الأمم المتحدة التي تتحدث عن حقوق أطفال اليمن

المجتمع الدولي هنا مدعو إلى الاستماع لأصوات هؤلاء الأطفال ضحايا التجنيد، والعمل على إنهاء الحرب لوقف معاناة الشعب اليمني.. ذلك بداية من عودة الحياة لليمن، والتخلّص من قوات وعصابات انتهكت حقوق الصغار قبل الكبار.

الواقع المرّ هنا أن أعمار الأطفال المُجنّدين تتراوح ما بين (10 – 17) سنة

أكثر من إحصاء رصد منذ مطلع العام الحالي، أن (305) من الأطفال اليمنيين في (14 محافظة)، وأن (70 في المئة) من هؤلاء الأطفال قُتِلوا في المعارك، فيما جُرِح (8 في المئة) منهم ووقع (9 في المئة) منهم أسرى لدى قوات التحالف السعودي، في حين أن (13 في المئة) ما زالوا على جبهات القتال.

جاءت البداية عندما أعلنت منظمة "سايف ذي تشيلدرن" (أنقذوا الأطفال) البريطانية غير الحكومية في تقرير قبل نهاية أيار (مايو) الماضي، أن أكثر من 1.2 بليون طفل في العالم، أي أكثر من نصف أطفال العالم، مُهدّدون بالحروب أو الفقر المُدقِع أو التمييز الجندري. ووضعت المنظمة الحقوقية في تقريرها الذي حمل عنوان "الأوجه المُتعدّدة للإقصاء" ترتيباً لـ 175 دولة، بناء على التهديدات التي يتعرّض لها الأطفال من ناحية التعليم والصحة والتغذية والعنف.

لقد لفتت المنظمة في تقريرها إلى أنه على رغم قوّتها الاقتصادية والعسكرية والتقنية، إلا أن الولايات المتحدة (المرتبة 36)، وروسيا (المرتبة 37)، والصين (المرتبة 40) حلّت في الترتيب خلف كل دول أوروبا الغربية. وقالت المديرة العامة للمنظمة هيلي تورنينغ شميت، إن الواقع أن دولاً لديها مستويات دخل مُتشابِهة احتلّت مراكز مختلفة إلى هذا الحدّ، يُبيّن أن الالتزام السياسي والاستثمار يُحدثان فارقاً بالغ الأهمية. وفي المحصّلة، وجد التقرير أن أكثر من بليون طفل يعيشون في دول تواجه فقراً مُدقعاً، في حين يعيش 240 مليون طفل في دول تشهد حروباً.

أشارت المنظمة إلى أن 575 مليون فتاة يعشن في مجتمعات تعتبر فيها الأحكام المُسبقة المُرتكزة على التمييز الجندري مشكلة خطرة، وأكّدت وجود 20 دولة في العالم، بينها اليمن، تجتمع فيها التهديدات الثلاثة، أي الفقر المدقع والحروب والتمييز الجندري. وتزداد الصعوبات أكثر في المناطق التي تشهد نزاعات، إذ أن معدّلات عمالة الأطفال والزواج القسري في هذه المناطق هي أعلى مما هي عليه في مناطق أخرى، في حين يُعتَبر التعليم الابتدائي الشامل شبه غائب.

في فيلم وثائقي تم عرضه لرصد الانتهاكات في اليمن، من خلاله تم رصد انتهاك لحقوق الإنسان، ذلك خلال ندوة نُظمّت في مقرّ الأمم المتحدة في جنيف ضمن فعاليات الدورة الـ(38) لمجلس حقوق الإنسان، حول تجنيد الأطفال في اليمن، مع تعرّضهم ورفاقهم الذين جنّدهم البعض في صفوفهم للضرب والضغوط النفسية والقتل والإصابات والإعاقة، إلى جانب وضعهم تحت الرقابة إذ تجبرهم بعض القوات على العودة إلى جبهات القتال كلما حاولوا الهرب.

الواقع المرّ هنا أن أعمار الأطفال المُجنّدين تتراوح ما بين (10 – 17) سنة. كذلك فإن القوات تُجنّد هؤلاء الأطفال وتزجّ بهم كوقودٍ للحرب عبر استغلال الظروف الاقتصادية، كما تختطف بعضهم من أُسَرِهم أو تغرِّر بهم، ثم تخضعهم لدورات تدريبية دينية لغسل أدمغتهم.

ما حدث هنا هو أن سبق وأبرز بعض الباحثين اليمنيين في الحقوق والحريات، في كلمة خلال الندوة جهود عملية إعادة تأهيل الأطفال المُجنّدين والمُتأثّرين بالحرب في اليمن، مشيرين إلى أن نسبة الأطفال المُجنّدين في هذه الصفوف تقدَّر بنحو (3 في المئة)، وذلك وفق دراسة ميدانية قامت بها مؤسّسة (وثاق) العاملة في مجال الرصد. وكشفت الدراسة أن (80 في المئة) من الأطفال ينخرطون في التجنيد بسبب الأوضاع الاقتصادية والحاجة المادية، و(10 في المئة) لأسبابٍ عقائديةٍ وبسبب التعبئة في صفوف الأطفال.

هنا تم لفت الأنظار نحو أبرز الانتهاكات التي يتعرّض لها الأطفال بسبب التجنيد، ومنها خطر القتل والإصابة والحرمان من التعليم والتعرّض للاستغلال الجنسي والاضطرابات النفسية. كذلك تم استعراض وسائل وطُرُق العلاج والتأهيل التي تُتَّبع مع هؤلاء الأطفال، مع أهمية توعية الأهل للحد من انخراط أبنائهم في القتال أو في صفوف المُقاتلين، وتقديم إحصاءات عن المناطق التي شملتها عملية تأهيل الأطفال، ذلك نحو المساهمة في إعادتهم إلى ممارسة الحياة الطبيعية بين أقرانهم.

الأمم المتحدة في جنيف عقدت ندوة على هامش أعمال الدورة الـ(38) لمجلس حقوق الإنسان، ناقشت خلالها أنواع الانتهاكات ضد اليمنيين. وجاء الاتفاق الأخير ليتضمّن إعادة تأهيل الأطفال المُجنّدين والمُتأثّرين بالحرب التي شنّتها القوات في المرحلتين الخامسة والسادسة، بهدف التأهيل النفسي لعدد (80 طفلاً) من ضحايا الحروب وتجنيد الأطفال، وإعادة دمجهم في مجتمعاتهم. كما تضمّن الاتفاق توعية أولياء أمور الأطفال المُجنّدين بأخطار تجنيد الأطفال وكيفية إيجاد بيئة أُسرية لهم، وإلحاقهم بالمدارس، وتحديد الحاجات الخاصة بهم في العلاج الطبي أو الطبيعي، وتنظيم دورة توعية للوقاية من العنف والإصابات والإعاقة.

تجدر الإشارة هنا إلى أن الاتفاق السالف الذِكر لا يستهدف (80 طفلاً) فقط، بل وأيضاً (80) من أولياء أمور الأطفال في شكلٍ مباشر، إضافة إلى (1920) مستفيداً في شكلٍ غير مباشر في محافظة مأرب، بقيمة إجمالية تبلغ (209 آلاف)، ذلك نحو خطوة متقدّمة ومتطوّرة في علاج هذه المشكلة.

نعم يجب على حكومات العالم أجمع سرعة اتّخاذ "خطوة عاجِلة" نحو أطفال اليمن، فمن دون ذلك، لن يتم الالتزام بالوعود التي قطعتها كل الدول الأعضاء في الأمم المتحدة العام 2015 بالسماح لكل طفل بأن ينعم بالحياة والتعليم والحماية، وسيبقى كل هذا حبراً على ورق، ويرقى لكلام مرسل، تستمتع به قوات تنتهك حقوق أطفال صباح مساء، من دون الأخذ في الاعتبار لأيّ قرار أممي، ويكون قد استوطنت في قلوب مثل هؤلاء الحرب.

يبقى أن المجتمع الدولي هنا مدعو إلى الاستماع لأصوات هؤلاء الأطفال ضحايا التجنيد، والعمل على إنهاء الحرب لوقف معاناة الشعب اليمني.. ذلك بداية من عودة الحياة لليمن، والتخلّص من قوات وعصابات انتهكت حقوق الصغار قبل الكبار.. فأين المنظمات الأممية؟ وأين الحقوقيين؟.. ليقف الجميع صفاً واحداً في وجه هذه القوات في اليمن.. ذلك من أجل أطفال اليمن.. نحو رفع التجنيد الإجباري وكذلك إعادة التأهيل الكامل.