"طائر الرعد".. أدب الفانتازيا بنكهة فلسطينية
رواية "طائر الرعد" للكاتبة الفلسطينية سونيا نمر هي إضافة جديدة ومهمة لأدب الفانتازيا العربي الموجه لليافعين، وإضافة هامة أيضًا للأدب الفلسطيني، فالشعب الفلسطيني والثقافة الفلسطينية لهما دور مهم في الأدب العربي واللغة العربية.
صدرت الرواية سنة 2016 عن مؤسسة تامر للتعليم المجتمعي بفلسطين، وقد حازت الرواية على جائزة الشارقة لكتاب الطفل عن فئة كتب اليافعين سنة 2018، وقبل حصول الكتاب على تلك الجائزة كان قد وصل في العام الماضي إلى القائمة القصيرة لجائزة الشيخ زايد للكتاب العربي.
وفي مقابلة أجريت مع الدكتورة سونيا نمر قالت إن للجائزة معنى مهماً وهو أن الكتاب الفلسطيني بدأ يتميز ويفرض نفسه بين كتب اليافعين باللغة العربية، معربة عن سعادتها بحصولها على هذه الجائزة قائلة إنها تمثل اعترافاً بتفوق وتميز الكتاب.
من سجن الاحتلال إلى الجوائز العالمية
والدكتورة سونيا نمر هي كاتبة أدب طفل فلسطينية، وتشغل حالياً منصب أستاذ مساعد وعضو هيئة أكاديمية – دائرة الفلسفة والدراسات الثقافية في جامعة بيرزيت في فلسطين. كما أنها حاصلة على الدكتوراه في التاريخ من جامعة إكسيتر البريطانية. بدأت الكتابة للأطفال أثناء وجودها في سجن إسرائيلي، وواصلت حرفة الكتابة وترجمة الكتب، إلى جانب عملها مسؤولة تعليم في المتاحف في لندن. لها 16 كتاباً للطفل، وثلاث روايات لليافعين أولها «قطعة صغيرة من الأرض» التي شاركتها في التأليف البريطانية إليزابيث ليرد، وتحكي مغامرة صبي حوصر داخل سيارة شبه مردومة خلال مرحلة الاجتياح الإسرائيلي لرام الله عام 2003. هذه الرواية صدرت بالإنجليزية وترجمت إلى 13 لغة آخرها العربية. وصلت روايتها "رحلات عجيبة في البلاد الغريبة" إلى لائحة الشرف في المجلس العالمي لكتب اليافعين كأفضل نص قبل أن تفوز بالمرتبة الأولى في جائزة الاتصالات لأدب الأطفال العربي 2014 عن فئة أدب اليافعين العربي.
ترشحت سونيا نمر لجائزة هانس كريستيان أندرسون التي تعتبر أعلى اعتراف دولي لمؤلفي ورسامي كتب الأطفال التي تقدم من مؤسسة (IBBY) كل سنتين. رُشحت أيضًا لجائزة (الشيخ زايد بن سلطان) للمفكرين والناشئين والشباب. كما ترشحت لجائزة آستريد ليندغرين وهي جائزة عريقة لأدب الأطفال ويُطلق عليها البعض جائزة نوبل لأدب الأطفال، تأسست من قبل الحكومة السويدية عام 2002، بعد وفاة الأديبة آستريد ليندغرين، وتُقدّم لأفضل عمل عالمي في أدب الأطفال والشباب، سواء كان مكتوباً أو محكيّاً.
طائر الرعد والنار والعوالم الغريبة
تدور رواية "طائر الرعد" حول بطلة الأحداث "نور" فتاة صغيرة في الثالثة عشر من عمرها، فقدت والديها في حادث طائرة مأساوي قبل عامين وهما في طريقهما إلى مؤتمر علمي في لندن، ثم انتقلت للعيش مع عمها زيد، وزوجته وداد قاسية القلب، وابنتها المدللة وفاء، والجدة الطيبة التي تحتضن الفتاة نور وتمنحها الحب والحنان والأمان. نكتشف أن نور يحيط بها لغزٌ غامض، فكلما غضبت أو أحست بالضيق والاختناق تحترق أشياء حولها من دون إرادتها، ويقع اللوم عليها لاحقًا واتهامها بإشعال تلك الحرائق مما يوقعها في الكثير من المشاكل، ولا يحميها من العقاب سوى جدتها الحنون التي تدافع عنها حتى آخر رمق. تعطيها الجدة لاحقًا خاتمًا ذهبيًا تركه لها والدها، ويحمل هذا الخاتم صورة طائر. تصفه الكاتبة قائلة ص28: "كان الخاتم يلمع بضوء باهر من الأحمر والذهبي، وقد حفرت عليه صورة طائر بدقة متناهية، حتى أنها لتستطيع أن تميّز كل ريشة من ريشاته الذهبية والأرجوانية."
ولكن نور لم ترث فقط الخاتم عن أبيها، بل ورثت أيضًا حاسوب أمها النقال، الذي سمح لها عمها بالاحتفاظ به لمساعدتها في أداء فروضها المدرسية، ولكنها تكتشف على حاسوب أمها ملفات محمية بكلمة سر، هذه الملفات لها علاقة ببحث كانت أمها تعمل عليه قبل حادثة الطائرة، له علاقة بطائر أسطوري قديم وهو طائر الرعد أو طائر الفينيق، أو كما يعرف في أماكن عديدة باسم طائر العنقاء، وهو الطائر الذي يحترق عند موته، ثم يولد من جديد من رماده. وقد قيل قديمًا إن مستحيلات العرب ثلاث: الغول، والعنقاء، والخل الوفي.
وتتذكر نور حواراً لها مع أمها قبل حادثة الطائرة بيومين، عندما رأتها تعمل على البحث العلمي حول هذا الطائر الخرافي فتقول لها أمها شارحة ص31: "إنه طائر خرافي وليس حقيقيًا، ولكن الناس في الأزمنة القديمة كانوا يؤمنون بوجوده، مثل إيمانهم بوجود كائنات أخرى، مثل الفرس أحادي القرن والتنين. لقد آمن الفلسطينيون القدماء بوجوده، هؤلاء سكنوا فلسطين في عصور قديمة جدًا، وسميت فلسطين على اسمهم، وستجدين صور هذا الطائر على أوانيهم الفخارية".
تشعر نور أن هذا البحث له علاقة بالخاتم، والحرائق الغامضة التي تحدث من حولها، فتقرر أن تلجأ إلى مساعدة الدكتور سمير عبد الباقي، الدكتور في كلية الآداب - دائرة علم الإنسان في جامعة بيرزيت، صديق والدها الأقرب، وزميل أمها في نفس التخصص وإن كانت في جامعة مختلفة. ومن خلال مساعدة الدكتور سمير نعرف المزيد عن طائر الرعد، من خلال أبحاث وأوراق أمها الموجودة على الحاسوب النقال، مثل: "طائر الفينيق مذكور في الأساطير العربية واليونانية والمصرية القديمة. له أسماء أخرى مثل طائر الرعد والعنقاء، يرمز إلى تجدد الحياة، ويعيش خمسمئة عام تقريبًا، يموت بأن يحرق نفسه ثم يخرج من رماده طائر جديد. وتقول الأسطورة إن أول شيء يفعله الطائر الجديد هو أن يجمع رماد الطائر المحترق ويجعله على شكل بيضة ويحملها إلى معبد الشمس في هيليوبولس في مصر، حيث يقوم إله الشمس بحمايته".
ولكن الأبحاث تجعل الدكتور سمير يعتقد أن طائر الرعد حقيقة وليس محض أسطورة، ويربط بين هذا وبين الكشف الأثري في أريحا والحفريات التي عثر عليها والد نور، وبين بعض المخطوطات الإسلامية القديمة الموجودة في المتحف الإسلامي في القدس، ويكون عليهما قطع هذه المغامرة واجتياز الحواجز الإسرائيلية بين رام الله والقدس، في الوقت ذاته يحاول الجن التواصل مع نور لإخبارها أن طائر الرعد له علاقة بالتوازن بين عالم الجن وعالم البشر، وأن على عاتقها تقع مهمة إنقاذ العالَمين، لا عالم البشر وحده.
فهل طائر الرعد حقيقة أم أسطورة، وهل ما تراه نور من إشارات من عالم الجن رؤى حقيقية أم أحلام، وهل تستطيع أن تحقق مهمتها في ظل هيمنة الاحتلال الإسرائيلي البغيض؟ ستحتاج لقراءة الرواية كي تعرف إجابة كل هذه الأسئلة.
فلسطين طائر العنقاء الذي لا يموت
الرواية تنتمي إلى أدب الفانتازيا، حيث المخلوقات الأسطورية، والعوالم الغريبة، والبعض يقلّل من شأن الفانتازيا باعتبارها محض خيال أو هرب من الواقع، ولكن هذا لا ينطبق على كل أعمال الفانتازيا بشكلٍ مطلق، فالفانتازيا كما يقول دكتور سوس ـ كاتب قصص الأطفال الشهير ـ هي "فن النظر إلى الحياة من الطرف الآخر من المنظار". الفانتازيا لا تنكر وجود الألم والمعاناة وقد يستخدم الكاتب الخيال لمعالجة مشكلات العالم بشكل رمزي. تقول الكاتبة الأسترالية كيت فورسايث المتخصصة في أدب الطفل: "الفانتازيا مثل الشمعة تلقي الظلال في الوقت الذي تضيء فيه، ولكن لحظة الإضاءة هي الأهم، فالحكايات الخيالية تخبرنا أن الأمل والنهايات السعيدة موجودة طالما آمنا بوجودها. الفانتازيا تنكر اليأس، وتجعلنا نتمسك بالأمل في وجود عالم أفضل، وتشير إلى الطريق إليه."
والكاتبة سونيا نمر من خلال رواية "طائر الرعد" تتحدث عن معاناة الفلسطينيين في ظل الاحتلال الصهيوني البغيض، فهناك حديث عن الشهداء في غزة، ووصف لطريقة تعامل المحتل الإسرائيلي مع الفلسطينيين في الحواجز. فتقول الكاتبة عن هذا العمل: "نشبّه مدينة القدس بطائر الرعد أو طائر الفينيق، فهي ورغم معاناتها من الاستعمار والاحتلال بشكل متكرر إلا أنها كانت تخرج منتصرة متجددة في كل مرة، وبالتالي كل أحداث القصة حصلت في القدس بفترات زمنية مختلفة".
وقد اختارت الكاتبة البطلة نور طفلة في عمر الأطفال اليافعين الموجّه لهم العمل، لتخلق علاقة بين القارئ والرواية، ولتغرس معاني المغامرة والشجاعة والنبل في نفس الطفل. يقول العلماء إن الفانتازيا مفيدة للطفل فهي تملأ الفراغ عند الطفل بين المعرفة Knowledge والخبرة أو التجربة Experience. فمن خلال الفانتازيا يستطيع الطفل أن يجرّب مشاعر مثل الخوف والحزن والفرح والمغامرة، ويستطيع الطفل أن يخوض مغامرة ويواجه المخاطر والصعوبات ويتعرف على المشكلات وحلها، كل ذلك في بيئة آمنة من خلال الفانتازيا. ويقول البروفيسور جون ستيفنز المحاضر في جامعة ماكواري Macquarie في سيدني في أستراليا: "واحدة من فوائد الفانتازيا أنها تعطي القارئ الفرصة ليرى العالم بطرق مختلفة. فإنها تأخذ موقفاً افتراضياً وتدعو القارئ أن يربط بين هذا الموقف الخيالي وواقعه الاجتماعي الخاص." ويقول فيليب بولمان الروائي البريطاني الحائز على جائزة الغارديان إن "الأطفال يحتاجون إلى الفن والقصص والشعر والموسيقى، بقدر حاجتهم للحب والطعام والهواء النقي واللعب."
وقد أكدت سونيا نمر على هذا المعنى في حوار معها حول عمل آخر لها بعنوان "رحلات عجيبة في بلاد غريبة" تدور أحداثها ما بين القرنين 15 و16 وبطلتها فتاة لم تكن تمتلك أية حقوق. وفي ذاك الزمن تنطلق فتاة من فلسطين في رحلاتها ومغامراتها، لتركب البحر وتتنكر بثياب الرجل وتصبح واحداً من القراصنة فتقول الكاتبة: "تشعر الفتيات بالقوة والثقة بالنفس لدى قراءتها، كما أنهن يدركن أن ما يعين البطلة على خروجها من مآزقها والمخاطر، مخزونها من المعرفة الذي اكتسبته من سرداب بيت أبيها."
إن لغة الكاتبة جميلة والسرد سلس وممتع، والخيال في الرواية يأخذ القارئ إلى عوالم غريبة وأزمنة مختلفة، ولكن هناك عيبين صغيرين - من وجهة نظري - ولا ينتقصان كثيرًا من الرواية، الأول: هو أن عناصر الحبكة لا تظهر إلا حين الحاجة إليها في الحبكة من دون تمهيد مسيق، مثل حاسوب أم نور الذي يحتوي على الأبحاث المهمة ومثل الدكتور سمير صديق الأسرة الذي يظهر في القصة ويساعدها من دون تمهيد مسبق لظهوره. ولكن هناك بعض التمهيد في عناصر أخرى مثل القطة السوداء التي تمهد لظهور الجنية سبيكة لاحقًا. العيب الثاني ليس من الكاتبة ولكن من دور النشر، فالكتاب هو الجزء الأول من ثلاثية، ولكن لا يوجد على الغلاف في أي موضع ذكر كون هذا الكتاب جزءاً أول، وحتى في نهاية الرواية لا توجد كلمة يتبع أو نهاية الجزء الأول، فقد ينتهي الحال بالقارئ إلى لااعتقاد بأن الرواية ناقصة أو مبتورة.
ولكني في النهاية متشوق لإكمال هذه السلسلة، ومتابعة مغامرة نور مع الجن وطائر الرعد في العوالم الغريبة.