السلطان والملكة: القصة غير المروية عن إليزابيث والإسلام
القصة الرائعة للتواصل السري للملكة إليزابيث مع العالم الإسلامي، الذي وضع إنجلترا على الطريق إلى الإمبراطورية
في كتابه "السلطان والملكة: القصة غير المروية عن إليزابيث والإسلام، يتحدث جيري بروتون كيف توطدت علاقة إنجلترا بالعالم الإسلامي في عهد الملكة إليزابيث الأولى ذات المذهب البروتستانتي فور تولّيها الحكم بعد وفاة ماري تيودر شقيقتها من أم أخرى والمتعصبة للمذهب الكاثوليكي. ويروي الكاتب الظروف التي أدت الى توطد العلاقات بين إنجلترا والعالم الإسلامي في تلك المرحلة من تاريخ إنجلترا.
جرى تعميد ماري تيودر ابنة هنري الثامن من زوجته الأولى في الكنيسة الكاثوليكية وأعلن أن زواجه من كاثرين الزوجة الأولى باطلاً لأنها زوجته من أخيه المتوفى ثم قطع علاقتة بالكنيسة الكاثوليكية وأنشأ كنسية إنجلترا وتزوج من آن بولين إحدى وصيفات الشرف التابعة للملكة كاثرين وعندما حملت بولين وضعت إليزابيث فصدر مرسوم يقضي بعدم مشروعية ماري مما حرم الأخيرة من وراثة العرش ثم تزوج الملك للمرة الثالثة من جين سيمور بعد أن قطع رأس آن بولين بتهمة الخيانة وأثمر زواجه الثالث الطفل إدوارد.
كانت ماري تسعى الى إعادة إنجلترا الى الكاثوليكية عندما تولّت العرش سعت بكل ما أوتيت من قوة أن تعيد إنجلترا الى الكاثوليكية وكانت تعلم بأنها إذا بقيت بلا أولاد، فإن العرش سوف يؤول الى أختها إليزابيث من أم ثانية وكانت تريد وريثاً كاثوليكياً للعرش. ولكي تحقق هدفها رتبت زواجاً من فيليب الثاني ملك إسبانيا. يروي الكاتب كيف جرى الاحتفال بزواج ماري تيودر من الملك فيليب الثاني وكيف كانت إنجلترا تعيش في عهد الملكة ماري المتعصبة للمذهب الكاثوليكي حيث كانت تمجد غزوة تونس التي شنّها الملك شارل الخامس والد الأمير فيليب في صيف عام 1535 والتي كانت توصف بأنها من أعظم الصدامات بين الإسلام والمسيحية.
وكانت هذه الحملة العسكرية تهدف الى سحق الأسطول العثماني بقيادة الأدميرال خير الدين باشا، حيت استطاع العثمانيون السيطرة على مدن استراتيجية في تونس بتحالفهم مع فرنسيس الأول الذي أمدهم بالسلاح واعتبر شارل الخامس أن هذا التحالف بين فرنسيس الأول والعثمانيين تهديد للنفوذ الإسباني في البحر المتوسط.
ومن ناحية أخرى فإن زواج ماري تيودر من فيليب وفّر لها الأمان النفسي والسياسي الذي افتقدته طوال حياتها على خلفية إعلان والدها بعدم شرعية زواجه من والدتها، معلناً بأن ماري هي ابنة غير شرعية، ولكن ماري ظلت على التزامها بمذهب أمها الكاثوليكي وقد مُنعت من وراثة العرش بعد أن تولى أخوها إدوارد العرش. ولكن عقب وفاته استطاعت أن تتزعم ثورة ونجحت في أن تتوج كملكة لإنجلترا ولكنها واجهت معارضة عندما أعلنت نيتها الزواج من فيليب. وبزواجها من الأخير، تمكنت ماري تيودر من إقامة تحالف كانت له تداعيات لاحقة، إذ أنه أثار حفيظة الإنجليز الذين اعتبروا أن ماري تيودر لا يهمها مصالح إنجلترا وانما هي تعمل لمصالحها الشخصية لثتبت نفسها على العرش وحرمان إليزابيث من وراثته.
وكان زواج ماري من فيليب زواج مصلحة لأن فيليب كان يسعى من خلال هذا الزواج الى جر إنجلترا لتحالف ضد منافسي الإمبراطورية، أمثال ملك فرنسا فرنسيس الأول الذي كان يقيم تحالفاً مع الامبراطورية العثمانية الممثلة بالسلطان سليمان الأول، وبالتالي فإن هذا التحالف بين إسبانيا وإنجلترا جلب نزاعاً عسكرياً مع فرنسا وأدى الى وصول إليزابيث للعرش. اعتلت إليزابيث الأولى العرش وسط انقسام مذهبي حاد بين البروتستنتية والكاثوليكية، لذلك فقد سعت الى القيام بإصلاحات لثبيت البروتستانتية كهوية دينية لإنجلترا، مما أدى الى عزلها عن سائر الدول الأوروبية الكاثوليكية، مما أثر على طرق التجارة. لذلك اتجهت الملكة إليزابيث نحو الشرق ووطدت علاقتها بالعالم الإسلامي من خلال سعيها الى بناء علاقات دبلوماسية وتجارية وعسكرية وطيدة مع القادة المسلمين في إيران وتركيا والمغرب. وكانت من الأسباب التي أدت الى استدارة الملكة إليزابيث نحو الشرق هي خشيتها من غزو إسبانيا الكاثوليكية الوشيك ومن الحصار الذي فُرض على التجار الإنكليز.
وكان السلطان العثماني مراد الثالث الذي تمتد سلطته من شمال إفريقيا مروراً بشرق أوروبا حتى المحيط الهندي، عدواً بارزاً لإسبانيا فوجدت إليزابيث بأن تعزيز علاقتها به سوف يمكّنها من مواجهة التهديد الاسباني. وبالإضافة الى تعزيز علاقتها بالسلطة العثمانية استطاعت إليزابيث أن تنسج علاقات أخرى مع الفرس والمغرب.
وبهدف الالتفاف على تحالف الدول الأوروبية ضدها، سعت وراء أسواق جديدة عبر الممر الشمالي الغربي، وقامت بتطوير شركة موسكوفي للقيام برحلات تجارية نحو الشرق وتحديداً باتجاه حلب التي كانت مركزاً للتجارة الدولية في ذلك الوقت حيث أنها تقع عند نهاية "طريق الحرير" الغربية وعرفت باستقطابها للتجار من الشرق والغرب. وقد استطاعت هذه الشركة ممثلة بأنطوني جنكينسون تأسيس علاقات لصالح العرش الإنجليزي مع بلدان شمال إفريقيا والشرق الأوسط بما فيه دمشق وحلب وكذلك مع بلدان إسلامية مثل إيران.
ويذكر الكاتب بأن جنكينسون شهد فصلاً من فصول الصراع بين العثمانيين والفرس. وبعد سرد جذور الصراع العثماني – الصفوي، عندما وصلت أنباء هذا الصراع الى العواصم الأوروبية أواخر عام ، بدأت فينيسيا ومعها فرنسا والبرتغال وحتى الدولة البابوية مراسلة شاه إسماعيل في محاولة لإنشاء تحالف معه ضد السلطنة العثمانية.
وفي ظل هذه الظروف استطاع جنكينسون انتزاع امتيازات تجارية بارزة منها تحميل وتفريغ بضاعته حيثما يراه مناسباً له على امتداد الإمبراطورية العثمانية ومن دون رسوم جمركية أو غيرها من الرسوم.
وهكذا يمكن القول إن العلاقات الإنجليزية – العثمانية قد توطدت مع هذا الشاب الذي كان يبلغ من العمر حينها الـ24 عاماً. كما استطاع جنكينسون أن ينشأ علاقات مع روسيا على خلفية أن إنجلترا كانت تريد تجنّب المرور بالطرق البرية عبر أراضي أوروبا الرئيسية والطرق البحرية التي تسيطر عليها كل من إسبانيا والبرتغال.
أما الوجهة الثانية لجنكينسون فقد كانت نحو بلاد فارس. ويروي الكاتب أنه عندما وصل جنكينسون الى بلاد فارس لفتته الانقسامات الطائفية بين الشيبانيين (السنّة) وبين منافسيهم الفرس (الشيعة) والتي مثّلت أهم العوائق أمام مهمته التجارية. وفي هذا الأمر اعتبر المؤلف أن هذه الانقسامات تعتبر أول شاهد حي على التمييز بين المذهبين الإسلاميين.
وأثمرت هذه العلاقات اتفاقيات تجارية مع العثمانيين والمغرب دامت حوالى 300 عام. ومما كان لافتاً في مراسلات الملكة إليزابيث الى زعماء الدول الإسلامية في ذلك الوقت أنها كانت تقوم بتمجيدهم، معتبرة أن المسلمين والبروتستانت وجهان لعملة واحدة من ناحية نبذهما لعبادة الرموز التي يعتنقها المذهب الكاثوليكي.
وهكذا فقد نجحت الملكة إليزابيث في تنمية تجارتها بواسطة آلاف التجار الإنجليز الذين كانوا يعبرون إلى حلب في سوريا والموصل في العراق. وفي نفس الوقت استفاد العثمانيون من الظهور بمظهر المستوعب للأديان الأخرى بينما كانوا يراقبون ما يجري من الصراعات في الداخل الأوروبي بين المذهبين البروتستانتي والكاثوليكي.
ويروي الكتاب أن بعض التجار الإنجليز في تلك الفترة اعتنقوا الإسلام، ومنهم ساوسون راولي الذي أصبح حسن آغا. وهكذا ملئت الأسواق الإنجليزية بالبضائع القادمة من الشرق مثل الحرير والتوابل بينما اهتم حلفاء أوروبا في الشرق بشراء ما تنتجه إنجلترا من سلاح. وهذا ما يثبت أن صفقات السلاح السرية تعود الى وقت أبعد بكثير قبل فضيحة "إيران غيت" مع الرئيس رونالد ريغان. كما شجعت الملكة صفقات مماثلة مع المغرب، إذ باعتها السلاح واشترت منها الملح الصخري، المكوّن الأساسي للبارود، والسكر.
وقد كان هذا الأمر بمثابة بداية لتحالف استثنائي مع زعامات دول العالم الإسلامي وتبادلاً اقتصادياً وسياسياً غير مسبوق مع العالم الإسلامي.