كيف تنظر تركيا وجبهة النصرة إلى "خفْض التوتّر" في إدلب؟
من غير الواضح كيف أمكن التوصّل إلى إجماع حول صيرورة إدلب فضاء جهادياً جاذباً للمُسلّحين من كل أنحاء سوريا: المنهزمون في المعارك، الوافدون إليها بمقتضى مُصالحات وتسويات، الطامحون للوصول إليها ومنها إلى خارج سوريا. وإدلب مدينة أو محافظة اتّسمت تاريخياً بنزوع إسلاموي وتعصّبي ثقيلٍ مُعنِّد؛ وقد انطلقت منها أولى الدعوات لـ "الناتو" من أجل ضرب سوريا، وكانت "قاعدة" مُبكرة لتجمّع الجهاديين القادمين من أربع جهات الأرض للقتال في سوريا، ليتم توزيعهم على مختلف الجبهات.
وتمثّل سيطرة جبهة النصرة على إدلب "حقيقة فاضِحة" بمعنى أن ما حدث مثّل فرصة لتركيا أكثر منه تهديداً، وقد واصلت جهودها ومساوماتها لإدراج "الإمارة" في اتفاقات "خفّض التصعيد"، كما أن ما حدث لم يخلق ردّة فعل جديّة من قِبَل التنظيمات المسلّحة وغير المسلّحة الموالية لتركيا في إدلب، وهذا يدلّ على تواطؤ تركي عميق، ذلك أن الكثير من تحوّلات المشهد هناك ليست بعيدة عن معرفة أو تدبير أو ضبْط من قِبَل الاستخبارات التركية. وقد سبق لـ بريت ماكغورك الموفد الأميركي لدى التحالف الدولي أن اتّهم تركيا بأنها سمحت لتنظيم القاعدة بـ "السيطرة على محافظة إدلب". (تصريحات، 1 آب/أغسطس الجاري).
تكتيكات تركية
- العمل مع "جبهة النصرة" والجماعات والتنظيمات الأخرى المسلّحة وغير المسلّحة على إقامة "إدارة مدنية" مشتركة في إدلب المدينة، تُراعي مصالح مختلف الأطراف، وتُجَنِّب المدينةَ (والجبهة) مصيراً مُشابهاً للموصل والرقّة. - إقناع "جبهة النصرة" بحل أو إعادة تشكيل "هيئة تحرير الشام" بحيث تتمكّن التنظيمات المتحالِفة مع "جبهة النصرة"، من إعلان مواقف مختلفة عن مواقف الجبهة، تقبل بموجبها بمتطلّبات "خفْض التوتّر"، تحت أعين النصرة، وبضبط منها وبما يُراعي مصالحها. - إعادة تنظيم الجماعات المسلّحة الموالية لتركيا، ومن بينها "حركة أحرار الشام"، بتوافق ودعم إقليمي ودولي، وتمكينها من "إزاحة" جبهة النصرة أو هيئة تحرير الشام عن واجهة المشهد، ربما إبعادها إلى ريف المدينة. - الضغط من أجل تشكيل قوات شرطة في المدينة، على غرار ما حدث في مدينتي الباب وجرابلس، فيما تنسحب التنظيمات المسلّحة إلى أطراف المدينة وريفها، مع تمكين "جبهة النصرة" من تشكيل واجهات مدنية وأمنية وشبه عسكرية. - الربْط بين "الإدارة المدنية" وبين "الحكومة المؤقتة"، ما يحقّق أحد أهم أهداف تركيا، وهو خلْق موطئ قدم لحكومة الائتلاف، وإقامة بُنى "سلطة بديلة" عن دمشق، يمكن أن تنال اعترافاً دولياً تدريجياً، في إطار تسويات مُعقدّة في المشهد السوري. من الواضح أن استهداف "جبهة النصرة" ليس أولوية لدى أنقرة، صحيح أنها أدرجتها في قائمة الإرهاب، إلا أنها تمثّل -في الوقت نفسه- أحد أهم مصادر دعمها وإمدادها. وبالنسبة لدمشق وحلفائها، فإن الهدف ليس مُهاجمة إدلب، وإنما ضرب الجماعات المسلّحة بأقل قدْرٍ ممكن من المخاطر على المدنيين، ولذا يتم التركيز على التسويات والمصالحات وإقامة مناطق "خفّض التوتّر".
تكتيكات "الإمارة"
وهكذا تتقاطع رؤية تركيا و"جبهة النصرة" لمتطلّبات إقامة منطقة "خفْض التوتّر" في إدلب، وهدفهما الرئيس هو احتواء عمل عسكري كبير ضدّ "الإمارة" هناك، من خلال الاستجابة العلنية لعددٍ من مُتطلّبات "خفْض التوتّر"، والعمل –في الوقت نفسه- على "تكييف" و"تمويه" السيطرة بما يُمكِّنُ تركيا من اتّخاذ المبادرة عندما يكون ذلك مُناسباً، سواء أكان ذلك بالتوافق مع "الجبهة" أو في مواجهتها؛ ومثل ذلك بالنسبة لـ "جبهة النصرة"، سواء أكان ذلك بالتوافق مع تركيا أو في مواجهتها.