هل تدعم "الإمكانيات الصينية" إيران في مواجهة "التهديدات الأميركية"؟
هي الصين التي تعتبر إيران مصدراً رئيسياً للطاقة وسوقاً مهمة لها. إذ إن موقع إيران الجغرافي على ملتقى الطرق المهمة يجعلها ذات أهمية هائلة لرؤية الصين الساعية لدمج هذه المناطق الرئيسية من خلال مشاريع البنية التحتية والنقل المصمّمة لتوسيع النفوذ السياسي والاقتصادي الصيني.
كل ذلك حمل دلالات كبيرة في منتدى "الحزام والطريق" بنسخته الثانية تحت عنوان "تعاون الحزام والطريق، وتشكيل مستقبل مشترك أكثر إشراقاً"، أبرزها حجم المشاركة الواسع الذي وصل إلى 37 دولة، مضامين متناسقة للرؤى الاقتصادية للدول الكبرى المشاركة، بالإضافة إلى ضخامة المشروع الصيني المُتنامي لإحياء طريق الحرير القديم باتجاه الغرب.
لقد توطّدت العلاقات الثنائية مع إعلان مبادرة "الحزام الواحد، الطريق الواحد"، والتي تلعب إيران دوراً مهماً فيها. ومع ذلك، لم تتطوّر هذه العلاقات إلى مصاف تحالف إستراتيجي. فلقد أرادت كلتا الدولتين مراعاة مصالحهما من دون تعريض العلاقات مع اللاعبين الآخرين للخطر، والصين، على وجه الخصوص، لم ترغب في أن يلحق دعمها لإيران الضرر بعلاقتها مع القوى الغربية في حينه. رغم ذلك فكثيراً ما يصف المسؤولون الصينيون علاقتهم بإيران بأنها تعكس "20 قرناً من التعاون"، وإن بدأت الشراكة المعاصرة بين البلدين في الأيام الأخيرة لحكم الشاه في آب/ أغسطس 1978، وإن سارعت الصين بعد الثورة إلى مد الجسور مع النظام الجديد من خلال الاعتذار عن زيارتات سابقة والتعبير عن رغبتها في إقامة علاقات أكبر مع الجمهورية الإسلامية. على العكس فإن تاريخ العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران نجدها تسمّمت جرّاء ثورة 1979، لكن بمرور السنوات جاءت سياسة ترامب الخارجية والتي لا يمكن التنبؤ بها. فقد حذّر إيران من "عواقب اختبرتها قلّة على مر التاريخ"، وجاء ذلك رداً على تصريحات الرئيس روحاني الموجّهة للدبلوماسيين الإيرانيين بأن "أميركا يجب أن تعرف أن السلام مع إيران هو أمّ السلام كله، والحرب مع إيران هي أمّ الحروب كلها".
رغم ذلك فإيران صرّحت أنها "ستبقى طرفاً في الاتفاقية طالما أن الدول الأخرى الموقّعة على الاتفاق تزوِّد طهران بالاستثمارات التي وُعِدت بها مقابل توقيع الاتفاقية. وقد تجلس إلى طاولة المحادثات مع الولايات المتحدة الأميركية في حال أوقفت الأخيرة ضغوطها على طهران وقدّمت اعتذاراً لها، فالولايات المتحدة الأميركية ليست جادّة في مسألة التفاوض مع طهران، وعليه فإن أيّ طلب للتفاوض يستند إلى (الكذب والتنمّر)، لن يؤدّي إلى نتيجة. فالشعب الإيراني يدرك جيداً أن المقاومة هي أفضل سبيل لمواجهة المبادرات غير القانونية، فالتفاوض هو الطريق الذي يجب أن نسلكه بعد إنهاء كافة أنواع الضغوط الممارسة ضدنا. كما أننا رجال حرب ودفاع، فإننا رجال تفاوض ودبلوماسية أيضاً". هكذا تحدّث روحاني.
في العقود التي أعقبت حرب الخليج الأولى بين إيران والعراق (1980-1988)، تحوّلت الصين إلـى"لاعب رئيسي" في اقتصاد إيران، وعلاقاتها التجارية، وسياستها الخارجية، وشؤونها العسكرية. ففي منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، عندما بدأت الولايات المتحدة وشركاؤها بتشديد العقوبات في محاولة لتقليص برنامج إيران النووي، قوّضت بكين الجهود الأميركية من خلال إغاثة إيران اقتصادياً، وفتح قناة مباشرة لها مع مجلس الأمن، وتقديم الدعم العسكري إليها. فبينما يأتي الضغط الأميركي على الدول والشركات لمغادرة السوق الإيرانية ووقف استيراد النفط الإيراني، تأمل طهران أن تحميها بكين من أضرار اقتصادية أكبر. بدورها، تقوم الصين بتقييم خياراتها. فلقد أصبحت هذه الشركات أكثر عالمية، ما يعني أنها أكثر عرضة للضغط الأميركي مما كانت عليه في الماضي. فواشنطن لم تتردّد في معاقبة الشركات الصينية مثل شركتي الاتصالات هواوي و"زد تي إي" للقيام بأعمال مع طهران. ومع ذلك، لدى إيران أسباب لأن تكون متفائلة.
الواقع أنه لا تزال الشركات الصينية الكبرى تشارك بنشاط في إيران والعديد منها يستعد للدخول بقوّة مع انسحاب الشركات الأوروبية. على سبيل المثال، تواصل الصين الاستثمار بكثافة في قطاعي السكك الحديد والطاقة الإيرانيين. ففي تموز/ يوليو 2017، وافقت الصين على استثمار 1.5 مليار دولار لتحويل خط قطار (طهران- مشهد) إلى الطاقة الكهربائية. كما أن الصين هي أكثر مرونة في ما يتعلّق بالدفع، وقد استخدمت المقايضة في الماضي، كما أنها تبذل جهداً كبيراً لتصبح أقل اعتماداً على الدولار الأميركي باستخدام عملتها الوطنية لدفع ثمن واردات النفط بهدف إنشاء مناعة ضد الضغط الاقتصادي الأميركي.
هذا يعني أن العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الصين وإيران ستستمر على الأرجح، حتى في الوقت الذي سوف تفرض فيه إدارة ترامب عقوبات جديدة. عليه ستلعب الصين أيضاً دوراً مهماً في ضمان استمرار تنفيذ الجوانب التقنية النووية للاتفاقية. ومع خروج واشنطن من المعادلة، فسوف تصبح بكين الآن في مقعد القيادة بالنسبة لإعادة تصميم منشأة إيرانية نووية رئيسية، وهذا يجعل من بكين لاعباً أكبر في القطاع النووي الإيراني. فالصين لديها بالفعل قدر كبير في إيران، وهذا سوف ينمو مع استمرار تعثّر الاتفاق النووي.
كذلك فرغبة الصين في مواصلة التجارة مع إيران ستُعيق الجهود الأميركية لعزل البلاد وستجعل العقوبات أقل فعالية مما كانت عليه في الماضي. والأهم من ذلك، ولأن ترامب يعيد فرض العقوبات من جانب واحد على الرغم من أن إيران لم تنتهك هذه الصفقة، هنا على المدى الطويل، سيضعف ذلك من الجهود الأميركية لفرض صفقة جديدة على إيران. ونبقى أمام عديد الأسئلة التي تحتاج لإجابات منها: هل ما يحدث يصنّف كزحزحة خطوات لخنق إيران وتأجيج روح الحرب، ومنها قرار واشنطن بشأن عدم تجديد إعفاءات استيراد النفط الإيراني؟. وعليه فهل ينجح حلفاء أميركا في مساعدتها الرامية لتقليص صادرات النفط الإيرانية إلى الصفر حتى لا يستمر بيعه بوسائل متعدّدة؟. فهل تدعم "الإمكانيات الصينية" إيران في مواجهة "التهديدات الأميركية"؟.