دروس الشرق الأوسط تظهر في معارض السلاح
الخط العام للمُنتجات العسكرية الجديدة التي شهدتها بعض معارض الأسلحة العالمية مؤخراً يؤشّر إلى عقائد عسكرية جديدة على مستوى التكتيكات والإستراتيجيات.
شهدت الأسابيع الماضية إقامة عددٍ كبيرٍ من المعارض العسكرية العربية والدولية، بشكل بات يعكس الاهتمام العالمي، والعربي بشكلٍ خاص بالتصنيع العسكري، وذلك كإحدى نتائج سياسة "التجارب القتالية" التي اتّبعتها بعض الدول الكبرى في المجال العسكري مثل روسيا والولايات المتحدة وفرنسا، أثناء مشاركة وحداتها العسكرية في مهام عسكرية مختلفة في قوس شرق أوسطي واسع يمتد من مالي والنيجر وليبيا غرباً إلى سوريا والعراق وأفغانستان شرقاً. من أهم سِمات هذه المعارض أنها باتت الوجهة الرئيسة للدول المُصّنعة للأسلحة والمنظومات العسكرية، من أجل الكشف لأول مرة عن مُنتجاتها الجديدة، والتي تظهر فيها صبغة التطوير المبني على الدروس المُستفادَة من المشاركات العسكرية لجيوش هذه الدول أو دول أخرى في النقاط العسكرية والأمنية الساخِنة حول العالم، كما يظهر من الخط العام لهذه المُنتجات الجديدة أنها تؤشّر إلى عقائد عسكرية جديدة على مستوى التكتيكات والإستراتيجيات.
"إسرائيل" تكشف عن الطائرات المسيّرة الأخفّ وزناً
البداية هي مع معرض باريس للأمن والدفاع المدني "Milipol 2019"، والذي استضافته العاصمة الفرنسية في الفترة ما بين 19 و22 من تشرين الثاني/نوفمبر، وهي الدورة 21 لهذا المعرض المُتخصّص في الحلول الأمنية والمعدّات الخاصة بالدفاع المدني والشرطة. وقد شارك في معرض هذا العام نحو 1000 عارِض من 52 دولة، من ضمن المشاركين في معرض هذا العام كان شركة "ألبيت" الإسرائيلية، التي عرضت الطائرة التكتيكية من دون طيّار "Magni"، وهي النوع الثالث والأخفّ وزناً من أنواع الطائرات من دون طيّار ذات الإقلاع العمودي التي تنتجها هذه الشركة، حيث سبق وقدَّمت نوعين آخرين هما "Thor" و"Nox". هذه الفئة من الطائرات تتخصّص في مهام مواكبة الوحدات الراجِلة والمُدرَّعة أثناء تحرّكها، وتوفير معلومات آنيّة عن حال أرض المعركة والمناطق التي تتّجه إليها القوات المتحرّكة، ما يوفّر لها القدرة على رصد وتقييم كافة التهديدات المُحتَملة او المؤكَّدة، وتحديد ما إذا كانت مواجهة هذه التهديدات تحتاج إلى دعم مدفعي أو جوي. يبلغ وزن هذه الطائرة الكلّي 2.5 كيلوغراماً فقط، ويمكن أن تقلع من على متن الدبابات والعربات المُدرّعة المتحرّكة، وتحتوي على حزمة مراقبة حرارية وحزمة إتصالات بجانب إمكانية الربط مع أنظمة إدارة المعارك. تستطيع هذه الطائرة حمل معدّات تصل زنتها إلى 350 غراماً، ويصل مداها الأقصى إلى 3 كيلومترات، وتستطيع التحليق على ارتفاعات تصل إلى 4 كيلومترات، ولمدة نصف ساعة متواصلة.
هذا النوع من أنواع الطائرات من دون طيّار بدأ الجيش الإسرائيلي بشكل ملحوظ في استخدامه في المناطق الحدودية مثل الحدود بين فلسطين المحتلة ولبنان، والحدود بين فلسطين المحتلة والجولان المحتل.
وهذا كان واضحاً بشكل كبير في الاختراقات التي تمّ تسجيلها للحدود اللبنانية، خاصة فوق مراكز الجيش اللبناني كما حدث في آب/أغسطس الماضي فوق بلدة العديسة جنوبي لبنان، وفي الاختراق الذي تمّ في الضاحية الجنوبية لبيروت بطائرتين مُسيَّرتين تنتميان إلى نفس فئة طائرات الإقلاع العمودي. بهذه الإستراتيجية تحاول "إسرائيل"، التي تعمل بها حالياً أكثر من 50 شركة مُتخصّصة في صناعة الطائرات من دون طيّار، وكانت حتى عام 2013 هي الدولة الأولى في تصدير هذا النوع من الطائرات على مستوى العالم، تحاول تفادي تكبّدها خسائر كبيرة في حال ما تمّ إسقاط احدى طائراتها ذات الجناح الثابت أو الطائرات المُسيَّرة الكبيرة مثل "هيرون"، والتي تقدَّر قيمتها بملايين الدولارات، وبالتالي بدأت في الاعتماد التدريجي على هذا النوع من الطائرات من دون طيّار رخيصة الثمن بالمُقارنة مع الأنواع سالِفة الذِكر، والأسهل في ما يتعلّق بالإقلاع والهبوط والتخزين، وهو ما يؤشّر إلى توجّه عام من جانب سلاح الجو الإسرائيلي، لتفادي مستقبلي لإختراق مُقاتلاته للأجواء اللبنانية نظراً إلى المخاطر المُتزايدة التي بدأ في رصدها على نشاطه الجوي.
الرؤية الأميركية.. اختصار مجموعات المشاة الميكانيكية
نذهب إلى واشنطن، ومعرض ومنتدى "AUSA 2019" الذي ينظّمه سنوياً الجيش الأميركي في الفترة من 14 إلى 16 تشرين الأول/أكتوبر، وقد شارك في معرض هذا العام أكثر من 700 عرض من 80 دولة، وحضره أكثر من 30 ألف شخص. عكست المعروضات الجديدة خلال هذا المعرض توجّهاً أميركياً جديداً كان قد بدأت ملامحه في الظهور خلال التدخلات العسكرية الأميركية في سوريا والعراق خلال العامين الأخيرين، حيث دفع الجيش الأميركي بوحدات مدرّعة خفيفة الحركة وثقيلة التسليح إلى البلدين المذكورين عوضاً عن الأرتال المُدرّعة التي كانت هي أساس مثل هذه التدخّلات في السنوات الماضية. شركة "جنرال داينمكس" الأميركية عرضت خلال فعاليات هذا المعرض النسخة الأحدث من عربة القتال المُدرّعة "سترايكر" تحت إسم "Stryker A1 IM-Shorad"، وهي نسخة مُخصّصة للدفاع الجوي وتكمل بها الشركة الرؤية الأميركية الخاصة باختصار مجموعات المشاة الميكانيكية بشكل يسمح بنشر عددٍ قليلٍ من المُدرّعات، وفي نفس الوقت يوفّر قدرات نارية دفاعية وهجومية متفوّقة، خاصة وأن عربات "سترايكر" كانت أساس الوحدات التي أرسلتها الولايات المتحدة إلى شرقي سوريا.
محاولة اللحاق بالإنتاج الروسي
من الأسباب المهمة لإنتاج مثل هذا النوع من المنظومات، محاولة تقليل الفجوة التي نتجت من التطوّر السريع والمُفاجئ في الإنتاج الروسي من الطائرات القتالية والاستطلاعية من دون طيّار، وتم في تطويره الإستفادة من دروس المعارك في سوريا والعراق، حيث توفّر هذه المنظومة حماية في كل الزوايا للأرتال المُصاحبة من كافة الأخطار الجوية والبرية، حيث يحتوى البرج الكهربائي لهذه المنظومة على تشكيلة ثقيلة من التسليح، على رأسها قاذفتان للنسخة الأحدث من الصواريخ المُضادّة للدروع "هيل فاير" المُسمّاة "AGM-1141 Longbow"، وهي صواريخ مُخصّصة في الأساس للعمل من على متن مروحيات الأباتشي القتالية، ويصل مداها الأقصى إلى نحو 8 كيلومترات. يضاف إليها أربعة قواذف لصواريخ "ستينغر" المُضادّة للطائرات، ومدفع من عيار 30 ملم من نوع "XM914" ومدفع متّحد المحور معه من عيار 7.62 ملم، بجانب عدّة أنظمة رادارية وكهروبصرية وحرارية، وحزم للحرب الإلكترونية. تعاقدت وزارة الدفاع الأميركية بالفعل على نحو 150 منظومة من هذا النوع، يبدأ تسليمها العام القادم.
تطوير آخر للعربة المُدرّعة "سترايكر"
عرض مركز البحوث والتطوير الهندسي التابع للجيش الأميركي بالتعاون مع شركة "CMI" البلجيكية، تطويراً آخر على العربة المُدرّعة سترايكر، وهو البرج المأهول "ARDEC Cockerill 3030"، الذي يتكوّن طاقمه من فردين، ويتميّز بمرونة تتيح تسليحه بطيف واسع من المدافع، بداية من العيار 30 ملم وحتى 105 ملم، ويتزوّد هذا البرج كذلك بمنظومة للرؤية الليلية، وقواذف للرمانات اليدوية، ومنظومة للتحذير من أشعة الليزر الخاصة بالقواذف المُعادية المُضادّة للدروع، بجانب نظام "ARDEC" المُتفوّق لإدارة النيران. بالإضافة إلى المدفع الرئيسي يستلّح البرج بمدفعين من عيار 7.62 ملم يمكن تعديلهما للتحكّم بهما عن بُعد، كما يمكن إضافة قواذف مُضادّة للدروع، وفي هذه النسخة من عربات سترايكر تم توفير نسخ مُتعدّدة من تدريع الفئة "STANAG 4569" ما بين المستوى الأول والمستوى الخامس.
الروبوت الأول في الجيش الأميركي
شركة "تيكسترون" الأميركية عرضت في هذ المعرض مُنتجاً لافتاً يُعدّ مؤشّراً إضافياً على التوجّهات المستقبلية للجيش الأميركي في ما يتعلق بالتسليح والأنظمة الهجومية، حيث عرضت للمرة الأولى الروبوت القتالي "Ripsaw M5"، الذي قد يكون هو الروبوت الأول الذي يدخل للخدمة قريباً في الجيش الأميركي. من مميّزات هذا الروبوت قدراته المُتفوّقة على التحرّك بسرعة ومرونة في كافة التضاريس والأحوال الجوية، حيث تمّ تزويده بمُحرّك تبلغ قدرته 600 حصان، يوفّر له سرعة تصل إلى 96 كيلومتراً في الساعة.
في ما يتعلق بالتسليح فإن تسليحه القياسي الأساس هو برج من إنتاج شركة "Kongsberg" النرويجية، مُسلّح بمدفع "أم كي 44" الأوتوماتيكي من عيار 30 ملم، لكن يمكن تعديل هذا البرج وتزويده بطائفة واسعة من الأنظمة الدفاعية والهجومية، من بينها صواريخ "جافلين" المُضادّة للدروع والرشاشات المتوسّطة والصواريخ المُضادّة للطائرات، كما يمكن أن يتحوّل هذا الروبوت إلى منصّة لإطلاق الطائرات التكتيكية من دون طيّار ذات الإقلاع العمودي، أو لكاسحة ألغام مُتنقّلة، أو حتى لمنصّة رادارية أرضية، أو محطة مُتنقّلة للتشويش الإلكتروني.
شركة "أيروفيرومنت" الأميركية المُتخصّصة في الأنظمة الجوية المُسيَّرة، عرضت النسخة الأحدث من الطائرة من دون طيّار "Puma LE"، وهي النسخة الأكبر من حيث المدى في فئتها، حيث يتراوح مداها الأقصى بين 20 و60 كيلومتراً، وهي مُتخصّصة في مهام الاستطلاع والمراقبة، وتستطيع التحليق بشكل متواصل لمدة تتجاوز خمس ساعات. الوزن الخفيف من أهم مميّزاتها حيث يصل وزنها الإجمالي إلى 2.5 كيلوغرام، وتحتوي على حاوية إضافية تسمح بتحميلها بعتاد تصل زنته إلى 1.5 كيلوغرام، ما يجعل الحمولة الأقصى لهذه الطائرة ترتفع إلى نحو إثنين كيلوغرام ونصف كيلوغرام.
الحدث الأول من نوعه في اليابان
ننتقل إلى اليابان، ومعرض "DSEI 2019" الذي يُعدّ الحدث الأول من نوعه في اليابان، وتمّت إقامته في الفترة من 18 إلى 20 من تشرين الثاني/نوفمبر، بمُشاركة أكثر من 250 شركة عارِضة.
من أبرز المُنتجات الجديدة التي تمّ الإعلان عنها خلال هذا المعرض هو ما عرضته شركة "IHI" اليابانية، وهي منظومة ثنائية للكشف عن الألغام البحرية، تتكوّن من غوّاصتين غير مأهولتين، تقوم الأولى بالبحث عن الأجسام التي من المُحتَمل أن تشكّل خطورة على القطع البحرية مثل الألغام والعوائق، ومن ثم تقوم بتحديد وتصنيف ماهيّتها وارسال المعلومات الوافية حولها إلى سفينة القيادة على السطح عبر الإتصال بالغوّاصة الثانية في هذه المنظومة، التي تُرسِل بدورها البيانات إلى سفينة القيادة لاسلكياً. تستطيع الغوّاصة الأولى الغوص حتى أعماق تصل إلى ثلاثة كيلومترات، بسرعة 4 عقدة بحرية في الساعة، ولمدة تصل إلى يوم كامل.
يبلغ وزن الغوّاصة الأساسية في هذه المنظومة ما يقرب من طن، وطولها يصل إلى خمسة أمتار، وتتزوّد بسونارين الأول للمسح الجانبي للأعماق والثاني مُتعدّد الحزم، بجانب كاميرا فيديو رقمية ويمكن أن تتزوّد بمعدّات أخرى حسب المهام الموكَلة إليها.
المعرض الدولي للصناعات البحرية الدفاعية
ننتقل إلى مدينة بوسان جنوبي كوريا الجنوبية، والمعرض الدولي للصناعات البحرية الدفاعية، الذي أقيم في الفترة من 22 إلى 25 تشرين الأول/أكتوبر، وفيه عرضت شركة "LIG NEX1" زورقها القتالي غير المأهول "سي سورد-2"، والذي بدأ تطويره منذ أوائل عام 2015، ويبلغ طوله 12 متراً وزنته 11 طناً، وتم تصميم هيكله المصنوع من الألياف الزجاجية المُعزّزة بالبلاستيك بحيث يكون منخفض الارتفاع ومحدود البصمة الحرارية قدر الإمكان، وتمّ تزويده بمُحرّكي ديزل يوفّران له القدرة على الوصول إلى سرعة قصوى تبلغ 35 عقدة، ومدى يقترب من 300 كيلومتر، ويتميّز سطح الزورق بالمرونة التي تتيج إضافة طيف واسع من المعدّات والمنظومات، سواء الخاصة بعمليات الاستطلاع والمراقبة، أو الرصد والبحث الراداري، وتم عرض هذا الزورق مسلّحاً بمدافع رشاشة من عيار 7.62، وراجمة صواريخ غير موجّهة من عيار 70 ملم، بجانب معدّات كهروبصرية وحرارية ومحدّدات مدى ليزري، وهذا يُعدّ تطبيقاً مثالي المستوى من دروس ميدانية مثل الميدان اليمني الذي شهد تطوير جماعة "أنصار الله" لزوارق من الفيبر غلاس تعمل بالتحكّم عن بُعد.