهاد دلال ورفاقها.

ويروي السنكري "أن هذه  العملية كانت بإشراف أبو جهاد الوزير الذي بقيّ على اتصالٍ مع دلال ورفاقها حتى لحظة استشهادهم".

ويعود بذاكرته حينذاك إلى ما قاله الشاعر نزار قباني: "بأن دلال أقامت الجمهورية الفلسطينية، ورفعت العَلم الفلسطيني، ليس المهم كم عُمر هذه الجمهورية، المهم أن العَلم الفلسطيني ارتفع في عُمق الأرض المحتلة على طريق طوله 95 كيلومتراً في الخط الرئيسي في فلسطين".

كما أكّد بأن هذه العملية هي التي جعلت إسرائيل تجتاح جنوب لبنان بعد ثلاثة أيام في 14 آذار/ مارس 1978. وقد شارك السنكري في صدّ هذا الإجتياح من خلال مشاركته بعدّة عمليات  عسكرية ضدّ جيش الاحتلال الصهيوني.

- ويتابع الأسير المُحرَّر السنكري سرد المحطّة الثالثة  بقوله:

"في 1984 أو 1985  أبحرنا من تونس إلى الجزائر ثم مصر عبر البحر ونقلنا سلاحاً لتنفيذ عملية في إيلات المحتلة ، إلا أنه تمّ كشفنا في مصر وتم توقيف السفينة أربعة أيام ثم أفرجوا عنا وتركونا. وأمرونا بمغادرة المياه الاقليمية المصرية. ذهبنا فوراً إلى تونس فرفضت دخولنا . وحدث أن تغيَّرت الأجواء البحرية وأبحرنا حتى شواطئ إسبانيا التي كذلك أمرت أن نغادر مياهها الإقليمية، ومن ثم غادرنا إلى الجزائر وسُمِحَ لنا بالتوقّف هناك وقد عملت مع قوات فتح .

-المحطّة الرابعة كانت مفصلية عند السنكري حيث تمّ اختياره للمشاركة في عملية عسكرية بحرية بإشراف أبو جهاد الوزير ونائبه محمود العالول ، هدفها شنّ هجوم مباشر على وزارة الدفاع الصهيونية في تل أبيب، المجموعة أبحرت من الجزائر فتونس فليبيا فمصر عبر سفينة مُجهّزة بشكلٍ ممتازٍ بكل ما يلزم لإنجاح العملية.

تمّ الإبحار بنجاح، وكان يفترض حسب الخطة أن نستعمل الزوارق الحربية التي بحوزتنا عند الوصول لمسافة 60 ميلاً عن شواطئ إيلات، لكن بعد مسافة السبعين ميلاً اعترضتنا الزوارق الإسرائيلية، وبدأوا بإطلاق النار علينا لتخويفنا وتمّ تبادل إطلاق النار معهم حتى نفد سلاحنا.

للأسف تمّ أسري مع 7 من رفاقي في 21  نيسان/ إبريل 1985. واستشهد 22 من الرفاق.  

كان هنا اتفاق بين الرفاق أن أي شخص واجبه ألا يعترف أنه يعرف أحداً. وبعد أسرنا سنة ونصف السنة تمّت المحاكمة  فحُكِم عليّ بالسجن 7 سنوات .

في السنة والنصف السنة تمّ تعذيبنا بشكلٍ لا يوصَف حيث كنا نوضَع تحت المياه الساخنة جداً تارة وتارة أخرى تحت المياه الباردة جداً .

 ويكمل السنكري قصته: "أول سنة مضت من دون شمس.  وقد تنقّلت في عدّة سجون: عسقلان وعتليت والرملة وكفريونا ثم مرة أخرى إلى عسقلان.

ويُضيف: في التحقيق معي اكتشفت بأنهم يعرفون إني كنت تدرّبت في يوغسلافيا.

ولا ينسى السنكري ما قاله ردّاً على القاضي الصهيوني الذي سأله إن كان لديه طلب أخير قبل النُطق بالحُكم النهائي عليه: 

بسم الله، بسم الفتح، بإسمك يا فلسطين أعلنّاها للملايين. المجد والخلود لشهدائنا الأبرار وإنها لثورة حتى النصر. ثم ردّدها الأسرى معي. ومن ثم تمّ نقلنا إلى سجن الرملة.

ويتذكّر جداً يوم 30 أيار/ مايو عام 1990  عندما فتحنا التلفاز في السجن وعلمنا أن جبهة التحرير الفلسطنية بقيادة أبو العباس نفّذت "عملية القدس البحرية"، ودخلت مجموعات من المناضلين باتجاه شواطئ فلسطين المحتله في زوارق بحرية عسكرية مُجهّزة براجمات الصواريخ ومُضادّات الطائرات وأسلحة أخرى متنوّعة. وهنا يقول السنكري كنت في هذا الوقت في سجن عسقلان وتمّ الاحتراز في اعتقالنا.

ويستطرد سالم السنكري هنا بقوله: عمليات الإضراب في الأسْر هي بحد ذاتها رواية جميلة ، حيث أصبحت لدينا خبرة ممتازة في كيفيّة أن نجعل لأيّ إضراب  إنجازات مهمة .. وهكذا أجبرنا الصهاينة عدّة مرات أن يُدخِلوا على غرف الأسرى التلفزيون والراديو. حيث كانوا بعد كل إضراب يُجبروننا بأن نُسلّم لهم هذه الأجهزة.

اختار  السنكري بعد الإفراج عنه عام 1992 مع إثنين من رفاقه، الإقامة في الجزائر  بعد أن خُيِّر بين البقاء في الداخل أو الخروج، حيث يقول: اخترت الخروج ، فتمّ تسفيري إلى سويسرا ثم ذهبت إلى الجزائر وأقمت لمدّة خمسة أشهر ، بعدها سافرت إلى تونس وعملت في مكتب رئاسة الشهيد ياسر عرفات لمدة قصيرة ثم أقمت في اليمن.

- المحطّة الخامسة هي عام 1994 عند الدخول إلى غزّة بعد إتفاق أوسلو ذهب  السنكري ككادرٍ في قوات فلسطينية للدخول إلى غزّة، لكنه مُنِعَ من قِبَل المصريين مع كثيرين. ويروي: أنه حدثت مشاكل وأضربنا وبقينا في السجن  في مصر 5 أشهر في سجن القناطر. بعدها تمّ تسفيري إلى اليمن.

عام 1995 تزوّج السنكري من فلسطينية تُقيم في اليمن وله منها 6 أولاد. وبقي مُقيماً فيها إلى وقت عملية السفينة "كارين أي" عام 2002.

يقول اتصل بي  القبطان عمر عكاوي- وهو أسير محكوم لمدة 25 عاماً – وطلب مني المجيء إلى لبنان والتواصل مع شخصيات فلسطينية وتمّ العرض عليَّ بأن أشارك في عملية السفينة "كارين أي" ووافقت بكل سرور. 

ويضيف السنكري: "ثم ذهبت إلى اليمن وأقمت في مرفأ الحُديدة حوالى شهر مع عكاوي. ثم أبحرنا إلى عجمان وتوقّفنا هناك إثر عُطل في السفينة فتمّ إصلاحها.

ويكمل السنكري سرده: عدنا وأبحرنا  إلى دبي ثم إلى عَرض البحر ما بين إيران والعراق وتمّ إعطاؤنا سلاحاً  ما يعادل 50 طناً إسلحة من سفينة أخرى كانت تنتظرنا فتمّ نقل كل ما عليها من أسلحة.

يقول سالم الأسير المُحرَّر تم كشف السفينة وأُسِرنا في منطقة البحر الأحمر قرب الحدود السعودية. وفوجئنا بإنزال إسرائيلي علينا في منتصف الليل عند الفجر.

ويذكر سالم إنه فور الإنزال الإسرائيلي على السفينة ولحظة وضْع الجنود الصهاينة الكيس في رأسي ألهمني الله أن أدعوه بأن يُلهم سماحة السيّد حسن نصرالله  بألا يوافق على أية عملية تبادل  للأسرى إلا ونكون من ضمنها.

في السفينة قال الضابط الصهيوني" أنت السنكري كنت عندنا أسيراً من قبل، وأجبته صحيح .

ولا يستبعد السنكري أبداً أن يكون قد تمّ كشف العملية قبل صعودنا إلى السفينة من قِبَل بعض الأشخاص الذين كان يفترض أن يشاركوا معنا في العملية إلا أنهم آخر لحظة تركونا خوفاً من أية عاقبة.

وفي التحقيق وضعوني في ( غرف الجواسيس).

عرف الضابط اني أعرف غرف الجواسيس. وفي تحقيق وضِعتُ على كرسي الكذب واتهموني أني كذبت في خمس نقط.

ويتذكّر سالم أنه تمّ وقف المفاوضات عدّة مرات لأجل خروجي ضمن الصفقة قبل أن يُفرَج عني

 تعرّضت لتعذيبٍ نفسي. وتمّ سجني حتى عام 2004 يوم تبادُل الأسرى مع حزب الله.

ويختم سالم اللقاء معه بواقعةِ حدثت معه في سجن عسقلان فور منعه من المشي في ساحة السجن، وقال للسجّان الصهيوني: "إمشِ لوحدك فيها، بكرا بيجي حزب الله بطلّعني، فأجابني: إحجز سريراً جنبك للسيّد حسن نصر الله . وأجبته بكرا بنشوف".

وبالفعل عند التبادُل  قال السجّان الصهيوني للأسير السنكري: "هذه ظبطت معك"!