اليمن العظيم في مواجهة "عاصفة الحزم"

بعد كل الذي اقترفته المملكة العربية السعودية من جرائم مشهودة موثّقة في السجّل العالمي لحقوق الإنسان والمنظمات الدولية، وموثّقة في جميع وسائل الإعلام المحلية والعالمية، وقبل هذا وذاك موثّقة في الضمير الجَمْعي للشعب اليمني العظيم. كيف لأيّ أحد أيَّاً كان موقعه أو مستواه أن يحاول، لمجرّد المحاولة، التنصّل والهروب من كل هذه الجرائم وبهذه البساطة والسذاجة والتسطيح؟!.

دماء اليمنيين ليست رخيصة كما يظنّون، ولو كانت لما صمدوا أربع سنواتٍ عجاف

طالعتنا صحيفة الشرق الأوسط السعودية بمقالٍ سياسي تبريري للأمير تركي الفيصل وزير الاستخبارات السعودي الأسبق بعنوان (نحن واليمن، التفسيرات المغلوطة لتدخّل مشروع) في عددها الصادر يوم الجمعة 12 جمادى الأولى 1440 هـ، الموافق 18يناير 2019م، برقم [14661].

حاول الأمير المُخضرَم في قضايا العمل الاستخباري والتجسّسي والدبلوماسي، أن يبحث في رُكام التاريخ عن جدليّة العلاقات اليمنية السعودية الملغومة ، وعن مجموعةٍ من التبريرات التي تُجيز له من وجهة نظره أن يرى تدخّل المملكة السعودية واعتداءها السافِر على الجمهورية اليمنية (كان مشروعاً).

لكنه وقع سريعاً في مصيدة التاريخ الموثّق الذي يدركه العارفون وحتى عامة الشعب اليمني وشعوب نجد والحجاز ، وهو أن المملكة العربية السعودية في نسختها (الثالثة) قد ارتكبت سيلاً من الحماقات والعداوات والحروب تجاه الشعب اليمني بشطريه الجنوبي والشمالي ما قبل الوحدة، وهي حروب عدوانية لا تليق بأية دولة جارة مسلمة، (فاحِشة الثراء) كما سمّاهم صديقهم الحميم دونالد ترامب، أن تُمارس الاعتداء بهذه الفظاعة واحتلال جزء من أراضي (جارة وشقيقة).

نحن لم نعتد الرد على أيّ كاتب أو مثقّف أو إعلامي يتناول في مقالاته قضيّتنا اليمنية وعلاقتها بدول الجوار؛ لكننا ملزمون هنا أدبياً وسياسياً بأن نردّ على الأمير تركي الفيصل بن عبدالعزيز آل سعود باعتباره أحد أقطاب الحُكم في السعودية ، وشخصية لها باع طويل في العمل الاستخباراتي والدبلوماسي ومستشار خفيّ غير مُعلَن للأسرة الحاكِمة المالِكة للسعودية. من هنا جاءت فكرة الردّ على كل ذلك السيْل التبريري للعدوان على شعبنا اليمني وحكومته المركزية في العاصمة صنعاء.

عندما بدأ القوم عدوانهم السافِر على اليمن في صبيحة يوم الخميس 26 مارس 2015م، كان الرئيس المُنتهية ولايته السيّد/ عبد ربه منصور هادي في رحلةٍ بريةٍ طويلةٍ بين مدينة عدن وسلطنة عُمان مُتّجهاً إلى المملكة السعودية. وقد صرّح لدى وصوله إلى الأراضي العُمانية أو السعودية للقنوات التلفزيونية السعودية بما تناقله العديد من وسائل الإعلام، حيث قال بأنه لم يكن يدري أن هناك حرباً قد قامت وسُمّيت بعاصفة الحزم لأنه كان ببساطة شديدة مُتعباً، مُنهكاً من الرحلة البرية الطويلة؛ وثانياً قال إنه كان قد طلب من سفير الولايات المتحدة الأميركية في اليمن التدخّل العسكري منهم أو من حلفائهم بالمنطقة، لكن كان ردّ السفير الأميركي كما أفاد السيّد هادي بالرفض والاعتذار، مُتعلّلاً بأن أمراً خطيراً كهذا لا يستطيع الرئيس الأميركي أن يقرّره بمفرده من دون أخذ موافقة المؤسّسات الدستورية في أميركا، ولهذا فقد قنع منهم ومن حلفائهم فقرّر الرحيل ومغادرة اليمن للحفاظ على سلامته وسلامة أسرته.

هنا نسأل الأمير متى كتب لكم طلب التدخّل ووضعتم نسخة منه في أروقة وأضابير جامعة الدول العربية المُهترئة؟.

وحينما تكرّرون في أحاديثكم حكاية (الشرعية) مرات ومرات في مقالكم، ألا تتذكّرون للحظةٍ واحدةٍ أنكم شاركتم في تدمير كُلٍّ من جمهورية العراق والجمهورية العربية السورية والجماهيرية الليبية الشعبية، وهي دول وحكومات شرعية ومُنتخَبة من شعوبها، فكيف يصحّ لكم هنا ولا يصحّ لكم هناك أيها الأمير المُخضرَم ؟.

يُسهب الأمير في عتاب العالم أجمع وفي عدم رضاه عن المنظمات الإنسانية الدولية وحكومات هي في الأصل حليفة للمملكة وعن تقييمها لحرب العدوان على اليمن، ليقول بأن السعودية ليست هي مَن تسبّب في حصار اليمن وتجويع شعبه الصامِد، وتفشّي الأمراض المُزمنة والطارئة فيه بسبب منع وصول الدواء إلى المحتاجين؛ ويكرّر بأن السعودية ليست مَن كان السبب  في تدمير دولته ومؤسّساته وبنيته التحتية واحتلال جزره وشواطئه والعديد من محافظاته، ليقول إن طرفي الانقلاب في اليمن وهما المؤتمر الشعبي العام وأنصار الله هما المسؤولان عن كل ما جرى ويجري.

ركّز الأمير الاستخباراتي في مقاله المُسهَب، ومن مُنتجعه الباذِخ في الولايات المتحدة الأميركية حيث يُمضي هناك مُعظم أوقاته الدافئة، على أن هناك ثنائية محورية في (أمن واستقرار) اليمن ومملكة آل سعود؛ واستطرد في تعداد مجموعة من المحطّات التي يقول فيها إنها بمثابة ضرورة حتمية للطرفين.

هنا سأزيد على قوله قليلاً بأن ضرورات الجغرافيا والمصالح المشتركة تُحتِّم على الطرفين الحفاظ على سرّ أسرار ذلك الاستقرار الأمني المنشود، وهنا بدوري أؤكّد  أن أمن واستقرار المنطقة هما حاجة حتمية استراتيجية للبلدين الجارين، لكني سأعيد الأمير إلى مربّع التاريخ الذي هرب منه كثيراً ومحاولته التنصّل من مسؤولية حرب دولته العدوانية على اليمن، وللتذكير فحسب سأركّز على المحطّات التاريخية الآتية :

أولاً:

شنّت المملكة السعودية عدوانها الأول على المملكة المتوكلية اليمنية في العام 1934م واحتلّت كلاً من منطقتي الحديدة وحجة، وكانت القوات السعودية الغازية المحتلة بقيادة الأمير فيصل بن عبدالعزيز وهو أبو الأمير تركي الفيصل.

ثانياً:

وقفت المملكة السعودية ضد إرادة الشعب اليمني في ثورته المباركة في صبيحة الـ 26 سبتمبر 1962م ووقفت داعمة لفلول المَلكيين الهاربين إلى جنوب المملكة السعودية؛ إذ دعمتهم بالمال والسلاح والمرتزقة واستمر العدوان على اليمن قرابة 8 سنوات.

ثالثاً:

وقفت المملكة السعودية ضد إرادة الشعب اليمني في ثورته المباركة في 14 أكتوبر 1963م، وبعد الظّفر بالاستقلال الوطني في الــ 30 نوفمبر1967م في جنوب الوطن، قامت السعودية بحصارها ومحاربتها، ولَم تعترف بالنظام الوطني في جنوب اليمن إلا بعد قرابة 8 سنوات.

وعوضاً عن الاعتراف فقد دعمت السعودية بقايا السلاطين والأمراء والمرتزقة والعملاء بالمال والسلاح والموقف السياسي.

رابعاً:

شنّت المملكة السعوديّة الحرب على اليمن الجنوبي عام 1969م واستولت على أجزاءٍ واسعةٍ من أراضي الوديعة والشرورة وهي أرض يمنية أباً عن جدّ.

خامساً:

وقفت السعودية ضدّ إرادة الشعب اليمني في تحقيق وحدته المباركة في 22 مايو 1990م، وتم طرد ما يزيد عن مليون ونصف المليون مهاجر مُغترب يمني في ذات عام الوحدة كي تشكّل عقبة كؤوداً وتحدياً كبيراً في وجه الدولة اليمنية الوحدوية الوليدة، وشجّعت ودعمت حركة التمرّد الانفصالية التي قادها رموز الانفصال من عددٍ من قيادات المكتب السياسي للحزب الاشتراكي اليمني في مايو 1994م، ودعمت الانفصال بالمال والسلاح والعملاء والمرتزقة.

وللتذكير هنا فحسب فقد ذهب ضحيّة مؤامرتها هذه الآلاف من الشهداء والجرحى والمعوّقين من شعبنا اليمني.

سادساً:

شنّت المملكة السعودية حرباً ضروساً استمرت لأسابيع في الحدود الشمالية للجمهورية اليمنية وتحديداً في محافظة صعدة وراح ضحيّتها مئات من الشهداء والجرحى وتدمير البنى التحتية للمحافظة.

سابعاً:

شنّت المملكة السعودية حربها العدوانية الحالية منذ شهر مارس 2015م ولا تزال مستمرة في عدوانها حتى كتابة هذه الأسطر في العام 2019م، قتلت فيها عشرات الآلاف، وجرحت أضعافهم، وجوّعت الملايين من شعبنا الصابر الصامِد. وبسبب هذا العدوان من دون سواه تم إدخال المملكة السعودية ضمن قائمة العار السوداء التي يصدرها مجلس حقوق الإنسان التابع لهيئة الأمم المتحدة في جنيف لعامين متتاليين 2017م و2018م، واتخذت العديد من برلمانات العالم قرارات تشريعية بعدم تصدير الأسلحة والذخائر إلى السعودية، لأنها تقتل به الأطفال والنساء والشيوخ المدنيين. وللتذكير فحسب فإن الكونغرس الأميركي قد أصدر في نوفمبر 2018م قراره التاريخي بإدانة السعودية ومنع تصدير الأسلحة والذخائر إليها، لأنها تقتل الأطفال والنساء المدنيين اليمنيين.

بعد كل الذي اقترفته المملكة العربية السعودية من جرائم مشهودة موثّقة في السجّل العالمي لحقوق الإنسان والمنظمات الحقوقية الإنسانية الدولية، وموثّقة في جميع وسائل الإعلام المحلية والعالمية، وقبل هذا وذاك موثّقة في الضمير الجَمْعي للشعب اليمني العظيم.

كيف لأيّ أحد أيَّاً كان موقعه أو مستواه أن يحاول، لمجرّد المحاولة، التنصّل والهروب من كل هذه الجرائم وبهذه البساطة والسذاجة والتسطيح؟!!، لا أظن أن هناك عاقلاً ما في كرتنا الأرضيّة يستوعب هكذا تبرير لمجرّد الهروب من الاستحقاقات الإنسانية والأخلاقية والدينية والاقتصادية، لأن دماء اليمنيين ليست رخيصة كما يظنّون، ولو كانت لما صمدوا أربع سنواتٍ عجاف، وكذلك لما قال فيهم الرسول الأعظم محمّد بن عبدالله صلّى الله عليه وسلّم أزيد من أربعين حديثاً نبوياً شريفاً، تمجيداً لهم ولأدوارهم العظيمة.

هنا نقول لكم بصوت العقل والإرادة الجَمْعية للأمّة: مَن أنتم ومَن تكونون ؟؟؟ حتى تقدموا على كل ما صنعتم بشعبنا اليمني العظيم؛ ثم تبحثون بعد ذلك عن حجج سطحية ساذجة لتبرير عدوانكم.

لا وأكرّرها مراتٍ ومرات؛ فإن هذه الجرائم لن تذهب سراباً هباء، ولن تسقط بالتقادُم، ولن يفيدكم التستّر بورق التوت لإخفاء عورات جرائمكم لا اليوم ولا في المستقبل، والله أعلم منا جميعاً، وفَوقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيم.