مسارات "امشي" تكرس الارتباط بفلسطين أرضاً وتاريخاً وثقافةً
تواصل مجموعة "امشي - تعرّف على بلدك" مساراتها في أنحاء فلسطين أسبوعياً، وقد أنجزت أكثر من 200 مسار خلال 6 سنوات من انطلاقتها كفعلٍ مقاوم، وكردٍ على المحظورات الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني.
ست سنوات مرت على إنشائها، وما تزال مجموعة "امشي- تعرّف على بلدك"، تواصل التجوال الأسبوعي على المعالم الفلسطينية، الاجتماعية، والطبيعية، والتراثية، كمحاولة لتجاوز المحددات العنصرية التي يفرضها الاحتلال على الأرض من خلال تنظيم مسارات للمشي، تحدوها رؤية الارتباط بفلسطين، والتعرف عليها أرضاً وتاريخاً وثقافةً.
أبرز أهداف مسارات الفريق الاستراتيجية هو: التعريف بفلسطين داخلياً وخارجياً، وتوثيق المسارات من حيث المعلومات الجغرافية والتاريخية والتنوع الحيوي، ونشر ثقافة المشي والتوسع بها كفعل مقاوم.
أما الواقع الذي دفع هذه المبادرة للخروج إلى النور، فهو أنه بعد الانتفاضة الثانية، ومع توسع الاستيطان بشكل غير مسبوق، وقيام الجدار العنصري، وما شكّله من إجراء عنصري للحد من الحركة، والانتقال للفلسطيني فوق أرضه، ومع حالة الترهيب التي كان يقوم بها المستوطنون من أجل منع الناس الوصول إلى أراضيهم ومزارعهم، كان رد الفعل لدى بعض الشباب والشابات خلق مجموعة تأخذ على عاتقها مهمة تشجيع الناس، من كل الفئات العمرية، من أجل البدء بتنظيم مسارات فوق الأرض الفلسطينية، تخرق المحظورات، على اعتبار أن المشي هو ممارسة للحرية، وجزء من حركة الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال، والاستيطان، والتهويد، وضد طمس الوجود الفلسطيني، والتاريخ، والهوية، والرموز.
حققت "امشي" عشرات المسارات، يعرض نماذج منها أحد ناشطيها أحمد الزاغة:
مسار وادي المكليك - اريحا
الوجهة مدينة القمر اريحا للمشي في أحد وديانها، وهو وادي المكليك.
يبدأ المسار قبيل الفجر، بمحاذاة حاشية الطريق نزولاً.
الطريق وعرة، مليئة بالحصى، والحفر، والصخور، ثم يبدأ الصعود تارة، والنزول أخرى، وضوء النهار يبدأ بالبزوغ شيئاً فشيئاً، وصولاً إلى منطقة تدعى "المطل"، حيث تشرف على البحر الميت، وهي تحوي الكثير من الخنادق العسكرية.
في المسير نزولاً يظهر كيف نحتت الطبيعة الصخر، بخطوط متوازية، وكأن فناناً مرّ بها، وكيف ترتبت الصخور بشكل منحنٍ، وطائرٍ عن أخواته، ليشكل المغر والكهوف.
يقول الزاغة "وصلنا في تمام الساعة السابعة والنصف لمنطقة خلابة بصخورها، ونحوتها، وكأن معمارياً مر بها، ورسمها، أو هيأها لراحة الرعاة، ومواشيهم، منها خشن، ومنها ناعم الملمس".
يتواصل الصعود تارة أخرى، ولكن بوعورة أكثر، وخطورة أعلى. ليس هناك لون آخر سوى الصخور الصفراء أو البنية أو البيضاء حيث لا عشب ولا شجر فيها، ولكنها خلابة بمعانيها، وضخامتها.
يروي الزاغة إنه "كلما تابعنا المسير في مجرى الوادي، كلما زادت المفاجآت. تشعر بالتعب، ولكن لا تشعر بالملل، وما هي إلا لحظات حتى يلوح منظر خلاب لثلاثة كهوف كبيرة نسبياً منحوتة في الصخر، ويبدو أنها تستخدم كمأوى للخراف، والماشية من قبل الرعاة في هذه المنطقة".
استغرق مسار المكليك مجموعة "امشي" أكثر من 4 ساعات، قطعت خلالها 12 كيلومتراً في جبال ووديان من فلسطين في رحلة عمقت الإحساس بالانتماء للوطن، وتعرّفت المجموعة على قيم جديدة فيه.
مسار عين عريك – بيت عور التحتا
بدأت الرحلة فجراً، وكان في الحافلة 50 شخصاً من الجنسين، ومن مختلف الأعمار، ومن ضمنهم أطفال.
تحركت الحافلة نحو عين عريك. بدأ المسير بصعود الشارع الإسفلتي، ثم تواصل الصعود في طريق ترابية تحيطها السلاسل على الجانبين، وبعض أشجار الزيتون.
الفجر بدأ يلوح في الأفق، وزقزقة العصافير تشدو بفرح. مشى الفريق حوالي الكيلومتر صعوداً حتى أصبحت الطريق مستقيمة نوعاً ما، وأصبح المشهد مختلفاً، فالنباتات البرية تغطي الصخور، وتنفتح نافذة في الوادي من الأسفل لتظهر القرى الفلسطينية في المنبسطات كقرية دير ابزيع، ومستوطنات أقيمت على قمم الجبال التي سلبت من أصحابها الأصليين.
تابع الفريق مساره، وبعد ساعة وصل إلى منطقة مشجرة، وفيها بيت قديم مهجور، محاط بقلع صخرية مبنية فوق بعضها كأنها آثار الأقدمين.
وتسلق الفريق سطح المنزل الذي له طلة خلابة على الوديان أسفله، والجبال أمامه.. استخدم المشاركون درجاً خشبياً موجوداً في فسحات المنزل للوصول للأرض في الأسفل، وسياجاً يحيط بها، وفيها أشجار الزيتون، والسرو، والصنوبر.
يعلق الزاغة على مشاهداته بقوله "رغم أننا نعيش على هذه البقعة، إلا أننا نجهل قيمتها وروعتها. إن هذا التنوع في تضاريس فلسطين يعطيها السحر والجمال، فمن مسار الوادي تحت مستوى سطح البحر".
"إلى الجبال التي ترتفع 800 متر فوق سطح البحر، من أرض جرداء إلى أخرى متوسطة الخضار إلى ثالثة مخضرة تماماً إلى سهولها، صحاريها، وشطآنها، والتي حرمنا منها. إن هذه النعمة هي التي جعلت الكثير يطمعون باحتلال أرضنا، وسلبها، وتشريد سكانها الأصليين".