هندسة الجمهور: كيف تغير وسائل الإعلام الأفكار والتصرفات؟
يتناول الكتاب تأثير الإعلام المرئي على الجمهور، وكيف يتم تشكيل وعي الطبقة العريضة من المجتمع، عن طريق ما تقدمه المحطات الفضائية من محتوى تدخل في صياغته محددات السلطة والمال.
فقد حاول محمد فهمي، أن يعرض لأهم الاستراتيجيات والتكتيكات التي يمارسها الإعلاميون المحترفون في سبيل توصيل أفكارهم إلى الجمهور، ويبين العلاقة القائمة ما بين المال والسياسة والإعلام، وكيف أن كل منهم يدعم الأخر ويسانده. كما شرح أهم التقنيات التي تساعد الإعلاميين في اقناع الجماهير بما يريدون، وكيف تمكن هؤلاء من السيطرة المطلقة على إدراك الشعوب وتزييف وعيها وأفهامها. إدوارد بيرنز: كيف وظف علم النفس في الإعلام على الرغم من التأثير الكبير للصحافة المقروءة والإذاعة فيما قبل بدايات القرن العشرين، إلا أن المؤلف يلفت النظر إلى الفارق الكبير الذي أحدثته نظريات إدوارد بيرنز النمساوي الأصل والذي هاجر إلى الولايات المتحدة الأميركية في عشرينيات القرن العشرين. فمن هو إدوارد بيرنز؟ بيرنز هو ابن اخت عالم النفس الأشهر سيغموند فرويد، وقد تأثر كثيراً بالنظريات التي أسهم بها خاله في مجال علم التحليل النفسي، وبالأخص أفكاره عن علاقة الغرائز والشهوات باللاوعي. يوضح فهمي أهمية دور بيرنز في الحقل الإعلامي بقوله: (في مرحلة ما قبل بيرنز كانت الدعاية تتركز حول جودة ومزايا المنتج، سواء كان منتجاً تجارياً أو سياسياً أو اجتماعياً، بعد بيرنز لم تعد صفات المنتج هي الأهم فقد اكتشف الرجل أن إعادة صياغة الجمهور ربما تكون أسهل من تغيير المنتج). في عام 1947، نشر بيرنز مقالة باسم هندسة الإجماع، ثم حولها في عام 1955، إلى مقال بالإسم نفسه، وكان المحور الذي تدور حوله أفكار الكتاب هو "كيفية إخضاع عقل الجمهور وإعادة تركيبه، ليتوافق مع الخطاب الإعلامي". وفي السنوات التي أعقبت نشر كتابه، عُرف بيرنز كثيراً بنظرياته، واهتمت الكثير من المؤسسات بخدماته، وجرى التسويق لها على نطاق واسع في العالم الغربي، حتى قيل إن وزير الإعلام النازي غوبلز قد استفاد كثيراً من تلك الأفكار إبان فترة حكم هتلر. ويوضح فهمي أنه، ومنذ تدشين بيرنز لنظرياته الإعلامية، فقد أضحى الناس يتعرضون لحملات خداع منظمة من قبل الوسائل الإعلامية المختلفة، ولا سيّما المتلفزة منها، حيث أضحى عقل الفرد يتكون من محصلة ما يشاهده أو يسمعه أو يقرأه من قبل وسائل الإعلام التي تبحث عن الربح والمكاسب بغض النظر عن رفعها لشعارات الحيادية والموضوعية والأمانة. هل للإعلام دور في تقديس الشعوب لذواتها؟ من أهم الموضوعات التي يتناولها فهمي في كتابه، الدور الذي يقوم به الإعلام في إقناع الشعب بقوته وذكائه وعبقريته، وارتفاع مكانته عن مكانة الشعوب الأخرى المجاورة له. يستند فهمي إلى دراسة نشرت في عام 2013، تناولت العلاقة بين معدلات الذكاء والتقدم في عدد كبير من دول العالم، بحسب الدراسة التي أجراها العالم البريطاني ريتشارد لين، فإن أول دول العالم من حيث ذكاء أبنائها، كانت هي سنغافورة، ثم كوريا الجنوبية، ثم اليابان. أما أول الدول الأوروبية في القائمة فكانت إيطاليا واحتلت المركز الرابع. أما بالنسبة للدول العربية فقد جاءت كل من العراق والكويت واليمن والأردن والسعودية والإمارات. يلاحظ المؤلف أن كلاً من مصر ولبنان قد جاءتا في مراكز متأخرة في القائمة، ويلاحظ أيضاً أن الدول التي جاءت في مرتبة متقدمة من حيث الذكاء تتمتع بقدر كبير من حرية الإعلام، وهو ما يعني أن العلاقة ما بين الذكاء والوقوع في شباك الخداع الإعلامي علاقة عكسية. عناصر عملية الاتصال الجماهيري يؤكد فهمي أن العديد من الباحثين المتخصصين في الإعلام، قد وضعوا الكثير من الصياغات التي حاولوا فيها أن يحددوا عناصر عملية الاتصال الجماهيري، وأهم تلك النماذج -بحسب فهمي- هو نموذج لازويل، الذي يطرح فيه خمسة عناصر رئيسة للاتصال. العنصر الأول، وهو الجهة التي تقدم الخطاب الإعلامي. العنصر الثاني، وهو الرسالة الإعلامية بما تتضمنه من محتوى، وكذلك السياق الذي يقدم فيه. العنصر الثالث، وهو الوسيلة أو القالب الذي تقدم فيه الرسالة الإعلامية. العنصر الرابع، وهو المتلقي أو الجمهور المستهدف من الخطاب الإعلامي. أما العنصر الأخير، فهو التأثير المطلوب حدوثه من جراء قيام الإعلاميين بتقديم خطابهم للجمهور. هل يكذب الإعلام؟ يؤكد المؤلف على التأثير الكبير الذي أحدثه الإعلام التلفزيوني، على جميع الشعوب، ويستشهد على ذلك بما قال نائب الرئيس الأميركي الأسبق آل غور: "فجأة وفي جيل واحد، قام الأميركيون بتغيير حاد في نمط حياتهم اليومي، وبدأوا بالجلوس من دون حراك وهم يحدقون في صور تتحرك في شاشة لمدة تزيد عن 30 ساعة كل أسبوع، فالتلفاز لم يستحوذ فقط على النصيب الأكبر مما يخصصه الأميركيون للأخبار والمعلومات من وقت واهتمام، بل شرع في الهيمنة على النصيب الأكبر من المناخ العام كلياً". ويؤكد المؤلف أن الرموز الإعلامية قد أضفت ثقلاً كبيراً على الساحة السياسية في بعض اللحظات الحاسمة، فمثلاً، ذكرت بعض التقارير أن انضمام مذيعة التوك شو الشهيرة أوبرا وينفري إلى حملة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما في عام 2008 قد ضمن له ارتفاعاً في نسب التأييد بحدود 15-30%. وبالإضافة إلى ذلك فإن التقارير الإعلامية الإيجابية التي أعدتها المحطات والشبكات التلفزيونية الأميركية الكبرى مثلABC وCBS وNBC قد رجحت كفته في نهاية السباق ضد منافسه الجمهوري جون ماكين. تأثير التلفاز لا يقتصر على الناحية السياسية فحسب، بل أنه ليمتد إلى المجالات الاجتماعية والقيمية كذلك، فبحسب أحد الاستبيانات التي يستند إليها المؤلف، فإن دراسة ميدانية أجريت في جامعة ليستر في بريطانيا، بيّنت أن 87% من العينة المستهدفة، وهم الأطفال في عمر 11 عاماً، قد أكدوا على أنهم يثقون بالتلفاز أكثر من أي مصدر آخر، كما أن ما يزيد عن نصف عدد الأطفال في العينة قد اختاروا تصديق التلفاز حتى لو تضارب مع أقوال الوالدين. كل هذا يعني أن الإعلام المتلفز يساهم بدرجة كبيرة جداً في تشكيل إدراك الجماهير بالواقع المحيط بها، مما يعني أن الجهة المنتجة للإعلام تتحكم في إدراك الإنسان وتعيد تشكيل إدراكه بشكل كامل. ويبرر المؤلف ذلك، بكون الوسيلة التي يستخدمها التلفاز في إيصال رسالته، تبدو بعيدة عن أي منافسة من جانب الأسرة أو المدرسة أو أي جهة تربوية أخرى، ذلك أن التلفاز يغلّف المادة الإعلامية بمزيج من الإثارة والتشويق اللذين يسهّلان تقبل المشاهد للمحتوى والمضمون. ويشير فهمي إلى أن انجذاب المشاهد للمادة المعروضة، قد يصل في أحيان كثيرة إلى درجة الهوس والجنون، فمنذ سنوات عدة، وقعت حادثة شهيرة ومثيرة للجدل في أميركا، وذلك عندما تم قُتل أحد الأباء في منزله، بينما انشغل أطفاله بمتابعة مسلسلهم المفضل الذي حان موعد إذاعته اليومي، بعد جريمة القتل مباشرة. عندما لفتت تلك الحادثة أنظار الباحثين في علم الاجتماع، قامت جامعة نبراسكا بدراسة حول تلك الحادثة البشعة، حيث طرحت سؤالاً محدداً على عدد من الأطفال، نص هذا السؤال كان كالآتي: "ماذا تفضلون، الاحتفاظ بآبائكم أو بأجهزة التلفزيون؟". الصدمة تبدت بشكل واضح في أجوبة الأطفال، وذلك عندما اختار أكثر من نصفهم أن يحتفظوا بأجهزة التلفاز عوضاً عن آبائهم. المشكلة الكبرى تحدث عندما يكون الإعلام المتلفز موجّهاً من قبل الدولة، في تلك الحالة تحديداً يصير التلفزيون قوة جبارة ليس لقدراتها حدود. يحكي المؤلف عن حوار دار ما بين صديق له يمتلك شركة مقاولات وبين أحد العمال الذين يعملون معه، كان الحوار عن إحدى القضايا التي شغلت الرأي العام المصري وقتها، وكان العامل يتبنى وجهة نظر مقدمي برامج التوك شو. وعندما سأله المقاول عن سبب ثقته في هذه البرامج، رد عليه العامل قائلاً: (لأنهم لا يكذبون)، فقال له المقاول: "بالعكس إنهم يكذبون كثيراً"، فقال العامل بعفوية: "غير صحيح لو كانوا يكذبون لمنعتهم الحكومة وحظرتهم". ويحاول فهمي أن يُجمل أشكال خداع الإعلام للجمهور في اتجاهين رئيسين، فيحصر ذلك في · تبسيط الواقع أو تضخيمه، بحسب الغاية والمصلحة. · تقديم واقع خيالي بعيد تماماً عن الحقيقة. من يدفع للزمار... هناك مثل شهير يقول: "من يدفع للزمار يختار اللحن". يتم ترديد ذلك المثل للإشارة إلى أن الجهة التي تتحمل التكلفة والأعباء، هي نفسها التي يحق لها أن تختار ما يقدم. يرى فهمي أن الحالة الإعلامية ليست في معزل عن تلك القاعدة، فالجهة المسؤولة عن دفع تكاليف إنشاء قناة إعلامية فضائية، هي –وحدها-التي تختار وتحدد ما سيتم تقديمه على القناة، وبالتبعية ستحدد الأفكار التي ستغيّر وعي المشاهدين. يؤكد المؤلف أن التكاليف المطلوبة لإنشاء قناة فضائية بسيطة، لن تقل عن مليوني دولار سنوياً، ومن الممكن أن يرتفع ذلك الرقم ليصل إلى عشرات الملايين من الجنيهات في حال كانت القناة كبيرة بقدر ما. ويؤكد المؤلف على أن تكاليف تلك القنوات، لا يمكن استرجاعها وتعويضها كلها فيما بعد، فهو ينقل تصريحاً لوزير الإعلام المصري الأسبق، قال فيه إن القنوات الفضائية المصرية الخاصة تنفق ستة مليارات جنيه سنوياً، بينما تحقق إيرادات تبلغ في المتوسط مليار ونصف المليار جنيه، ومعنى ذلك أن الجهات المنتجة تتحمل ما يزيد عن الأربعة مليارات جنيه. ويتساءل المؤلف عن السبب الذي قد يجعل تلك الجهات تنفق كل تلك الأموال بلا فائدة مادية. ويصل في نهاية السؤال إلى إجابة محددة، وهي أن الفائدة تتمثل في "التأثير في توجهات الرأي العام وردود أفعاله". فأصحاب تلك القنوات يقومون بحماية مصالحهم الاقتصادية والثقافية والسياسية، حيث يقومون بدفع تلك المبالغ الطائلة من أجل التحكم في الرأي العام، عبر عملية إعادة توجيه تستخدم توليد سلوكيات جديدة وتؤدي بالتبعية إلى تغيير قناعات المشاهدين. وهنا يلفت المؤلف أنظار القراء، إلى حالة التماهي القائمة ما بين أضلاع مثلث المال والسياسة والإعلام. فكل ضلع من أضلاع ذلك المثلث، يحتاج إلى الضلعين الآخرين، فرجال الأعمال يحتاجون إلى السياسيين لتمرير القرارات الاقتصادية ذات النفع لهم. أما السياسيون فيحتاجون إلى المال اللازم لإنجاح برامجهم الانتخابية، ليصلوا إلى مقاعد النفوذ والحكم، والطرفان (رجال الأعمال والساسة) يبحثون عن الوسيلة الإعلامية التي تؤثر على الجمهور، وتقنعه بتنفيذ مخططاتهم النفعية. يستدل المؤلف على فرضيته بنموذج مهم ومؤثر، وهو جاك أبراموف، الملقب بصانع الملوك. يرى فهمي أن أبراموف يعطي نموذجاً مباشراً على كيفية تدافع الأركان الثلاثة: المال والإعلام والسياسة، على حساب الجمهور أو المصلحة العامة. أبراموف قام بتأسيس شركة هدفها التنسيق ما بين أصحاب الاستثمارات ورجال الأعمال والشركات الكبرى، في سبيل اختيار مرشح سياسي واحد في الانتخابات، حيث تم تحديد ما تطلبه كل شركة أو مؤسسة من المرشح، وكيف ستستفيد تلك الجهات المختلفة من انتخابه، وكيف يتم ضمان عدم تعارض تلك المصالح مع بعضها البعض. طبعا كان أبراموف يقوم بتلميع ذلك المرشح إعلامياً، وكان يقوم بدفع تلك التكلفة من أموال الشركات والمؤسسات المساندة له، وبمرور الوقت بلغ نفوذ أبراموف مبلغاً عظيماً، حتى قيل إنه كان يوزع مقاعد الكونغرس في مكتبه، وأنه كان يدخل البيت الأبيض ويلتقي بكبار المسؤولين في أي وقت يريد. ويعتقد المؤلف أن ذلك التماهي الحادث ما بين السياسة والمال والإعلام، قد أدى إلى ظهور ما يسمّيه بتغيير الولاء، إذ أن الإعلامي قد صار يبحث عن المال والنفوذ، بغض النظر عن أي معايير أخلاقية أو قيمية، وهو ما جعله يشبه لاعب كرة القدم المحترف الذي قد يترك الفريق الذي يلعب فيه، وينتقل إلى فريق آخر في حال وجد عرضاً مالياً أفضل. ويضرب فهمي مثالاً مميزاً لتلك الحالة من تغيير الولاء، وهي حالة إدوارد بيرنز الذي ظل أعواماً يدعو للتدخين، ولكن عندما توفيت زوجته بمرض سرطان الرئة، فإنه انقلب على عقبيه وصار من أبرز الرافضين للتدخين. بافلوف وتجربة الكلب في العقد الثاني من القرن العشرين، ظهر ما يعرف بالاتجاهات السلوكية في علم النفس، حيث اعتقد الكثير من العلماء أن نماذج السلوك عند الإنسان تتشابه مع مثيلاتها عن الحيوان. العالم الروسي المعروف إيفان بافلوف كانت له تجربة شهيرة، موجزها أنه قام بتعريض مجموعة من الكلاب لبعض المثيرات الخارجية، منها ما هو مثير حقيقي مثل الطعام، ومنها ما هو مثير محايد مثل الجرس، فكان يقدم الطعام للكلاب مع ضرب الجرس، ثم صار يضرب الجرس من دون تقديم الطعام. بافلوف اكتشف أن رد فعل الكلاب (جريان اللعاب)، قد صار يتحقق بعد فترة في حال تحقق المثير المحايد وحده، ورغم غياب المثير الحقيقي. هذه النظرية اقتبسها الإعلام المتلفز منذ فترة طويلة، واستخدمها في توصيل العديد من الرسائل. الإعلام الأميركي قام بوضع صور الدمار والوحشية مع صور الجنود الألمان خلال فترة الحرب العالمية الثانية، بعد فترة صار ظهور صور الألمان في حد ذاته، يؤدي إلى الإحساس بالكراهية عند المشاهد. الحزب النازي في ألمانيا، استخدم تلك التقنية كثيراً لتشويه الفكر الديموقراطي، فقد كان من الطبيعي أن تخرج وسائل الإعلام لتقول (في ألمانيا كذا حزب وكذا مليون عاطل). بمرور الوقت استقر في اللاوعي الألماني أن البطالة نتيجة للديموقراطية، مما أدى بالتبعية إلى نفورهم منها وموافقتهم على نظرية الحزب الواحد. في الوقت الحالي يمارس الإعلام الغربي تلك الطريقة لتشويه صورة الإسلاميين، حيث تعرض الشاشات أشكال الإرهابيين وهم يقرؤون القرآن أو يقومون بأداء الصلاة، هذا أدى إلى أن معظم الغربيين يتخوفون من المسلمين في حال شاهدوهم أثناء ممارسة طقوس العبادة. فيما بعد تنفيذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر ايلول 2001، حرص الإعلام الأميركي بخلق ارتباط شرطي ما بين كل من أسامة بن لادن وصدام حسين، فإذا كانت الأول هو المسؤول عن تنفيذ الهجمات، فإن وضع اسم الثاني معه في جملة واحدة، سوف يؤدي إلى تحريك المشاعر السلبية ناحيته بالتأكيد. الاستعانة بالنخبة أحد أهم الوسائل والتقنيات التي يلجأ إليها الإعلاميون لترويج منتجهم الإعلامي، هي تلك التي تقوم على الاستعانة بالخبراء أو النخبة. الجمهور في الكثير من الأحيان والمواقف، يشعر بأنه غير قادر على اتخاذ القرار المناسب، ويكون في حاجة إلى من يرشده ويدفعه دفعاً في اتجاه بعينه، هنا يقدم الإعلام الحل، حينما يظهر في دور المحايد ويستقدم أفراداً يدعي أنهم خبراء، ثم يسألهم -ببراءة-عن الحلول، ويدعو الجمهور بعد ذلك إلى اتباعها. في عام 1924، انخفضت شعبية الرئيس الأميركي كالفن كوليدج، فقام باستدعاء الخبير الإعلامي بيرنز ليطلب منه النصيحة. ما قام به بيرنز هو أنه استقدم 34 نجماً من نجوم هوليود، وأقنعهم بأن يقوموا بزيارة للرئيس الأميركي، وهو ما أسفر بالتبعية عن زيادة كبيرة في شعبيته. يسمّي المؤلف تلك التقنية، بالتوظيف السياسي لنخبة الفن. فن الوصول إلى الزبون يؤكد المؤلف أن أي رسالة إعلامية تتعرض إلى معوقين يمنعان وصولهما إلى المستقبل بالصورة المستهدفة، وهما التشويش والفقد. ولما كان القائمون على العمل الإعلامي يعرفون جيداً أن هذين العاملين من الممكن أن يضيّعا المحتوى الذي يريدون تمريره، فإنهم عملوا على تكرار الرسالة الإعلامية لعدد كبير من المرات، بحيث يتم التأكد من توصيل الفكرة. ولهذا، فإننا نجد أن أي إعلان تجاري يتم تكراره عدداً من المرات في فترة زمنية قصيرة، لأن إعادة المشهد أمام أعين الزبائن مرات كثيرة، يؤدي إلى سيطرة الفكرة على اللاوعي. الكتاب: هندسة الجمهور: كيف تغير وسائل الإعلام الأفكار والتصرفات؟المؤلف: أحمد فهميالناشر: مركز البيان للبحوث والدراسات – الرياضمراجعة: محمد يسري أبو هدور