هل تنهي السجائر عهد نتنياهو؟؟

تمنح الأجندة الزمنية للمسار القانوني هامشاً كبيراً من الوقت الكافي لنتنياهو للمناورة السياسية بشتّى الوسائل المُمكنة، وخاصة أن المعارضة الصهيونية ضعيفة، والأوضاع الأمنية والسياسية، التي تحيط بدولة الاحتلال ساخنة جداً.

من المتوقّع أن يستمر نتنياهو في لعب دور "الضحية المُطارَدَة" أمام مؤيّديه ولكنه سيصبح أكثر خنوعاً لشركائه في الائتلاف

إجراء 180 جلسة تحقيق، والاستماع إلى 80 شاهداً في القضية، تنشر الشرطة الصهيونية توصياتها في قضيّتي نتنياهو رقم "1000،2000"، القاضية بتقديم لائحة اتّهام ضدّه بتهم تلقّي الرشوة، وخيانة الأمانة، والاحتيال، كما أوصت بتقديم لائحة اتّهام ضد كلٍ من رجل الأعمال والملياردير " أرنون ميلشن" المُقرّب من نتنياهو بتهمة دفع رشاوى، و"نوني موزيس" مالك صحيفة "يديعوت أحرنوت" بنفس التهمة.

علّق نتنياهو على هذه التوصيات "أن ليس لها مكانة في النُظم الديمقراطية"، حيث يرمز إلى عدم ذهابه إلى تقديم استقالته من رئاسة الحكومة، أو حتى حلّها، والدعوة إلى انتخابات مبكرة ، هذا الموقف ليس بالجديد عليه، فمنذ تأكّده من وجود توصيات لتقديم لائحة اتّهام ضدّه من قِبَلْ الشرطة، اتّخذ نتنياهو قرار البقاء بكل ثمن، ومهّد له بفتح نيران الحرب تارة على مسؤول عام الشرطة "روني ألشيخ" واتّهمه بالانحياز وعدم الكفاءة المهنية، وتارةً أخرى باتهامه للإعلام الصهيوني أنه يساري، يسعى إلى الإطاحة به بعد أن فشل اليسار الصهيوني بذلك عن طريق صناديق الانتخابات.

المواقف _ حتى الآن _ التي صدرت من المُقرّبين لنتنياهو تدعم استراتيجية البقاء، حيث صرّح محاميه الشخصي" عميت حداد" في لقاء مع إذاعة " ريشت بيت" " أن الشرطة ضخّمت من مقدار المبالغ التي تدّعي أن نتنياهو تلقّاها من "ميلشن" كهدايا، وأن المبالغ أقل من ذلك بكثير، ولا تتعدّى نصف مليون شيكل، وأن نتنياهو لم يُقدّم أيّ مقابل لميلشن على ذلك ، بل لم يتدخّل في مواضيع ميلشن مع الحكومة".

موقف نتنياهو حتى الآن جيّد لسببين رئيسين: الأول، أن المواقف الصادرة من كل ٍ من وزراء وأعضاء حزبه الليكود داعِمة لبراءته، حيث صرّح الوزير "تساحي هنيغبي" بإيمانه العميق ببراءة نتنياهو ، وكذلك الوزيرة "ميري ريجف" دعمت نتنياهو، ووجّهت أصابع الاتهام إلى "يائير لبيد" زعيم حزب "هناك مستقبل" بأنه " أظهر وجهه الحقيقي ، كسياسي فاشل ، يحاول إسقاط نتنياهو"، حيث تبيّن من التحقيق أن "يائير لبيد" شاهِد مركزي  في القضية 2000، كونه كان يتولّى منصب وزير المالية في حكومة نتنياهو في تلك الفترة، ناهيك عن جوقة المُصفّقين لنتنياهو داخل الليكود بقيادة "دفيد أمسالم" و" أرون حزان".

 ولكن الأهم، مواقف شركائه في الائتلاف الحكومي، والذين يمتلكون المُبرّر الأخلاقي والسياسي أمام ناخبيهم لإسقاط حكومة نتنياهو اليمينية، فنجد أن الشريك الأهم في الحكومة "موشي كحلون" يدعم استمرار نتنياهو بقيادة الحكومة ، حيث اعتبر " أن الكلمة الأخيرة في تقديم لائحة الاتهام ضد نتنياهو، هي بيد المستشار القانوني للحكومة " أفيخاي مندلبلت" فقط، وسار على نفس الخط كل من "أفيغدور ليبرمان" ونفتالي بينت"، ولم يبتعد موقف حزب "يهدوت هتوراه" الحريدي عن ذلك، حيث اعتبر أن نتنياهو بريء حتى تثبت إدانته ، و بمعنى أن شركاءه في الائتلاف سينتظرون قرار المستشار القانوني للحكومة ، والواضح من المشهد السياسي الصهيوني أنهم ليس لديهم مصلحة في إسقاط حكومة نتنياهو في هذه الظروف والأوقات.

السبب الثاني،  الوقت، فالمسار القانوني حتى إعلان المستشار القانوني للحكومة على تقديم لائحة اتهام _ إن قرّر_، والبدء في محاكمة نتنياهو، هو مسار معقد وطويل نسبياً، فبعد تقديم الشرطة توصياتها، انتقلت القضية إلى نيابة الأموال العامة ، حيث تم تحديد اثنين من وكلاء النيابة المُحترفين، وأصحاب الخبرة العالية في ملفات مُماثِلة، أهمها قضية رئيس الوزراء السابق  "أيهود أولمرت"، والذي بفضل جهودهم تمت إدانته، وبعدها يتم رفع توصياتهم للمدّعي العام" شاي نيتسان" حيث يقدّم هو الآخر توصياته، ويُحيل الملف إلى المستشار القانوني للحكومة، وعندها المستشار يدرس القضية من زوايا كثيرة، إضافةً إلى الزاوية القانونية، ويُصدر قراره بتقديم لائحة اتهام أو عدمه، وعلى أقل معدّل سيتم ذلك مع بداية شهر سبتمبر القادم ، وفي حال إقرار المستشار تقديم لائحة اتهام ، القانون يمنح نتنياهو الحق في إدلاء شهادة مسموعة للمستشار في وقت أقصاه فبراير 2019، وفي حال إصرار المستشار على المضي بتقديم لائحة الاتهام، القانون لا يُجبر نتنياهو على تقديم الاستقالة، ولكن من المهم تذكيره أن نهاية فترة ولاية الحكومة هي نهاية عام 2019.

تمنح الأجندة الزمنية للمسار القانوني هامشاً كبيراً من الوقت الكافي لنتنياهو للمناورة السياسية بشتّى الوسائل المُمكنة، وخاصة أن المعارضة الصهيونية ضعيفة، والأوضاع الأمنية والسياسية، التي تحيط بدولة الاحتلال ساخنة جداً.

لذا من المتوقّع أن يستمر نتنياهو في لعب دور "الضحية المُطارَدَة" أمام مؤيّديه، ولكنه سيصبح أكثر خنوعاً لشركائه في الائتلاف, وهذا ما يفسّر حرص نتنياهو على سرعة إقرار قانون الميزانية في الحكومة وفي الكنيست بالقراءة الأولى قبل إصدار التوصيات.

 مشروع الاستيطان في الضفة الغربية والقدس، ومشروع ضم أراضي الضفة الغربية للسيادة الصهيونية، كما صرّحت وزيرة القضاء عن حزب البيت اليهودي " أنه يجب على العالم أن يُهيّئ نفسه لذلك " ، سيأخذ منحنيات مُتسارِعة في ظل ضعف نتنياهو على مجابهة ضغوط التيارات الاستيطانية الدينية داخل الليكود، أو من شركائه في الائتلاف الحكومي.

 أما على صعيد الحرب فمن المتوقّع ألا يُقدم نتنياهو على الذهاب إلى أية مغامرة عسكرية من دون ضوء أخضر من الجيش والمؤسّسة العسكرية، كونه ليس بصدد فتح جبهات صراع داخلية أخرى مع قوى لها حضورها السياسي القوي ، والصِدام معها ينهي آماله في الخروج من أزماته.