تهاوي ورشة البحرين الاقتصادية
هنا جاء رد الفعل الفلسطيني ممثلاً بتصريحات "نرفض استبدال مبدأ الأرض مقابل السلام بالازدهار مقابل السلام، وأودّ أن أعيد التأكيد على رفضنا المطلق للمحاولات الأميركية الهادفة إلى إسقاط القانون الدولي والشرعية الدولية بما يُسمّى صفقة القرن". هكذا صرَّح محمود عباس. مع تأكيد فلسطيني على أنهم لن يشاركوا في هذه "الورشة"، وأنهم لم يكلّفوا أية جهة بالتفاوض نيابة عن الشعب الفلسطيني، كما دعوا الدول العربية، التي وافقت على حضور ورشة عمل المنامة إلى إعادة النظر في مواقفها.
البداية مع ما أعلنه البيت الأبيض من أن الولايات المتحدة تنوي تنظيم ما تسمّيه بديل "المؤتمر" بـ"ورشة" اقتصادية تحتضنها البحرين يومي (25 و26 حزيران/ يونيو) الجاري، لتكون بمثابة الشطر الاقتصادي الاستهلالي من "صفقة القرن" التي تواصل إدارة ترامب الحديث عنها منذ سنتين. فسبق أن أوضحت ذات الإدارة أن هذه الورشة "فرصة محورية لاجتماع قادة حكومات وأعمال ومجتمع مدني لتبادل الأفكار ومناقشة الاستراتيجيات وبلورة التأييد لاستثمارات ومبادرات اقتصادية كامنة تجعل من الممكن التوصل إلى اتفاقية سلام". وإن جاءت خطوة أولى تبدو بمثابة وضع عربة الـ"صفقة" أمام الـ"حصان"، لسبب جوهري أول هو أن هذه الإدارة الأميركية تحديداً هي آخر جهة يحق لها اقتراح مشاريع سلام بين الفلسطينيين ودولة الاحتلال، وبالتالي فإنها آخر طرف يمكن له أن يحلم برعاية أية مبادرة متوازنة في الحدود الدنيا.
هنا جاء رد الفعل الفلسطيني ممثلاً بتصريحات "نرفض استبدال مبدأ الأرض مقابل السلام بالازدهار مقابل السلام، وأودّ أن أعيد التأكيد على رفضنا المطلق للمحاولات الأميركية الهادفة إلى إسقاط القانون الدولي والشرعية الدولية بما يُسمّى صفقة القرن". هكذا صرَّح محمود عباس. مع تأكيد فلسطيني على أنهم لن يشاركوا في هذه "الورشة"، وأنهم لم يكلّفوا أية جهة بالتفاوض نيابة عن الشعب الفلسطيني، كما دعوا الدول العربية، التي وافقت على حضور ورشة عمل المنامة إلى إعادة النظر في مواقفها.
هنا جاء المؤتمر كحلٍ تصفوي من خلال بوابة اقتصادية، فكما هو معروف، كان جاريد كوشنر صهر ترامب ومستشاره، وجيسون غرينبلات المبعوث الخاص لشؤون المفاوضات، قد تعاونا في صوغ الصفقة وألمحا مراراً إلى شذرات غامضة فيها من دون الإفصاح عن عناصرها كصيغة متكاملة، وبالتالي فإن الملتقى المُزمَع عقده في البحرين يشكّل الخطوة الأولى الأوضح في هذا المضمار.
لقد تساءل صائب عريقات في سياق تأكيد الرفض الفلسطيني لبحث سُبُل الاستثمار في الأراضي الفلسطينية «لماذا أيتها الشقيقة البحرين؟!».. لم يأته الجواب من "المنامة" ولا من "واشنطن" بل من المحلّل السياسي في القناة 13 الإسرائيلية (باراك رافيد)، يقول فيه "دعوة الولايات المتحدة إلى مؤتمر اقتصادي في (المنامة) هي عبارة عن الجزء الاقتصادي من الخطة الأميركية للسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين بالرغم من إعلان السلطة الفلسطينية مقاطعة هذا المؤتمر".
عليه فالولايات المتحدة قسّمت خطة السلام إلى جزءين، (اقتصادي وسياسي)، وذلك بعد مناقشات طويلة وتقديرات داخل البيت الأبيض بعد إعلان السلطة الفلسطينية رفضها للخطة، وتأمل الولايات المتحدة من إعلان القسم الاقتصادي لوحده أن يشكّل ضغطاً شعبياً على عباس للقبول بالقسم السياسي نظراً لسوء الأوضاع الاقتصادية التي يعاني منها الفلسطينيون في الضفة والقطاع. فإستعمال الورقة الاقتصادية للضغط على الفلسطينيين، بل ومساومتهم وابتزازهم، لقبول ما لا يمكن قبوله، يجعل الهدف من مؤتمر البحرين، وفق ما قاله مصطفى البرغوثي، هو "تمرير صفقة القرن التي هي ليست حلاً، وإنما هي محاولة لإضفاء شرعية أميركية ودولية على استمرار الاحتلال، ومحاولة لفرض التطبيع بين العرب وإسرائيل".
نعم قد يكون للأميركيين وسط ذلك فَهْم آخر يسعون لترويجه حالياً، فها هو المتحدّث الإقليمي لوزارة الخارجية الأميركية (ناثان تك) يقول إن "الهدف الرئيسي من ورشة البحرين هو الرفع من مستوى عيش المواطن الفلسطيني العادي، من خلال حشد الدعم لإيجاد سُبُل جديدة للوصول لهذا المُبتغى، وأن المؤتمر سيشكّل فرصة لطرح جزء من الخطة الاقتصادية على الحاضرين والاستماع لردودهم للتعامل معها، وعليه فإن واشنطن قامت بدراسة عميقة ومتأنية للقضايا السياسية الفلسطينية العالقة، وبالتالي ستعمل على معالجتها بشكل دقيق جداً". وإن كان واقع الأمر أنه لا أحد من الفلسطينيين يمكن أن يقبل بتبريراتٍ من هذا القبيل فالجانب الاقتصادي لا يمكن أن يكون سوى التتويج لمسار سياسي عادل وثمرة له. لا يمكن أن يكون سابقاً له، ناهيك أن يكون بديلاً أو "رشوة" لإسقاط الحل السياسي القائم بالضرورة على إنهاء الاحتلال.
إن اختيار المنامة لعقد هذه "الورشة"، في محاولة لتخفيف كلمة "مؤتمر"، لم يأت صدفة فهذا الاختيار ينمّ مُسبقاً عن رضى عربي على المناسبة وسياقها وهو الموقف المطلوب تحديداً من هذه العواصم العربية التي تعوّل عليها واشنطن لتمويل بعضهم كل ما يتعلق بالجانب المالي والاستثماري في صفقة القرن. ففي العقود السابقة، كان المال العربي الذي يُقدَّم إلى الفلسطينيين ممثلين في منظمة التحرير موجّهاً إلى دعم صمودهم وكان هذا المال في معظمه خليجياً وسعودياً بالدرجة الأولى غير أن هذا الدعم تراجع كثيراً في السنوات الماضية حتى بات الآن يوجَّه في الاتجاه المُعاكس.
يبقى في النهاية أنها "ورشة" محكوم عليها بالفشل الذريع، ذلك لأن "عربة تطبيع" تحمل 650 مليار دولار لن تفلح في اقتياد "حصان سلام" جاثِم خلفها، ومُكبّل أصلاً بخيارات ترامب المُعادية للفلسطينيين أولاً، وكذلك بسياسات نتنياهو في الاستيطان وقَضْم الأراضي وقرصنة الأموال وفرض الحصار وسنّ القوانين العنصرية. ولعلّ بند النجاح الوحيد الذي ستنجزه "ورشة البحرين" سوف يتمثل في إضافة صفحة جديدة إلى سجل المنامة وعديد عواصم العرب نحو مزيد من التطبيع مع دولة الاحتلال.
فالبحث عن "سلام" من بوابة الاقتصاد ليس أمراً جديداً في تاريخ هذا النزاع، فقد تمّ تجريبه في الماضي وكان بنداً دائماً على غالبية مشاريع التسوية منذ بدايات الصراع، وانتهى دائماً إلى فشلٍ ذريعٍ أو انقلب إلى الضدّ في الواقع. ولهذا فإنّ إعلان البيت الأبيض عن مسعى استدراج عشرات المليارات من الدولارات، تسدّدها دول عربية غنية وأخرى مانِحة في أوروبا وآسيا، لن يصنع فارِقاً عن مساعٍ سابقة ما دامت المليارات لا تخدم الحلّ السياسي أولاً، ولا تضمن حقوق الشعب الفلسطيني. كذلك سوف تظل المحاولة عقيمة ما دامت "صفقة القرن" هذه لم تعلن من عناصرها السياسية سوى إسقاط حق فلسطيني أصيل.