السعودية مكشوفة.. من يتولى المهمة؟
تنظر الرياض إلى أنقرة كخطر كامن قد يفوق بمنظورها الخطر الإيراني. التوتّر غير المعلن الذي بدأ منذ سنوات قد يتحّول إلى مواجهة علنية عام 2018. تاريخياً احتاجت المملكة لحمايتها إلى قوتين: قوة عالمية تمثلت في الولايات المتحدة وقوة إقليمية غابت بعد سقوط نظام مبارك، الأمر الذي كشف أمنها. الأكاديمية السعودية مضاوي الرشيد تشرح أبعاد هذه المحاور وتفنّد التحديات التي تواجه السعودية هذا العام ضمن ملف "2018.. المخاض العسير".
ملفات عدة خطيرة ستكون مطروحة على طاولة صنّاع القرار في السعودية هذا العام. المواجهة مع تركيا هي واحدة من الاستحقاقات التي ربما تبدأ هذا العام أو في سنوات لاحقة. تنظر الرياض إلى أنقرة كخطر أيديولوجي كامن قد يفوق بمنظورها الخطر الإيراني. وراء هذا المنظور في العقل السعودي أسباب عدة.
الملفات الداخلية والاقتصادية والأزمات المفتوحة في الإقليم وخسائرها المتلاحقة من سوريا إلى اليمن هي بالتأكيد جزء من التحديات التي يتعيّن أن تتعامل معها. لكن هناك أمراً لا يقلّ أهمية عن ذلك وقلّما يجد طريقه في المعالجة الإعلامية للشأن السعودي المتطوّر والمتسارع.
تركيا لا إيران.. الخطر المسكوت عنه
قلّما يجري الحديث عن المنافسة التركية السعودية في المنطقة. غالباً ما يطفو الصراع السعودي الإيراني على واجهة الأحداث.
حاولت السعودية التعاون مع الحكومة التركية في الملف السوري وفشلت، لا سيما بعد أن توترت علاقتها مع قطر. قرر أردوغان أن ينحاز إلى قطر لأسباب وجيهة سوف يرد تفسيرها في السطور المقبلة.
يتمثل الخطر الإيراني من منظور السعودية في امتداداته العسكرية واختراقه المجتمعات العربية. تعتبر السعودية أنها خسرت لبنان وسوريا والعراق واليمن لصالح إيران. لكنّ الخطر الفكري والإيديولوجي وفق المنظور السعودي لا يأتي من إيران بل من تركيا. لماذا؟
تمثل تركيا نمطاً إخوانياً معتدلاً استطاع أن يحقق إنجازات اقتصادية وأن ينخرط في عملية سياسية ديمقراطية ضمن تعددية حزبية. هذا النمط له بعد اجتماعي وسياسي في السعودية. كثير من السعوديين الإسلاميين يتطلعون إلى النموذج التركي لاسيما بعد عام 2011. هؤلاء رحبوا أيضاً بوصول الإخوان المسلمين إلى السلطة في مصر باعتبارهم نموذجاً للإسلام والديمقراطية.
إذاً النموذج التركي هو ما يخيف السعودية رغم خطابات التصالح والتعاون بين البلدين. لذا سرعان ما توتّرت العلاقة مع تركيا على خلفية المواجهة السعودية مع قطر. هذا التوتّر قد يتحّول إلى مواجهة علنية عام 2018 أو في سنوات لاحقة.
فضّلت تركيا أن تتعاون مع قطر لأنها تعلم أن السعودية ستقوض التجربة التركية حتى لا يكون لها بعد فكري داخل حدودها.
العام الماضي فضح ملف كردستان العراق الخطاب السعودي. كانت السعودية والإمارات من أكثر الداعمين لاستقلال كردستان إعلامياً. أرادا أن تكون كردستان بؤرة بين تركيا وإيران. هذا الهدف جمعهما مع إسرائيل.
فشل المشروع كرّس العلاقة بين تركيا وإيران. ربما يختلف البلدان في قضايا محددة لكن بالتأكيد لديهما مصلحة مشتركة بعدم السماح لدولة كردية بأن تنشأ في قلب هذه المنطقة. الصراع السعودي الإيراني أمر مسلم به وسيبقى عام 2018 لكن هناك بوادر تشير إلى أن الصراع التركي السعودي ربما يتطور.
البحث عن حليف إقليمي يقوم بالمهمة
تفتقر السعودية إلى بعد اجتماعي واسع. كنظام ملكي مطلق فرض آل سعود نفسهم على المجتمع. تاريخياً احتاج هذا النظام لحمايته إلى قوتين: قوة عالمية تمثلت في الولايات المتحدة وأعيد تجديدها أخيراً إثر فوز ترامب بالرئاسة الأميركية، وقوة إقليمية تضمن سلامتها. الأولى قضية معروفة ولكن لماذا تحتاج إلى قوة إقليمية؟
في أي حرب كالتي تشنها اليوم على اليمن، تحتاج السعودية إلى جنود على الأرض. الولايات المتحدة ليست مستعدة أن توفر لها هذا الدعم إلا في حالات خاصة كما حصل عام 1990 عندما غزا صدام حسين الكويت. لكن في معظم الأحيان تحتاج إلى دولة إقليمية لتفعل ذلك.
مصر في عصر أنور السادات وفي عصر حسني مبارك كانت الحليف الإقليمي الذي يمكن أن يناط به هذا الدور. لذا اعتمدت على خبرات الجيش المصري العسكرية والاستخبارية، كذلك على الأردن وعلى المغرب في مراحل معينة.
بعد عام 2011، أصبحت مصر على فوهة بركان وخسرت السعودية حليفها الأول في المنطقة، حسني مبارك.
علاقتها مع نظام زين العابدين بن علي لا تبتعد من هذا الإطار. هناك مؤسسة للتجسس والخبرات العسكرية في تونس كانت ممولة من الأمير نايف بن عبدالعزيز، وزير الداخلية السعودي السابق وكان يتم من خلالها توفير الخدمات الأمنية للسعودية.
هكذا نفهم العلاقة مع إسرائيل
خسرت السعودية كل هذا البعد الإقليمي. بعد سقوط مصر في يد الإخوان المسلمين حاولت أن تنوع مصادرها. وجدت ضالتها في الأردن والمغرب خلال عهد الملك عبدالله فاقترح ضمهما إلى منظومة مجلس التعاون الخليجي إلا أن اعتراض دول خليجية حال دون ذلك.
تدرك السعودية أنها لا تستطيع أن تواجه إيران إلا بقوة عسكرية إقليمية أخرى. من هذا المنطلق تلتمس من إسرائيل تلك القوة وإمكانية التعاون الأمني والعسكري. انتقال ملكية جزيرتي تيران وصنافير إليها سيكون لهما أهمية عسكرية في إطار هذا التعاون، بعد أن أصبح لها حدود مشتركة مع فلسطين المحتلة.
العلاقة مع إسرائيل تخدم وظيفة أخرى. استطاع محمد بن سلمان أن يضمن قبول ترامب به ملكاً مقابل التطبيع مع إسرائيل.
هو لا يهمه أن يرتفع علم إسرائيل في الرياض. ما يهمه أن تكون إسرائيل حليفة للسعودية. بوادر هذ التوجه بدأ ينعكس في الصحافة السعودية. كتاب ومثقفون سعوديون باتوا يتجرؤون على كتابة مقالات تشير إلى أن إسرائيل ليست عدواً.
احتقان قابل للانفجار
أحد الملفات الهامة يتمثل في تداعيات الموقف السعودي من قضية القدس. هل سيقبل المجتع السعودي بهذه اللامبالاة الرسمية؟ كل برأيي سيؤدي إلى احتقان، قد ينفجر في أي لحظة في عام 2018 أو قد يتم إخماد أي تحركات سياسية في الداخل السعودي.
يأتي هذا الموقف الرسمي معطوفاً على خطوات تطبيعية ينفيها الموقف الرسمي السعودي. أسميه سياسة النفي رغم التقارير التي خرجت من صحف غربية وإسرائيلية، كذلك من مراكز أبحاث غربية، حول علاقات كبيرة اقتصادية وأمنية بين السعودية وإسرائيل.
لاحظنا الزيارات التي قامت بها شخصيات سعودية واللقاءات العلنية مع مسؤولين إسرائيليين ويهود. مثل هذه الخطوات أرادت الرياض من خلالها أن تجس نبض الشارع السعودي. وعندما اعترض المجتمع السعودي إلكترونياً كونه ممنوع من التظاهر وجدنا التنصل الرسمي. لكن نحن في دولة تتدخل في الشاردة والواردة. من المستحيل أن يزور شخص سعودي إسرائيل من دون تغطية رسمية. كذلك وجدنا إسرائيلياً يدخل السعودية بجنسية مختلفة ويزور المدينة المنورة وينشر صور على انستغرام. ما معنى هذا؟ هو تمهيد وجس نبض للشارع السعودي