حرب الإلغاء بين الجولاني والظواهري في سوريا

بعيداً عن الصخب وتطوّر الجهود الدولية لمُكافحة الإرهاب في سوريا والعراق، كانت حرب من نوع آخر يشتدّ أوارها بين القاعدة وتفرّعاتها على أرض الخلافة السابقة (سوريا والعراق) خلال الأسبوعين الماضيين، هي أقرب إلى حرب الإلغاء منها إلى أيّ شيء آخر. فما كان يُحكى عن وِئام وتناغُم وانسجام وتكامُل بين "أبو محمّد الجولاني" مُمثّل القاعدة في سوريا سابقاً وبين زعيم القاعدة "أيمن الظواهري" بدأ يتكشّف خطأه، ويتبيّن كم أن سرعة وديناميكيات التحوّلات كبيرة داخل بُنية هذه التنظيمات.

ما كان يُحكى عن وِئام وتناغُم وانسجام وتكامُل بين "أبو محمّد الجولاني" و "أيمن الظواهري" بدأ يتكشّف خطأه

تقوم "هيئة تحرير الشام" قبل أيام باعتقال عدد من قياداتها الشرعيين والعسكريين مثل الشرعي العام السابق "سامي العريدي"، وخالد العاروري "أبي القسام"، النائب السابق لأبي مصعب الزرقاوي، والقياديين العسكريين السابقين إياد الطوباسي "أبي جليبيب"، و"أبو همام"، باعتبارهم جميعاً "رؤوس الفتنة" وقد سعوا "إلى تقويض كيان الهيئة، ونشروا الفِتَن، والشائعات" وفق البيان الصادر عن "تحرير الشام". فما هي الفتنة التي أدّت إلى اعتقال العشرات من المُهاجرين داخل التنظيم لا سيما أن أغلبهم من الجنسية الأردنية؟

ما نعرفه على الأقل من خلفيّات الصِدام هو أن العريدي نشرَ قبل أسبوعين تقريباً من اعتقاله بياناً يُلمِّح فيه إلى أنّ خِداعاً مارسه أبو محمّد الجولاني مع شيخه أيمن الظواهري حين أعلن عن فكّ ارتباط جبهة النصرة بالقاعدة قبل أن تتحوّل إلى تحرير الشام. تكشف البيانات الصادرة عن هيئة الجولاني بأن حوارات ونقاشات ساخنة وعمليات عَزْل وإبعاد وتضييق مورِست داخل البُنيتين العسكرية والشرعية بين فريق مؤيِّد للعريدي وأبو جليبيب وآخرين ، وبين فريق الجولاني انتهى بحسم الأخير الأمر لصالحه باعتقال كل الشخصيات التي أضحت "رؤوس الفتنة".

لم تتّضح خلفيّات الصراع وأبعاده إلا بعد بيان الظواهري الذي نشرته "السحاب" بعد يومين من اعتقال الأردنيين في التنظيم. فهاجم الظواهري الرجل الأول في الهيئة أبو محمّد الجولاني، مُتّهماً إياه بـ"نكث العهد"، مُضيفاً أن ما فعله بعد فكّ الارتباط بالقاعدة العام الماضي هو "إنشاء كيان جديد فقط زاد من الخلافات". ومؤكّداً أنه لم يقبل بحل البيعة مع الجولاني وجبهته (النصرة) بالقول: "البيعة بيننا وبين كل مَن بايعنا عقد مُلزِم يُحرَّم نكثه، ويجب الوفاء به".

كلمات الظواهري أبانت بوضوح عن سبب اعتقال العريدي وإخوانه، فهؤلاء رفضوا ابتعاد الجولاني عن خط القاعدة وتحوّل التنظيم إلى حالٍ قطرية صرفة، لذا راحوا يعملون سرّاً على محاولة قلب الطاولة من داخل التنظيم على أبي محمّد الجولاني. ولما استيأس منهم الأمر لجأوا إلى جمع شتات المُتضرّرين داخل تنظيمي "تحرير الشام" والمُنشّقين عن داعش بعد انكساره العسكري ، لجمعهم في تنظيم جديد سيكون فرعاً رسميا لتنظيم القاعدة في سوريا تحت إسم "أنصار الفرقان" بقيادة حمزة نجل أسامة بن لادن الذي وصل إلى سوريا خلال العام الماضي.

وتأكيداً للمؤشّرات على نيّة الظواهري والمُتعاطفين معه داخل التربة السورية لتجميع اتباع القاعدة في تنظيم جديد ، كانت شيفرة التوجيه مكشوفة هذه المرة في عبارات الظواهري القائل: "أطلب من إخواني جنود قاعدة الجهاد في الشام أن يكونوا على تواصُل مع قيادتهم، وهي حاضرة لخدمتهم يوماً بيوم بعون الله وتوفيقه". توجّه الظواهري إلى تأسيس " أنصار الفرقان" جاء بعد تمهّل دام سنة كاملة قضاها الظواهري مُنتظراً من الجولاني النجاح بتحقيق أمرين هما: اتحاد يجمع "المجاهدين"، وقيام حكومة إسلامية. الأمر الذي فشل فيه الجولاني، بل وحارب وأقصى المُتعاطفين مع القاعدة في تنظيمه الجديد "تحرير الشام".

ويخرج الأمر داخل الردود المُتبادَلة عن دائرة النقاش الشرعي بين طبيعة البيعة وشروط نكثها أو التحلّل منها ، إلى دائرة أوسع تعكس حجم التأثيرات السياسية والأجندات الخارجية عن طبيعة النقاش الديني ، بل وترسم علامة استفهام كبيرة حول طبيعة العلاقة بين الظواهري وقيادات كبيرة في تنظيم القاعدة الأمّ. الراصِد لتصريحات عبد الرحيم عطون أبو عبد الله الشامي المُساعد الأول لأبي محمّد الجولاني وفي معرض ردّه على ردّ الظواهري، يكشف معلومات هي غاية في الخطورة في تقديري ، حيث يكشف أن نائب الظواهري أبو الخير المصري الذي أوفدته القاعدة إلى سوريا رفض فكرة دعوة السوريين لمُبايعة القاعدة ودعا الجولاني إلى دفع جبهته أكثر نحو العمل السياسي.

فهل كان أبو الخير المصري على خِلاف مع مواطنه الظواهري؟ أم أن القاعدة كانت تأمل أن تنساب بين بقيّة الفصائل والمكوّنات المُسلّحة للمُعارضة السورية تمهيداً لابتلاعها من داخلها؟