المقاومة الواثِقة والهلع الإسرائيلي
شكا نتنياهو، خلال لقائه الأخير مع الرئيس الروسي في سوتشي، مَخاوفَه من وجود قواتٍ إيرانية على الأراضي السورية، وبشكل خاص في القنيطرة ودرعا والجولان، وطالب بإخراجها فوراً. لكن بوتين أكّد لرئيس الوزراء الإسرائيلي أن التحالف الروسي الإيراني تحالف استراتيجي. وهو ما أغضب نتنياهو الذي ردّ على طريقته.
الرُعب الإسرائيلي من إيران ومحور المقاومة، كما عكسته تصريحات نتنياهو المتواتِرة، سواء كان حقيقياً أو مبالغاً فيه، لم يعد خافياً. لا يكاد ينقضي يوم من دون أن يُبرز الإعلام الإسرائيلي الخطر الذي أصبحت تمثّله إيران على هذا الكيان بعد نجاحها في الاقتراب من فلسطين أكثر من أيّ وقتٍ مضى. تحسب إسرائيل حساباً لأعدائها حتى وإن لم يكونوا يمتلكون القوة التي يستطيعون من خلالها تهديد هذا الكيان في وجوده، فكيف عندما يتعلّق الأمر بإيران التي نجحت في تطوير قدرات عسكرية كبيرة. والمناورات التي بدأت الثلاثاء الماضي وتستمر لمدة أحد عشر يوماً ليست إلا تعبيراً عن هذا الفزع المُغلّف ببعض الحديث عن الاستعداد لما يقولون أنه حرب قادمة. تجري تلك المناورات الأضخم منذ 19 عاماً بمشاركة عشرات الآلاف من قوات الجيش وجنود الاحتياط من القوات البرية والجوية والبحرية، في الشمال. وهي ُتحاكى عمليات إجلاء المدن وصدّ عمليات التسلّل عند الحدود من قِبَل رجال المقاومة، والهجوم على لبنان بالإضافة إلى إبطال عمل خلايا التجسّس.
تراقب إسرائيل قوة حلفاء إيران العسكرية والسياسية المُتزايدة وتمكُّنها من بناء قوى عسكرية غير نظامية، في أكثر من بلد عربي، تمتلك هيكلة تنظيمية داخلية وتلتزم إيديولوجيا مُعينة تستلهم منها عناصر أساسية في قوتها المعنوية. ومن أجل الحؤول دون استغلال طهران لعناصر القوة لديها، تأمل تل أبيب في مساعدة الروس لها لمنع أية حرب قد تفكّر فيها ضدّها. طوال السنوات الماضية للحرب في سوريا حدثت لقاءات دورية بين الرئيس الروسي ورئيس الوزراء الإسرائيلي، كانت في ظاهرها لتنسيق المواقف ومنع أيّ تصادم جوي فوق الأراضي السورية. غير أنها كانت أيضاً تطرح باستمرار الموضوع الإيراني وعلاقة الروس به. وقد كشف المحلّل السياسي الروسي، إيدين مهدييف، في موقع البرافدا عن خبر وصفه بالمُرعب نقله رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماعهما الأخير، عندما قال إن الكرملين ليس بحاجة إلى تل أبيب لكي تعلّمه كيفية ترتيب أولوياته في الشرق الأوسط.
أبلغ نتنياهو بوتين أن حلمه المُفزع بات حقيقة، وهو اقتراب الحرس الثوري الإيراني، وحزب الله لشنّ هجوم على إسرائيل، وسيستخدمان في ذلك سوريا قاعدة لشنّ هذا الهجوم. ورسم للرئيس الروسي لوحة سوداوية تحكي نهاية العالم إذا لم يتم وقف إيران، التي تنوي تدمير إسرائيل، في الوقت المناسب. كان نتنياهو منفعلاً طوال ساعتين ونصف الساعة هي مدة اللقاء. لكن بوتين كان محافظاً على هدوئه حسب مهدييف. وهذا بذاته يعكس حالة عامة في إسرائيل التي يكثّف جيشها تدريباته ومناوراته استعداداً لحرب قادمة مُحتملة بقوة ضدّ إيران والمقاومة في فلسطين ولبنان. أكّد بوتين أن "إيران حليف استراتيجي لروسيا في الشرق الأوسط". لكنه أضاف أن "إسرائيل هي أيضاً شريك مهم لروسيا في المنطقة، وأن موسكو تأخذ بالاعتبار المصالح الأمنية للدولة العبرية". لا يستطيع بوتين في هذه المرحلة سوى إدارة لعبة جيوسياسية صعبة بين طهران وتل أبيب. وهو لذلك أراد تطمين الإسرائيليين من دون التخلّي عن أصدقائه الإيرانيين وتحالفاته معهم.
لم يحصل نتنياهو من بوتين على ما يريد. وهنا يمكن تفسير الضربة الإسرائيلية الأخيرة على "مركز الدراسات والبحوث العلمية" ومخزن مجاور لصواريخ أرض- أرض في مصياف السورية على أنها بالأساس موجّهة للرئيس الروسي. رفض بوتين مطالب رئيس الوزراء الإسرائيلي فكانت الضربة انتقاماً منه. كانت ضربة غير روتينية كما قال عاموس يدلين، الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية. وكانت رسالة بثلاثة عناوين. الأول هو الخوف من تعاظم القوة العسكرية الإيرانية وقدرتها على إنتاج أسلحة استراتيجية وضرورة وقف ذلك. والثاني هو فرض خطوط حمراء رغم تجاهل الروسي لها. والثالث هو إحراج الروس والقول إن وجود الدفاعات الروسية لا يمنع وقوع الغارات الإسرائيلية.
سبق لنتنياهو أن تحدّث عن إقامة منشآت صناعية إيرانية في سوريا ولبنان لإنتاج صواريخ عالية الدقّة ستُستخدم في حرب مُحتملة ضدّ إسرائيل. وهو يريد تدمير أية منشأة يتم اكتشافها مبكراً. من الواضح أن إسرائيل تخشى تعاظم القوة العسكرية لمحور المقاومة. فذلك خطر يقدِّر الصهاينة ضرورة وأده مادام ذلك ممكناً. حرب جديدة بين إسرائيل ومحور المقاومة لم تعد مجرّد احتمال، بل إنها خيار صهيوني لمحاولة الإبقاء على أمل الحياة لهذا الكيان الغاصِب قائماً. ولذلك لا يتوقّف الصهاينة عن إطلاق تهديداتهم. لكن التهديد الإسرائيلي بضرب البنى التحتية والمؤسّسات والجيش في لبنان دائماً ما يقابله أمين عام حزب الله بتهديد مُضاد بضرب المنشآت النووية والمدن الإسرائيلية.
من الواضح أن محور المقاومة يحقّق مكاسب في العراق وسوريا ولبنان. وليس من الحكمة أن يخاطر هذا المحور بهذه الإنجازات من أجل فتح جبهة جديدة في مواجهة أخرى مع إسرائيل، رغم اعتداءاتها المُتكرّرة، فمن المؤكّد أن المقاومة تحتاج إلى الوقت الكافي لإعادة نشر عناصرها وتنظيم قواتها في حال نشوب حرب مع إسرائيل، بسبب انتشارها الواسع في المنطقة، رغم الجاهزية العالية للمقاتلين ورغم أن ترسانة حزب الله قد ارتفعت من 33 ألف صاروخ وقذيفة قبل عام 2006 إلى 150 ألفاً تقريباً في الوقت الحاضر، بحسب تقديرات الإسرائيليين أنفسهم. وهذه الأسلحة هي اليوم أكثر تقدّماً، ويمكنها أن تسبّب أضراراً ضخمة للكيان الغاصِب، فضلاً عن الترسانة الإيرانية الضخمة التي يمكن أن تدخل الحرب في أيّة لحظة.
تخشى إسرائيل أيّة حرب مقبلة ضدّ المقاومة بعد هزيمة 2006. وقد تجد نفسها تقاتل في وقت واحد على عدّة جبهات. فهناك جبهة لبنان وجبهة الجولان وجبهة غزّة. وقد حذّر مطلع هذا الصيف الأمين العام لـ حزب الله السيّد حسن نصر الله من أن أية حرب إسرائيلية جديدة ضدّ لبنان أو سوريا ستجذب آلاف المقاتلين الذين يقاتلون الآن في الجبهات السورية وغيرها. لن يكون أيّ من الطرفين؛ المقاومة وإسرائيل، منفرداً في تلك الحرب، فلكل أنصاره وحلفاؤه. ولن يكون صعباً على محور المقاومة إعلان النصر لأن ذلك يحتاج فقط إلى الصّمود وإلحاق أضرار حقيقية بالكيان المحتل.